صعوبة الكتابة عن كلاي

توفّي في مثل هذا الشهر (3/ 6/ 2016) الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي الذي اختار الإسلام عقيدة، لأنه لا يفرّق بين أبيض وأسود، حسب أكثر من تصريح له عن سبب اعتناقه الإسلام. وقد امتلأت حياته بالدراما والحيوية والتحدّيات الهائلة، ما جعل "هوليوود" تختصر حياته في فيلم "علي"، أدّى فيه الدور بإتقان الممثل الأميركي، ويل سميث، وأخرجه مايكل مان.
يلاحظ من يشاهد الفيلم المعاناة التي واجهت الفريق في اختصار حياة محمد علي، حيث جرى التركيز على محطّات قليلة من هذه الحياة المفعمة بالتحدّيات. رُشّح كلاي ليكون أسطورة خالدة جعل من ملاكمين في حجم جورج فورمان ومايك تايسون يقرّون بأنه لا يمكن أن يوجد نموذج رياضي يضاهيه على مر العصور. عانى في طفولته من العنصرية التي ظلّ يحاربها بشراسة طوال حياته الرياضية، حتى إنه حين طُلب للتجنيد الإجباري للذهاب إلى الحرب في فيتنام، رفض مصرّحا إنه ليس لديه مشكلة مع الفيتناميين، إنما مشكلته هنا في أميركا مع الذين يحتقرون الأميركان الذين من أصل إفريقي. ما تسبّب في سحب اللقب العالمي منه، وكذلك في حرمانه من اللعب، واضطراره للالتجاء إلى المحاكم، حيث أنفق ثروة كبيرة في خوض الدعاوى القضائية، قبل أن يحصل على العفو، بعد أن كان مهدّدا بالسجن خمس سنوات. ولكنه أيضا اضطرّ من أجل استعادة لقبه الذي سُحب منه، إلى خوض مباراةٍ سمّيت مباراة القرن، وقد اختار لها ميدانا غابة في زائير، حيث سمّيت كذلك مباراة الغابة. واستطاع فيها أن يفوز على البطل الصعب يومئذ، جورج فورمان، بالضربة القاضية، الأمر الذي عزّز أسطورته. 
كان كل من ينازل كلاي يعرف أنه يخوض لقاءً خالدا، حتى إن الملاكم الإنكليزي، هنري كوبر، الذي كان أسطورة في زمنه، استطاع، في لقائه بمحمد علي، أن يوجّه ضربة له أسقطته أرضا، قال عنها محمد علي، بسبّب شدتها، إن أجداده في أفريقيا شعروا بها. ولكنه قام من سقطته تلك، وانهال باللكم على كوبر حتى تغلب عليه، مدلّلا على أنه ليس من السهل التفوّق عليه، مهما بلغت قوة الخصم. وقد توجت الملكة إليزابيث كوبر بوسام، وكانت هذه المباراة التي لم يفز فيها الأبرز في مسيرته، لأنه استطاع أن يُسقط فيها محمد علي الذي امتاز لعبه بالصبر الشديد والمراوغة وخداع الخصم، حتى يظنّ هذا أن الإعياء والتعب قد تمكّنا منه، ثم يُعرب فجأة عن قوته ويبدأ بلكم الخصم إلى أن يسقط. 
وفي مسيرة محمد علي أكثر من تجربة زواج، وتسعة من الأبناء، أطلق عليهم أسماء عربية، منها ليلى ورشيدة وأسعد ومريم وميا وجميلة وخليلة. من يتابع شخصيته، يكتشف مدى العناد والإصرار الذي تمتع به. وحين رحل حصل على كلمات رثاء من مختلف الأسماء البارزة في العالم. قال عنه بيل كلينتون إنه استطاع  أن يرسم سيرته كما يريد. وقال عنه أوباما إنه أكثر الرياضين شعبيةً على مر العصور. 
زار الأسطورة كلاي عدة دول عربية. وفي زيارته مصر، أجريت معه احتفالية مهمّة ومسجّلة في برنامج "نورعلى نور" الذي كان يقدّمه الإعلامي أحمد فراج، (موجودة في "يوتيوب"). وكانت مؤثرة، حيث شاركت فيها شخصيات بعضها دينية. 
كل محطّة في حياة محمد علي مكثفة ومليئة بالتحدّيات، الرياضية وغيرها، مثل التحدّي الذي خاضه في ثلاث مباريات مع الملاكم الصعب جو فريزر. وكانت تسبق مبارياتهما لقاءات حوارية متلفزة، انفعلا في إحداها، وخاضا صراعا أمام الكاميرا. عُرف عن كلاي كذلك حضور بديهيته في الردّ على خصومه، ووصفهم بأوصافٍ تتّسم بالالتقاطة والذكاء، مثل وصفه خصمه جورج فورمان بأنه أشبه بالمومياء، حين يحرّك يديه في الحلبة. لم يكن للهزيمة أن تطاول محمد علي لولا أن صحّته غدرت به، حين أصيب بمرض الرعاش (باركنسون). حينها فقط، تمكّن خصمه لاري هولمز من هزيمته. وفي وقت لاحق، انتقم مايك تايسون لمحمد علي، وكان تايسون يكنّ لعلي حبّا خاصا، حتى إنه كان يبكي انفعالا حين يُذكر اسمُه أمامه.