عنصرية غربية مزدوجة تجاه الفلسطينيين

04 يناير 2024
+ الخط -

منذ صباح 7 أكتوبر، سارعت المنظومة الإعلامية والسياسية والأكاديمية الغربية إلى إدانة عملية طوفان الأقصى، ونعتها بالعملية الإرهابية، ووسم كلّ من يتحفّظ عن إدانتها؛ حتّى لو لم يؤيدها، بالإرهابي والمعادي للسامية، استنادًا إلى ما أشيع عن مسار العملية من قتلٍ للأطفال، وبقرٍ لبطون الحوامل، واغتصابٍ للنساء، وقتلٍ للمستوطنين العزّل. بل نستطيع القول إنّ مسار الإدانة والتنديد هذا ما زال مستمرًا لدى معظم هذه الجهات والأطراف، مؤسساتٍ وأفرادًا.

يمثّل مسار الإدانة الغربية هذا سلوكًا عنصريًا صافيًا تجاه كلّ ما هو فلسطيني، بل ومعاديًا له، وهو ما قد تصح تسميته "معاداة الفلسطينية"، إذ استند هذا السلوك إلى رواياتٍ متناقلةٍ من دون بذل أيّ جهدٍ للتحقّق منها، وكأنّها سلوكٌ يوميٌ معتادٌ، لا يغيّر التحقق منها التقييم العام له. في حين نجد أنّ الحقائق والإثباتات المرتبطة بقضية فلسطين وأرضها وشعبها تثبت العكس، أي أنّ الطرف الذي يمارس الإرهاب والقتل والتهجير والتنكيل بالآخر هو الاحتلال الصهيوني لا المقاومة الفلسطينية. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحقائق والمعطيات التي نتحدث عنها هي المدعمة بتقارير دوليةٍ وغربيةٍ أكاديميةٍ وحقوقيةٍ وإعلاميةٍ من أكثر المصادر موثوقيةً ونزاهةً وشهرةً في العالم، من هيومن رايتس ووتش، إلى منظمة العفو الدولية، مرورًا بتقارير مفوّض الأمم المتّحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسواهم من المنظمّات والهيئات الدولية الموثوقة.

بناءً عليه؛ يمثّل اندفاع المنظومة الإعلامية والسياسية الرسمية والأكاديمية الغربية سلوكًا عنصريًا بغيضًا تجاه الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، فالعنصرية، وفق الاتّفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، هي "أيّ تمييزٍ أو استثناءٍ أو تقييدٍ أو تفصيلٍ يقوم على أساس العرق، أو اللون، أو النسب، أو الأصل القومي، أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل، أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان، والحرّيات الأساسية، أو التمتّع بها، أو ممارستها على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو في أي ميدانٍ آخرَ من ميادين الحياة العامة". استنادًا إلى هذا التعريف، نلحظ تقييدًا تجاه عرقٍ قوميٍ هو الفلسطيني، يعرقل الاعتراف بحقوقهم الإنسانية، وحرّياتهم الأساسية، من حقّهم في إنهاء الحصار اللاإنساني المفروض عليهم من الاحتلال الصهيوني، وحقّهم في تقرير المصير، وحقّهم في التحرّر من سجون الاحتلال، الذي يتخذهم رهائن وأسرى لديه، إلى حقّهم في التحرّر الكامل والشامل، وحقّهم في العودة الكاملة وغير المشروطة إلى بلداتهم ومدنهم التي هُجّروا منها قسرًا، وطبعًا حقّهم في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة دون شرطٍ أو قيدٍ.

لم تتمكّن مراكز التحقيق الطبية الصهيونية من إثبات ادّعاء الاحتلال بترافق عملية طوفان الأقصى مع اغتصاب نساء المستوطنات الصهيونية

أيضًا؛ نجد في موقع منظمّة العفو الدولية (أمنيستي) توضيحًا مهمًا ودقيقًا لأنماط التمييز العنصري وأشكاله، منها "أن تنظر السلطات إلى فئات معينة على أن أفرادها يُرجح أن يكونوا مجرمين بسبب ما هم عليه"، وهو ما ينطبق تمامًا على سُعار الإعلام الغربي بعد عملية "طوفان الأقصى"، إذ انطلقت جلّ الاتهامات من سلوكٍ عنصريٍ مزدوجٍ تجاه الفلسطيني، رجّحَ صدق الادعاءات الصهيونية، من دون الحاجة إلى أيّ دليلٍ أو إثباتٍ، وبالتالي، من دون الحاجة إلى التحقّق منها. لا بل أدّت تلك العنصرية البغيضة إلى غضّ النظر عن دلائل معاكسةٍ تاريخيةٍ وراهنةٍ، منها تقارير المنظمّات والمؤسّسات التي أشرنا إليها سابقًا، ومنها شهادات بعض المستوطنين الناجين من المواقع التي استهدفتها عملية طوفان الأقصى، الذين تحدثوا عن قصف قوات الاحتلال؛ برًّا وجوًا، للمستوطنات وساكنيها، بل وتعمّدها قصف المنازل التي كانوا فيها، فضلاً عن استهدافها؛ ربّما من دون قصدٍ، جمهور حفل موسيقي أقيم قرب مستوطنة "ريعيم"، وهو ما أكّدته تحقيقات شرطة الاحتلال لاحقًا.

