رائد زعيتر وأحمد الدقامسة
تستحقُّ وصفَها فضيحةً، تسميةُ وكالة الأَنباء الأردنية الرسمية "بترا" الشهيد القاضي الأُردني، رائد زعيتر، "قتيلا فلسطينياً"، فيما هو مواطن أُردني، كان قاضياً في محكمة الصلح في عمّان، ونجلُ قاضٍ في المحاكم الأردنية متقاعد. ويستحق الاستهجان حرمانه في وسائل الإعلام الأُردنية الرسمية من وصفه شهيداً، وهو الذي قضى برصاص جندي إِسرائيلي، بعد عبوره جسر الكرامة إلى فلسطين، في أَثناءِ ما وصف شجاراً بينه وبين جندي إِسرائيلي بسبب "التدخين". ليس لائقاً أَن لا نرى في تداعيات هذه الجريمة الإسرائيلية غير تلك البلاهة في الأَداء الإعلامي الحكومي الأردني، لأَن غضب الشارع الأردني، ومعه مجلس النواب، وكذا الصحافة وكل تمثيلات المجتمع المدني والقوى الحزبية، كان بهياً، ودالاً، للمرة المليون على الأَقل، على أَن عداءَ الشعب الأردني الموحد ضد إِسرائيل لا ينخدش، وباقٍ على قوته، منذ استشهاد كايد عبيدات رحمه الله في 1920، وبالمتانة المؤكدة المعلومة. توحَّد الأردنيون، على مطلب طرد السفير الإسرائيلي من بلدِهم، وإِعادة سفيرهم لدى دولة الاحتلال، بل وعلى إِطلاق سراح مواطنهم الجندي، أحمد الدقامسة، من الحبس المؤبد، بعد قتله سبع فتيات إسرائيليات سخرن منه في أثناءِ صلاتِه قرب الباقورة، في موقع حراسته عند الحدود الأُردنية الفلسطينية، قبل 17 عاماً.
أَن نحتفي، بمطلب الأردنيين، بجميع منابتهم، ردّ الكرامة لهم، بعد استباحتها من جندي إِسرائيلي، وبعدم الاكتفاء بأسف حكومة بنيامين نتنياهو، فذلك من بعض ما يستحقه الأردنيون، على اعتصاماتهم أَمام سفارة الاحتلال في عمّان، وعلى ما أَظهرته نخبٌ نيابيةٌ وإعلاميةٌ ومهنيةٌ واسعة من خيبةٍ، غير هينة الأثر في نفوسهم، من أَداءِ حكومة بلادهم البارد تجاه إِسرائيل، من تفاصيله المطالبة بنتائج التحقيق الإسرائيلي في واقعة قتل رائد زعيتر (38 عاماً)، فيما شارك الإسرائيليون في التحقيق في واقعة الدقامسة، غير المنسي أَنَّ وزيراً أُردنياً للعدل (حسين مجلي) وصفه قبل ثلاثة أَعوام بالبطل. ونظنُّ أَنَّ حكومة الرئيس عبد الله النسور تُغالب، في هذه الأيام، حرجاً شديداً، وهي تحاول عبثاً أَنْ تلملم نفسها أمام الصراحة البادية في إشارة زملاء في الصحافة الأردنية، إِلى أَنَّ الموقف الرسمي الضعيف آلم الأردنيين بقدر ما آلمتهم الجريمة الصهيونية.
حدث، غير مرة، أَن قتل إسرائيليون مواطنين وجنوداً مصريين، عند الحدود مع قطاع غزة، ولم تبادر حكومات حسني مبارك إِلى الرد المناسب. ولا نظن السلطات الأردنية في منعةٍ تجعلها تبادر إلى تلبية شيء مما طالبها به الأُردنيون في غضبتهم الراهنة، جرّاءَ قتل مواطن منهم برصاصٍ، دلَّ على ما يقيم في نفوس الإسرائيليين من ندرةِ الشعور بالأمن والأمان، رغم ما لدى دولتهم من سلاح نووي وقدرات عسكرية كبرى. وإِذا كانت حساباتٌ عسكريةٌ وأَمنية وسياسيةٌ لدى صانع القرار الأردني تحول دون اتخاذه خطوةً صغيرة (أو كبيرة؟) بوزن طرد السفير الإسرائيلي من عمّان، فإِنَّ عفواً عن أحمد الدقامسة لا يمكن حسبانه أَمراً عسيراً، ولا سيما أَنَّ هذا الأمر قد يعيد إِلى الكرامة الأردنية المغدورة شيئاً يواسيها، بعد جريمة قتل القاضي زعيتر. تُرى، هل يفعلها الملك عبد الله الثاني، وفي البال أَن الراحل الملك الحسين، قال لمّا تعرّض خالد مشعل إِلى محاولة اغتيال إِسرائيلية في عمّان (سبتمبر/ أيلول 1997) إِنَّ معاهدة السلام في كفٍّ وترياق إِنقاذ "المواطن الأردني خالد مشعل"، بتعبيره، في كفٍّ أخرى ..هل يحتفي الأردنيون قريباً بافتداء دم زعيتر، النابلسي الأرومة والأُردني المواطنة، حرية أحمد الدقامسة؟