خوف على الأردن

11 مارس 2019
+ الخط -
مخيفةٌ إلى حد كابوسيٍّ مفزع السويداء المريعة التي تتفشّى بين الأردنيين، بشأن أحوال بلدهم، فمنسوب التشاؤم في حواشيهم، بشأن المستقبل، مقلقٌ، والشعبوية الذائعة في كلام الجميع عن الجميع مرعبة، وتؤشّر إلى انعدام أي معايير، في أحاديثهم عن أي شأنٍ أو مسألة، وكيفما اتفق. يُخيّل إليك أن أولوية الناس التي تتقدّم على أي فعلٍ هي التبرّم، وإظهار السخط والشكوى، واستسهال رمي أي مسؤولٍ راهن، أو سابق، بالفساد وقلة الأهلية... دعك من اتّساع الفجوة بين الحكومة والمجتمع، بين الشعب والدولة، بين السلطة والناس، فذلك ظاهرٌ ومفضوحٌ، يُفصح عن نفسِه بلا مراوغةٍ من أي أحد، وإنما أنظر إلى تآكل هيبة الدولة والسلطة والحكومة (التمايزات ضرورية) بين عامّة الأردنيين، إلى حدٍّ لا تزيّد في نعته هنا بأنه مهول. يصيبك شعورٌ بالقنوط عندما يحدّثك سائق سيارته الخاصة، يشتغل عليها لتحصيل رزقٍ له، وأنت مجرّد راكب عابر تستعجل إتمام مشوارك، يحدّثك إن الكل في مواقع المسؤولية، في الأمن والحكومة و(...) حراميّة. تسأله عن عمله، فيُخبرك بأنه ضابط شرطةٍ متقاعد، وعندما تأخذكما دردشتكما إلى قصة المنابت إيّاها، تستشعر جديدا حادّا في البلد يحدث، عندما يُخبرك بأنه من إحدى العائلات الأصيلة الكريمة في شمال البلد. 
موالون ومعارضون، عشائريون وحداثيون، رجعيون وتقدّميون، إسلاميون ويساريون، رؤساء حكومات ووزراء سابقون، موظفون رفيعون في الدولة، متقاعدون عسكريون، تجار ورجال أعمال، ميسورون وفقراء،... في وسع أي أحدٍ من هؤلاء أن يفتي في أي شأن، فيهم غضبٌ كثير، حانقون. يطالب بعضُهم الملك بإصلاحاتٍ، وآخرون يمهلونه إلى آجالٍ معلنة. ورؤساء حكومات سابقون يبلغونه، في اجتماعٍ له بهم، عن أعطاب بلا عدد في البلد. عاطلون من الجنوب والبوادي والأرياف يعتصمون أمام قصر للملك من أجل توظيفهم، وإيجاد فرص عمل لهم. الكل يشكو، والكل لا يتحدّث إلا عن سوء الأحوال، وخراب في الأوضاع، بل ويحذّر من سير سريع إلى تعاساتٍ أكثر. أما رئيس الحكومة، عمر الرزاز، فليس عليه سوى أن يرحل، طالما أن أمطارا قويةً ضربت محلات تجارية في قاع عمّان. حائط هذا الرجل هو الأوْطى في المشهد، لا يُرى في شأنه إلا أنه لم يصنع شيئا، سوى تعيين موظفين كبار برواتب عالية، عليه أن يغادر. هكذا، بكل استخفافٍ بمقامه رئيس حكومة، ومسؤولا عن الشأن العام، وصاحب مسؤوليات كبرى، وبشكلٍ يدعوك إلى التملّي في حالة التجرؤ غير المسبوقة على رئيس وزراء لم يعِد بالمعجزات، ومعروفٌ للعامّة والخاصّة أن حدود حركته ضيقة، وأن تأثيراتٍ منظورةً وغير منظورة تضع العصي والدواليب قدّامه أو تيسّر أداءه.
ينكتب إنها "السوشيال ميديا" ساهمت في إشاعة هذه الأجواء، المقلقة إلى حد مفزع (التكرار ضروري)، عندما يُجيز أي أحدٍ لنفسه بأن يتمرجل، كيفما شاء، على من يريد، باللغة التي يريد، وفي باله أنه إنما يزاول حرية القول والتعبير، من دون اكتراثٍ بحدٍّ أدنى من الثقافة السياسية والقانونية والإعلامية، ومن دون تحرّز مثلا في اتهام وزيرةٍ سابقةٍ بتقصيرٍ أدّى إلى مقتل تلاميذ في رحلةٍ مدرسية، وشنّ حملة لمنع تسلمها منصب سفيرة في اليابان. ومع الاحترام لمشاعر الغضب لوفاة التلاميذ في الحادثة الفظيعة، لا تتم الأمور هكذا، ولا يجوز لمواطنٍ مخاطبة سفارة بلدٍ في شأن كهذا، فالقضاء وحده من ينطق بمسؤولية محدّدة للوزيرة. .. ولكن، ليست مواقع التواصل الاجتماعي وحدها ما ساهمت في شيوع استسهال بهدلة الدولة والسلطة والحكومة، فالأوضاع الماثلة تنطق بما لا حاجة لمستزيدٍ أن يزيد فيه، فالتراجع الاقتصادي واضح، وفشل بناء معالجات وطنية وشجاعة للحد من البطالة والفقر ظاهر، ودوران المناصب العليا والوظائف الرفيعة على حلقةٍ ضيقةٍ لا تحتاج إلى مجهر للتدليل عليها، وضعف الأداء في تقديم الخدمات العامة ماثلٌ أمام الجميع، والمديونية العالية معلنة (40 مليار دولار؟)، أما حكاية الفساد فشرحُها يطول.. وإلى هذا كله وغيره، ثمّة ما أشهره تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي (جهة استشارية للحكومة، يترأسه النائب السابق مصطفى حمارنة)، عن عدم قيام الحكومات منذ 18 عاما بواجباتها، وعن أزمةٍ مركّبةٍ ومتعدّدة الأوجه، ساهم في تعميقها الجميع.
لم يعد للقول إن الأردن أحسن حالا من بلدان جواره معنى، صار ملحّا أن يُقال إن ثمّة ضرورةً لخوفٍ على الأردن.
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.