صنّارة عبدالله الريامي وخواتمه
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
ما الذي يجعل قصائد الشاعر العُماني عبد الله الريامي، على قلتها، تمتلك جاذبيتها الخاصة، وأفق انتظارها المضمون؟ ربما لأنه يبتكر صورا شعرية خاصة (حتى لا أقول لا نظير لها) فهو ينتظر طويلا كما صيّاد ألف ليلة الذي يذهب كل فجر إلى اليمّ، ولكنه يعود إلى بيته من دون أن يصيد شيئا، وفوق ذلك يكرّر ما فعله وينظر وينتظر. أصدر الريامي، هذا العام (2023) ثاني دواوينه الورقية، "جيش من رجل واحد" عن دار أوكسجين- بودابست. وفي رصيد الريامي المطبوع ديوان وحيد ترك تأثيره في جيل لاحق من شعراء الموجة الشعرية الجديدة في عُمان. يكتب الناشر على ظهر الغلاف "ثلاثة عقود تفصلنا عن ديوان الشاعر العُماني عبدالله الريامي الأول "فرق الهواء" (1992)، ثلاثة عقود ترقّبنا فيها هذا الديوان الجديد، فإذا هو ممحاة للزمان، وقصائده تذلّل الانتظار، تجعله فترة وجيزة أمام قدرتها المدهشة على صوغ خريطة شعرية هائلة ومترامية لجيشٍ من رجل واحد، لجمهرةٍ من شاعر واحد متفرّد، يلملم ما تبقّى لنا من شعر وحب في هذا العالم".
سبقَ للريامي أن أصدر بعد "فرق الهواء" ديوانين، لكنهما كالهواء، مرّا مرور الكلام، لأنهما إلكترونيان، وهل الورقي كالإلكتروني؟ وهما "حرّا كالخطأ" و"أخطر الألعاب أو غرام". توزّع في الديوان الورقي الجديد "جيش من رجل واحد" أكثر من أربعين قصيدة (يكتب الريامي في سياق ما سمّي اصطلاحا بقصيدة النثر) وهذا النوع من الشعر، وربما هذه سنّة الريامي في كتابته الشعرية، يعتمد على اقتناص صور جديدة لا تشبه غيرها. ولأن الصياد عليه أن ينتظر مطولا حتى يتمكن من اصطيادها، فإن قصائد الديوان تزخر بهذه الصور الفارقة، التي لا بد أن الشاعر انتظرها مديدا ورجلاه في الماء "تعثرت كثيرا في تعلّم المشي/ وكان القلق من مهمّات أمي". يكتب من دون ادّعاء أو وهم، إنه فقط ينتظر وينظر ببساطة ويتأمل "لم أكن من شعراء المهجر/ ولم أحمل خريطة/ لم أكن رومانسيا/ ولكني اصطحبتُ القمر مصباحا/ أشعله/ متى أقترب من شاطئ/ أو قعر واد".
تدلّ عناوين القصائد كذلك على اقتناصٍ وجدّة، من قبيل: "المستقبل ورائي/ حذاء رجل ميّت/ سفينة اليابسة/ قصيدة على رفّ شاعر/ مطر التجارب/ أين أخفي شمسا/ مدينة الملاهي/ كنز مخبأ في كل مكان، لا تسمح لشيء أن يعلق بك".
ربما لأن الشعر "صعبٌ سلّمه" كما كان يقال، هجره شعراء عديدون قليلا ليعودوا إليه، هجروه إما بالصمت والتقطّع أو بمزاولة أنواع أدبية أخرى، كالرواية والقصة، كما حدث مع أمجد ناصر وعباس بيضون، وكذلك سيف الرحبي الذي يُصدر كتب رحلات عوضا عن الروايات في المثالين السابقين. وفي السياق أيضا محمد الحارثي الذي كان، بين كل عودة وأخرى إلى ديوان جديد، يكتب الرواية والرحلة. زاول أيضا التحقيق كما حدث مع ديوان الشاعر الكلاسيكي أبو مسلم البهلاني الذي اختارته "يونسكو" أخيرا ضمن الأعلام الخالدين. لن أنسى أيضا شاعرا مهمّا مثل سليم بركات الذي أحبّ دواوينه الشعرية نظرا إلى لغتها القوية وصورها الأخّاذة وعربيتها المتميزة، ولكنه ينقطع عن الشعر لكتابة الرواية التي تمتاز هي الأخرى بجاذبيّتها. يكتب الريامي: "أنا جيشٌ/ من رجل واحد/ لا تخف على مستقبلك مني/ ما أزال مشغولا بالماضي/ أسير إلى الوراء/ ضد التيار".
كان بورخيس، لتواضعه الشديد ودماثته الكبيرة، يعتبر نفسه كائنا خفيا. عبدالله الريامي أيضا، لأكثر من سبب، جميل، لا يشعرك أنه موجود، وإذا ظهر بعد عقودٍ من الصمت، يُفاجئك بديوان مختف، مليء بصور جديدة ومفارقة تشعل جميع أحاسيسك وتحلّق أو تغوص بك وأنت تقرأ. لنكون أمام شعرٍ من دون أوهام، وفي أوفى تجلياته وأصقلها وأصفاها: "أكتب ليقرأك/ ليقرأك سكان الكواكب الأخرى/ عندما لا يبقى على الأرض كتاب".
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية