رادوفان كاراديتش وآخرون

28 مارس 2016

أقارب لضحايا كراديتش أمام المحكمة في لاهاي (24 مارس/2016/الأناضول)

+ الخط -
يفيد خبران مرّا، قبل أيام، بأنَّ ثمّة رهاناً ممكناً على شيءٍ من العدالة يمكن أن يحوزه العرب، وإنْ بعسرٍ شديد، وتعقيدٍ وصعوبةٍ عويصيْن، وكفاحٍ طويل. الأول، أن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أحالت أمير الحرب الأوغندي السابق، دومينيك أونجوين، إلى المحاكمة بسبعين تهمة، منها القتل والتعذيب والاغتصاب، بعد أن صارت الأدلة كافيةً لذلك. وكان المذكور قائداً كبيراً في جيش الرب الذي أحدث في أوغندا جرائم مروّعة، قضى فيها عشرات الآلاف وتشرّد مئات الآلاف، بين 1987 و2006. الثاني، أن المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا قضت بالسجن 40 عاماً على رادوفان كاراديتش، بعد أن مثُل أمامها 497 مرّة، منذ بدء محاكمته في 2009، وتقدّم الإدعاء بأدلته في ثلاثة ملايين صفحة. والمذكور طبيبٌ صربي متعصّب، ترأس صرب البوسنة، متهم بجرائم حربٍ وضد الإنسانية، وهو مسؤولٌ عن مقتل ثمانية آلاف شخص في مذبحة سربرنيتشا في 1995، وبحصار ساراييفو وتجويع أهلها.
يعنينا في أمر المجرميْن أن نعرف أن ثمّة مطارح للعدالة في العالم يمكن أن تحقّق مقادير من الإنصاف لضحايا عديدين في العالم. وإذا كنا، نحن العرب، مصابين بمظلوميّةٍ مزمنةٍ وعميقةٍ، لأن مؤسسات العدالة والقانون الدولي لم تُيسر للضحايا العديدين منا، في فلسطين ولبنان وغيرهما، شيئاً من الراحةِ لنفوسهم، وهذا صحيح، فذلك لا يعني أن هذه المؤسسات متآمرةٌ، وصناعةٌ غربية لحماية إسرائيل ومجرميها، وللتآمر على حزب الله وعمر البشير. الصحيح أن هذا النوع من المعارك شديد الصعوبة، وليس في وسع غير أهل الاختصاص والخبرة والنفس الطويل أن يخوضوا فيها، فهي ليست ثرثرةً ومهرجاناتٍ كلامية، وأفراحاً ساذجة، نمارسها عندما تصبح فلسطين عضواً في اتفاقاتٍ دولية، ثم لا نلحظ جهداً مؤسّسياً وقانونياً محكماً ومنظماً من أجل جرّ إيهود أولمرت وموشيه يعلون إلى محاكم العدالة الدولية. إنْ كانت المنظومات السياسية الحاكمة في واشنطن ولندن وباريس لا تناصرنا، بل وتحاربنا ربما، إذا ما طرأَ جهدٌ في مثل هذا الخصوص، فإن الأمر لا يعني سوق الكلام على عواهنه عن غربٍ لا شاغل له سوى التآمر علينا (في دارفور مثلاً!)، وعن محكمة جناياتٍ دوليةٍ تحمي نتنياهو، وعن محكمةٍ خاصةٍ بلبنان تتشاطر على أربعةٍ أشخاص أنقياء متبتلين من حزب الله، لا لشيء إلا لأنه مقاومٌ لإسرائيل. هذا منطقٌ مضحك، ولا يُحرج أي منشأة للعدالة في هذا الغرب المدان.
يحسن تذكير الشغوفين بهذا الكلام ومثلِه بأن ضحايا رادوفان كاراديتش مسلمون، قال حزب الله إنه حارب في البوسنة من أجلهم، وهذا صنوُ هذا المجرم وشريكه في قتلهم، راتكو ملاديتش، يُحاكم حالياً بتهمٍ مماثلة. وقد سبقهما زعيمهما سلوبودان ميلوسيفيتش الذي ردّد بعض العرب، إبّان محاكمته، كلاماً عن استنسابيةٍ سياسيةٍ في أمره، قبل أن يموت فلا يُعلن حكمٌ عليه، كما مات مجرم الحرب في سيراليون، فوداي سنكوح، في غضون محاكمته في بريطانيا، بتهمٍ سيقت مثلها، بشأن ضحايا عديدين في سيراليون نفسها، ضد رئيس ليبيريا السابق، تشارلز تايلور. وفي نادي هؤلاء المجرمين في المحاكمات الدولية، لا يُنسى التشادي حسين حبري. لم نفلح في أن يكون إسرائيليٌّ واحدٌ بينهم، وعندما اشتدّ خناقٌ قانوني بلجيكي على إرييل شارون، بجهدٍ محمودٍ لا يُنسى من المحامي اللبناني، شبلي ملاط، بشأن "صبرا وشاتيلا"، في العام 2004، تمكّن من الإفلات منه، بعد نزاعٍ غير هيّن، وتدخلاتٍ سياسية غير منظورة.
إذا كان مثقفون نحريرون لا يرون في بشار الأسد ووالده (وصدّام حسين) غير أبطال صناديد في صد المؤامرات، ويجدون في عبد الفتاح السيسي خلاصاً، لا يصير مستهجناً أن يُستقبل خبرا محاكمة الأوغندي، دومينيك أونجوين، والحكم على رادوفان كاراديتش، في الفضاء السياسي والإعلامي العربي، بغير اكتراثٍ لقيمتهما، وبغير ثقةٍ في أن عدالةً ما يمكن أن تقتصَّ من الأسد الصغير وأمثاله العرب، في يوم بعيد أو قريب.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.