هذا السلوك العنصري لا ينبغي تبريره حتّى لو ثبتت صحّة الادّعاءات لاحقًا، فالقاعدة القانونية والإنسانية تقول "كلّ متهمٍ بريءٌ حتّى تثبت إدانته"، فكيف إذا دحضت معظم تلك الادّعاءات؟ تؤكد الصحافية الصهيونية، شيلي بحموفيتش، محاولة حكومة الاحتلال ومؤسّساته الأمنية منع التحقق من ادّعاءاتها التي بثتها بخبثٍ منذ 7 أكتوبر، إذ تقول "هناك حملةٌ عنيفةٌ لمنع كلّ تحقيقٍ أو حديثٍ عن أوامر الاستهداف في بئيري (في 7 أكتوبر)". رغم ذلك، دُحضت بعض تلك الادّعاءات، ومنها ما وصفته الصحافية نفسها بقولها "الجنرال حيرام أمر بقتل إسرائيليين؛ وأبطال إسرائيل يدافعون عن أطفال إسرائيل ولا يقتلونهم"، وهو ما يحوّل أصابع الاتهام بشأن قتل الأطفال يوم 7 أكتوبر من المقاومة الفلسطينية صوب جيش الاحتلال وقوّاته الأمنية.

لا يقتصر دحض الادعاءات الصهيونية على ذلك فقط، بل كشفت التقارير التي نشرتها صحيفة هآرتس الصهيونية عن عشرات الأكاذيب الصهيونية، وهو ما أكّده تقرير صحيفة ليبيراسيون الفرنسية، التي أجرت تحقيقًا واسعًا استند إلى البيانات الصهيونية ذاتها، وعرضها في تقريرٍ بعنوان "إسرائيل 7 أكتوبر: مذبحة وغموض"، نشر في 13/12/2023، تضمّن نفيًا لوجود قطعٍ للرؤوس، أو بقرٍ لبطون حوامل، أو قتلٍ لرضّع؛ وفق التقرير هناك رضيع واحد قتل بالرصاص من دون تبيان الجهة المسؤولة عن قتله، إضافةً إلى الاشتباه بمقتل رضيعٍ ثانٍ في منزله المحروق من دون التطرّق لكيفية احتراق المنزل ومن المسؤول عن حرقه.

ما زالت المنظومة الغربية السياسية والإعلامية والأكاديمية تصرّ على تبنّي الادّعاءات الصهيونية، رغم عدم ثبوتها ودحض معظمها

كذلك لم تتمكّن مراكز التحقيق الطبية الصهيونية من إثبات ادّعاء الاحتلال بترافق عملية طوفان الأقصى مع اغتصاب نساء المستوطنات الصهيونية، إذ لم تُثبت الفحوص الطبية أيًّا من تلك الادّعاءات، فضلاً عن نفيها عبر شهادات المحتجزات في غزّة بعد عودتهم إلى منازلهم وأسرهم ضمن صفقة التبادل المبرمة بوساطة قطريةٍ ومصرية بين حركة حماس والاحتلال الصهيوني في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

أخيرًا؛ لم يشهد تاريخ المقاومة الفلسطينية الطويل أيّ فعلٍ ممنهجٍ كعدوانٍ تجاه حاضنة الاحتلال الاجتماعية، خصوصًا في ما يتعلّق بقطع الرؤوس، والتمثيل بالجثث والأجساد. رغم ذلك، سارعت المنظومة السياسية والإعلامية والأكاديمية الغربية إلى تشبيه عملية طوفان الأقصى بممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو ما يكشف عن عنصريةٍ مزدوجةٍ تجاه الفلسطينيين جميعًا، أولها عنصريةٌ تجاه فلسطين وشعبها وقضيّتها "معاداة الفلسطينية"، والثانية عنصرية تجاه المسلمين عامةً "الإسلاموفوبيا"، تعمّم سلوكيات "داعش" على جلّ المسلمين ومنهم فصائل المقاومة الفلسطينية، من دون تمييزٍ بين تيارات الإسلام السياسي المختلفة. الجدير بالذكر هنا أنّ عدد أعضاء "داعش" وفق شركة "soufan" الأميركية يبلغ نحو 40 ألف مقاتلٍ حتّى عام 2017، منهم من انضم قبل إعلان الخلافة، ومنهم بعدها، وهو ما يمثل أقلّ من 0.02% من مجمل أعداد المسلمين في العالم، البالغ قرابة 1.9 مليار مسلم!

بعد مضي نحو ثلاثة أشهر على عملية طوفان الأقصى، ما زالت المنظومة الغربية السياسية والإعلامية والأكاديمية تصرّ على تبنّي الادّعاءات الصهيونية، رغم عدم ثبوتها، بل ودحض معظمها، أو على الأقلّ دحض قسمٍ مهمٍ منها، وهو ما يوضح حجم العنصرية الغربية تجاه فلسطين وشعبها وقضيّتها، ويضع على عاتق أحرار العالم والتقدّميين منهم عبئًا ثقيلاً في مكافحة هذه العنصرية البغيضة ومقاومتها، خصوصًا في ظلّ استمرار قادة الاحتلال؛ وفي مقدّمتهم بنيامين نتنياهو، تكرار الأكاذيب ذاتها مرارًا وتكرارًا متجاهلين الحقائق التي تنفيها.

75812723-2689-4553-B56D-72CE271905DB
حيّان جابر
كاتب فلسطيني، مشارك في إعداد ملحق فلسطين.