حزب الله.. سورية أم البحرين؟
ليست منسيةً البلاهة التي أقدمت عليها طهران، في مؤتمر قمةٍ إسلامي استضافته، لمّا أزاحت سورية من خطاب الرئيس (الأسير بحسب زميلنا وائل قنديل)، محمد مرسي، ووضعت البحرين مكانها، في الترجمة (الفورية!) للخطاب. لو نجرّب هذه اللعبة الطريفة، ولكن بالعكس، في بيانات لحزب الله اللبناني بشأن البحرين، سنقرأ بياناتٍ لتشكيلات سورية معارضة، في الشهور الأولى للثورة السورية غالباً. وجديد هذه البيانات أصدره الحزب، الأربعاء الماضي، وفيه أن "السلطات في (البحرين/سورية) تعمد منذ سنواتٍ إلى اعتماد أسلوب التعمية والتضليل والافتراءات على الحركة الشعبية السلمية التي تشهدها البلاد، بهدف التشويش على هذه الحركة، ووصْمها بالإرهاب، والتبعية للخارج". ولا شطط في الزعم، هنا، أن هذا بالضبط ما جهر به معارضون سوريون (معتدلون، بحسب التوصيف المستجد)، عندما كان مئات آلاف السوريين يهتفون، في شوارع حماة وحمص ودرعا، مطالبين بالتحرر من الاستبداد والتسلط، ويُقابلون بالرصاص.
ينصح حزب الله في بيانه الجديد المسؤولين في المنامة "بالاستماع إلى قادة الرأي وممثلي الشعب البحريني، والتجاوب مع ما يطرحونه من أفكار لمعالجة الأزمة، وعدم الهروب إلى الأمام بإلقاء التهم جزافاً".. لنتخيّل لو أن نصيحةً مثل هذه توجه بها حسن نصر الله، بعيْد قتل حمزة الخطيب مثلاً، إلى حليفه بشار الأسد الذي تحدّث مرة، برداءةٍ، عن جهله اسم برهان غليون. وكان بيانٌ باسم نصر الله صدر قبل شهور قد قال، بالحرف، إن "الاتهام الظالم الذي تمارسه السلطات البحرينية (السورية) بحق كل من يقف إلى جانب الشعب البحريني (السوري)، وقضيته العادلة، دليلٌ إضافي على عجز السلطات الحاكمة، وعدم قدرتها على محاورة شعبها". نطالع هذا الكلام، ونتذكر أن مشايعي حزب الله في لبنان هم الذين ابتدعوا قصة المؤامرة على سورية، في الأسبوع التالي لاعتقال أطفال درعا الذين أُهين أهلهم في مقر أمني سافل، مما أوقد الاحتجاجات التي قوبلت بتوحش مجنون، مرده أن أهل القرار يرون أن زين العابدين بن علي وحسني مبارك ما سقطا إلا لأنهما لم يستخدما القوة الكافية.
لا يُؤتى على الشعب البحريني، في فضائية المنار وبيانات حزب الله، إلا مقروناً بصفته "مظلوماً"، و"يعاني القمع وكل أنماط التعسف من السلطات الحاكمة". ومع قناعةٍ بأن من حق كل أطياف الشعب البحريني بكل العدالة التي يستحقونها، لا نُداهن السلطة في المنامة في القول إن جزءاً مما بادرت إليه من إجراءات وحلول، (منقوصة في كل الأحوال)، لو اقتدت به السلطة الحاكمة في دمشق، لساعد كثيراً في إنقاذ سورية من خرابها الراهن. ولو أن حزب الله بادر إلى توظيف مكانته لدى هذه السلطة، وتوجه إليها بجزء مما يتمناه لبعض البحرينيين، لحافظ على مقادير من مكانته التي كانت له لدى السوريين والعرب.
آثر حزب الله مغامرته المجنونة في سورية، بعد أن صمت عن قتل مريع يقترفه حلفاؤه هناك، وظلت نبرته على حالها بشأن "المتآمرين" و"المرتهنين" للخارج، من دون أن يُنصت إلى حق السوريين في حريةٍ يشتهونها، وإلى أن يتخفف بلدهم من قبضة الاستبداد والفساد الثقيلة. تخلى الحزب عن المظلومين، وانصرف إلى حساباتٍ ذاتية وإيرانية، وطغى بعدٌ مذهبي على اعتباراتٍ وطنية فيها، وفي حديثه البائس عن دفاعه عن مراقد هنا وهناك، ثم عن مواجهته "تكفيريين"، ما كانوا ليتفشى خطرهم، لو أن الحزب اعتبر السوريين بحرينيين مظلومين، ولو نصح النظام الأسدي بمثل ما يسديه للمنامة، ظننا أن هذا كله صار وراءنا، لكن حزب الله يصر على ديدنه المدان، فيذكّرنا، الأسبوع الماضي، ببلاهة القائمين على أمره في طهران، وما اقترفوه في خطاب محمد مرسي الذي يحفظ له السوريون إحساناً كبيراً.