علموا أولادكم البليارد

19 مارس 2015

كل صراعاتنا تلتقي في النهاية حول المرأة (Getty)

+ الخط -

وجدت على صفحتي في "فيسبوك" هدية، فيلمٌ قصير مُنح هذا العنوان: "علموا أولادكم البليارد". العنوان ساخر، وهاذر، يتخذ من القول المأثور الشهير عنواناً. وهو يشبه أفلاماً شائعة عن المهارات البشرية الخارقة، مثل فيلم فيديو لطفل في الخامسة، يحقق أهدافاً رائعة في كرة السلة، وآخر يحقق أهدافاً في السلة، بعد تسديدها على النقطة المناسبة في الحائط. هذا الهدّاف ليس عضواً في فريق سيرك، فالسيركات انقرضت تقريباً، بعد أن تحوّل العالم إلى سيرك، وصار له كتاب مقدس، هو سجل غينيس للأرقام القياسية.

والعالم يتجه إلى مرحلة جديدة من كشف لثام السحر عن غوامض السيرك، وألعاب الخفة. لكن، هذا الفيلم مختلف عن الأفلام السابقة. والبليارد لعبة نخبة، وتُعرّف في المعاجم "بكُرة المائدة، تُلعَب بِكُراتٍ عاجيَّة تُدحرج بعصًا على مائدة مستطيلة الشَّكل ذات جيوب، مفروشة بقُماش صوفيّ أخضر، ولها إطار لُفَّ عليه مطاط".

والمختلف هو في أنّ اللاعب الذي لا يظهر اسمه، ويحقق خوارق في تحقيق الأهداف في "الجيوب السوداء الثمانية"، ترافقه حسناء، تجلس معه على المائدة، متحدية "بجيوبها" غرائز المشاهد. إنها، تقريباً، الوليمة الكبرى، بحسنها ودلالها، تستلقي أحياناً، تقوّس ظهرها حيناً، ترفع ساقيها حيناً، تنبطح حيناً، تكمن للمشاهد من غير سلاح، ولنعلها كعب غدّار من الرماح العوالي، شبه عارية، في وضع مثير مع كل حركة من حركات اللاعب السحرية. اللاعب يقود الكرة الصلبة من غير مقود، بعصاه من على بعد، يدوّرها على شكل نصف قوس، أو يشوطها بالعصا، فتقفز، وتثب، أو تجري، أو تكرّ، أو ترقص، أو تتموج، أو تخبّ إلى الخلف دائخة، وتصبُّ ذليلة، في هاوية الجيب العقيم. لكن، ويل للمشاهد من جيوب الحسناء.

في السيرك، وقد ذكرناه، عَرَضاً، يؤدي كل ساحر وبهلوان "نمرته"، مع صاحبة شبه عارية، وأنت، عزيزي الضحية الذي يضحك عليه سحرة السيرك العالمي، لن تعرف ما إذا كانت الكرة الصلبة، تتصرف وكأنها مستأنسة أو "كما تأرز الحيَّةُ إلى جُحْرِها" مع كل دفعة من عصا البليارد، الماهرة، أم أنها تتوقد غيرة من جمال الحسناء المبارزة على المائدة.

أعتقد أنّ كل صراعاتنا تلتقي، في النهاية، حول المرأة، وتعزو الرواية التوراتية قتل قابيل هابيل على أنه صراع على خطبة امرأة، وقد مضى، قبل أيام، عيد المرأة العالمي الذي لا أحفل به، تاركاً الحفاوة والبكاء للسحرة، وأصحاب الشهوات الساخنة.

المرأة محورية ومركزية في عقيدة حزب النور، وأزعم أنّ دود القز انتحر، بسبب انقراض ورق التوت، فقد تعرّى الحزب من ورقة الشريعة التي طالب بها محمد مرسي، والخوف من غزو الشيعة، والمادة رقم اثنين في الدستور الموؤود.. ثم ذرف دموعاً حرّى على رحيل القائد الفاتح الرسول محمد إبراهيم، الذي دحر الإخوان في معركة رابعة، وخلص مصر من شرورهم، ثم لم يجد سوى منى سلمان، ليؤكد رمق سلفيته الأخير، في لعبة البليارد السيسية التي تحول فيها إلى كرة.

بالأمس القريب، وجدت نادر بكار، أفصح السلفيين، وأوسعهم ثقافة وطلاقة، في مقابلة مع المذيعة التي خلعت الحجاب، بعد رحليها عن "الجزيرة"، وقد "شفّر" صورتها على موقعه، خوفاً على الشعب المصري، من الفتنة والضلال، والوقوع في التهلكة! ألا في الفتنة سقطوا.

ينتقم السلفي المعاصر، صاحب نظرية التغلب السياسية، من المرأة غالباً، أو يعوّض عن نقص الدين بتطويل اللحية، أو تقصير الثوب، أو ختم الجبين، أو تسميك خمار الزوجة، أو رش وجوه المذيعات بماء النار المشفر للوجوه، أو السؤال عن حرمة قتل البعوض في البيت الحرام.

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر