رسائل تفجير القنصلية الإيطالية

13 يوليو 2015

موقع تفجير القنصلية الإيطالية في القاهرة (11 يوليو/2015/العربي الجديد)

+ الخط -
اهتزت أرجاء وسط القاهرة، صباح أول من أمس، على وقع انفجار السيارة المفخخة التي ضربت محيط القنصلية الإيطالية. غير أن صوت الانفجار كان أضخم كثيراً من الخسائر الناجمة عنه، المادية والبشرية. ما يشير إلى أن إحداث دمار واسع لم يكن هدف مرتكبي العملية ومن وراءهم، بل كان الحرص بادياً على أن تمر العملية بأقل خسائر ممكنة. بدليل اختيار يوم عطلة رسمية وساعة مبكرة تكاد شوارع القاهرة تخلو فيها من المارة، خصوصاً في شهر رمضان. ويؤكد ذلك وضع السيارة المفخخة عند الواجهة الخلفية للقنصلية، حيث تطل على شارع فرعي شبه مهجور ومغلق من أحد طرفيه، على خلاف الواجهة التي تعلو نقطة تجمع لركاب الحافلات العامة، وتطل على أحد الشرايين الرئيسة لوسط القاهرة. ما يعني، أنه لا الدبلوماسيون الإيطاليون العاملون في القنصلية، ولا المواطنون المصريون المترددون عليها، أو الموجودون في المنطقة، كانوا هدفاً للعملية. وهو ما ينطبق، أيضاً، على مبنى القنصلية الذي تضرر جزئياً. ومن ثم، الأهداف والرسائل غير المباشرة، وليس النتائج المباشرة، هي المغزى من ورائها.
من أهم رسائل تفجير القنصلية أن استخدام أسلوب تفخيخ السيارات في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، ثم في اغتيال النائب العام، هشام بركات، لم يكن استثناءً أو متعلقاً فقط بتصفية مسؤولين كبار. ما يعني بدوره اتساع نطاق العمليات وتنوع الأهداف، وأن المقار الدبلوماسية، وبالضرورة المنشآت العامة والحيوية، لم تعد مستبعدة من تلك الأهداف، وصارت معرضة للتفجير بسيارات مفخخة، وليس فقط بمجرد قنابل بدائية، كما كان الحال في الأشهر الماضية. الأمر الذي يزيد من الأعباء الأمنية وصعوبات التأمين المطلوب لكل المواقع والمنشآت والشخصيات المستهدفة. إلا أن تكرار العمليات التي تتبنى هذا النمط من أعمال العنف يؤكد أن الخلل الأمني ليس مقصوراً على منطقة أو أهداف بعينها. حيث يعد تأمين موكب متحرك لمسؤول كبير، مثل وزير الداخلية أو النائب العام، عملية معقدة وأصعب كثيراً من تأمين مقر بعثة دبلوماسية من جهة شارع جانبي مغلق أمام السيارات والمارة، فضلاً عن وجود حراسة ثابتة ومستمرة حولها.
يصب اختيار مقر بعثة دبلوماسية، أيضاً، في السياق نفسه، فالعجز الأمني قائم ومستمر ويزداد، غير أن وقعه والتعاطي معه، فضلاً عن قبوله، يختلف عندما يتعلق الأمر برعايا أجانب أو بعثات رسمية. فعلى الرغم من عدم وقوع ضحايا من الإيطاليين، إلا أن مجرد وقوع العملية يكفي لإثارة مخاوف من تكرارها تجاه مقار أو مصالح أجنبية أخرى. وبالطبع، لا يوجد، وقتئذ، ما يضمن عدم وقوع خسائر في الأرواح. والنتيجة المتوقعة، بالضرورة، أن تغير الدول الأجنبية مواقفها من الوضع الداخلي في مصر. فتصبح أكثر تقبلاً للسياسات والإجراءات التي يتعرض لها المصريون تحت عنوان "محاربة الإرهاب"، سواء ما يتعلق بممارسات الشرطة والانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان، أو التعديلات التشريعية الجديدة المقيدة للحريات بصورة غير مسبوقة، أو لجهة الأحكام القضائية التي أثارت ردود فعل سلبية في الخارج، خصوصاً أحكام الإعدام الجماعية، وتلك الخاصة بقيادات الإخوان المسلمين. وهنا، يمكن بسهولة الربط بين عملية "القنصلية" واحتمالات الإقدام على شنق قيادات إخوانية قريباً، خصوصاً إذا وقعت عملية أخرى، أو أكثر، تجاه مصالح أجنبية في مصر، فمع كل عملية جديدة، ستتراجع الاعتراضات الخارجية على أحكام الإعدام وستخفت الأصوات المنادية بإلغائها أو تأجيلها. لذا، يمكن بسهولة توقع عمليات أخرى أكثر دماراً وتنوعاً في الأيام القليلة المقبلة، قد تكون اغتيالات لمسؤولين أو شخصيات عامة من المصريين، أو استهداف أشخاص أو منشآت أجنبية، مثل مقار منظمات دولية، وسفارات مهمة، أو اغتيال دبلوماسي غربي.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.