حاشية عن مناصرة اتحاد كتّاب تونس الانقلاب

29 يوليو 2022
+ الخط -

سأل الكاتب معن البياري، في مقاله "عندما ناصر اتحاد كتّاب تونس الانقلاب" ("العربي الجديد"، 25/7/2022)، عمّا إذا كان اتحاد الكتّاب التونسيين ما زال على قناعته التي أشهرها في بيانه الصادر يوم 27 يوليو/ تموز 2021، الذي يساند فيه مساندة مطلقة قرارات الرئيس قيس سعيّد قبل يومين من صدور البيان الذي وصفها بأنها إجراءات مهمة لإنقاذ تونس، داعياً "كل المثقفين التونسيين وجميع المواطنين، وخاصة الشباب الى الالتفاف حول مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية والأمنية .. لحماية راية الحرية والكرامة"، ونعت معارضي مشروع الرئيس وأصحاب الرأي الآخر والمستقلين بأنهم "أصحاب مشاريع رجعية تتصف بالعمالة والخزي والعار فهم جبناء وخونة".

لم يوجّه سؤال البياري إلى الرئيس السابق للاتحاد، صلاح الدين الحمادي، موقّع البيان المشهود وأعضاء الهيئة المديرة، لوماً أو مصادرة لحق اتحادهم في إصدار هذا البيان الذي فاضت فيه حماستهم عن كل الأدبيات المعهودة في كتابة البيانات المساندة، ولكن الكاتب رمى حجراً في بركة راكدة، أصبح اتحاد الكتّاب التونسيين فيها. وجاء سؤاله في صميم مرمى الاتحاد الذي يُثار بشأنه جدل صاخب في الساحة الثقافية التونسية عن دوره وما يقدمه لأعضائه، وما إذا كان كتّاب تونس في حاجة إلى جسد شاخ ثم مات، ولم يعد له معنى في الراهن الثقافي التونسي.

أصبحت فصول إجراءات قيس سعيّد الانقلابية معلومة، بدءاً من تعطيل البرلمان ودستور 2014، وصولاً إلى دستور الفتنة كما وسمته صحيفة لو موند الفرنسية، في افتتاحيتها 25 يوليو/ تموز الجاري. وكان الكاتب واضحاً في سؤاله عن أسباب غياب الصحوة التي جعلت أصحاب الاتحاد لا يتراجعون، أو يعتذرون عما جاء في بيانهم، بعد أن انفضّ طبّالون كثيرون ومساندون وانتهازيون وأصحاب نيات طيبة عن قيس سعيّد، معلنين رفضهم مساندة مساره، وقد تكشف ما تكشف للجميع "أن الرجل ليس معنياً بإنقاذ تونس على ما زعم هؤلاء، ومنهم اتحاد الكتّاب، وإنما بتظهير نفسه الشخص الوحيد الذي يعلم مصلحة البلاد والعباد، وليس من حق غيره أن يفكّر بهذه المصلحة".

كان الموقف المخزي للاتحاد محلّ استنكار واستهزاء من الكتّاب التونسيين الأحرار والمستقلين

ورغم الصحوة المتأخرة كما وصفها المفكر عزمي بشارة لبعض هؤلاء، وتوّجت بتراجع مؤسسات وتشكيلات وشخصيات، لعل أشهرها رئيس لجنة وضع الدستور الذي تركه سعيّد جانباً، الصادق بلعيد، الذي أعلن أمام الملأ أن دستور سعيّد هو دستور المخاطر الذي سيدفع التونسيين إلى المجهول، ومرّره بالقوة بمن حضر، بعد أن كتبه منفرداً. والحال أن ربع التونسيين المسجلين على قوائم الانتخابات فقط هم من أجازوه، والأكيد أنهم ما قرأوه أو تدبروا في ما جاء في توطئته وأبوابه وفصوله المائة والأربعين. وبالتالي، مرّت أمامهم مخاطره وأهواله مرور الكرام. وعلى الرغم من ذلك كله، وانكشاف المستور وتراجع من تراجع، ظل اتحاد الكتاب التونسيين واقفاً على ربوة بيانه، قاطعاً الشك باليقين، بأن صاحب الدستور ومالك كل السلطات هو الذي سينقذ تونس والتونسيين من بؤس واقعهم ويأسهم من الخروج من دوائر الفقر والبطالة وصعوبة معيشتهم.

اتحاد مواقفه وبياناته تظلّ شاذّة تُحفظ ولا يقاس عليها

وقد كان هذا الموقف المخزي للاتحاد محلّ استنكار واستهزاء من الكتّاب التونسيين الأحرار والمستقلين، ومن ذلك رابطة الكتّاب الأحرار التونسيين ونقابة الصحافيين ورابطة النساء الديمقراطيات والشخصيات الثقافية والفكرية الوازنة والمؤثرة في المشهد السياسي والثقافي، التي رفعت جميعها شعار "ما بني على باطل فهو باطل". ولذلك، لا يشمل ما جاء في مقال معن البياري جميع كتّاب تونس ومثقفيها الذين ما زالوا يمارسون حقهم النقدي في شأن ما يتعلق بحرّيات التونسيين ومستقبلهم، وما يتربص ببلادهم من مخاطر وتحدّيات، فصفة "الذيلية"، وهي عار مفضوح، قد تكون من نصيب رئاسة الاتحاد السابقة وهيئاته المديرة التي صدر عنها ذلك البيان المخزي، والذي نكاد نجزم بأن أغلب أعضاء الاتحاد الخمسمائة ليسوا على علم به، وبما جاء فيه من حماسة مساندة لقيس سعيّد، وإطلاق تهم الخيانة والعمالة لمن رأى عكس ذلك. ولمناسبة الجدل الذي أثاره مقال معن البياري في أوساط كتّاب تونسيين، يلزم إثبات هذه المعطيات:

يمكن القول إنه ولّى وانقضى زمن اتحاد الكتاب التونسيين الذي أسّسه في 17 مارس/ آذار 1971 كتّاب وطنيون رواد، يقودهم الراحل محمد مزالي ورفاقه من الكتّاب والأدباء، أمثال محمد العروسي المطوي والبشير بن سلامة ومصطفى الفارسي ونور الدين صمود وجعفر الماجري وأحمد القديدي وعبد العزيز قاسم والميداني بن صالح ومحمد صالح الجابري وغيرهم. وقد استطاع على امتداد عقدين أن يكون فاعلاً في الساحة الثقافية التونسية، وكانت تدار في مقره نقاشات وحوارات لا تدار خارجه، بسبب الظروف السياسية المعلومة. وقد انبرى الاتحاد في تلك الحقبة للدفاع عن كتب محجوزة، وكتّاب لاحقتهم السلطة أو قست عليهم الحياة، فتردّت أوضاعهم الاجتماعية إلى مدارات البؤس والخصاصة. وقد أخذ المشعل من مزالي رفقاء التأسيس، ولكن الحال قد تبدّلت مع بداية الثمانينيات، حيث دبّ الهزال في جسد الاتحاد. وأشهر كتّاب تونس اليوم، الذين حققوا منجزاً إبداعياً فاض عن تونس إلى المجال العربي والدولي لم ينتموا إلى هذا الاتحاد، وما كانوا أعضاء فيه، وهم كتّاب لا يشكك في إبداعهم ولا في مواقفهم عبر سنوات أحداث طوال عاشتها تونس، وشهدت أزمات بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جديدها أخيراً فصول مسرحية الانقلاب الدراماتيكية هذه. وتأسيساً على ما سبق، نطمئن معن البياري بأن حال أغلب كتّاب تونس وكاتباتها بخير، أما الاتحاد المتحدّث عنه فمواقفه وبياناته تظلّ شاذّة تُحفظ، ولا يقاس عليها.

35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
محمد أحمد القابسي

كاتب وأكاديمي وشاعر تونسي

محمد أحمد القابسي