ترجمة ثالثة لمذكّرات أميرة عربية

06 ديسمبر 2021
+ الخط -

زنجبار أرخبيل في المحيط الهندي، وهو جزء من تنزانيا حالياً، ظلّ طويلاً تحت الحكم العُماني، وتحديداً من أسرة البوسعيدي الذين تعاملوا مع المكان بوصفه وطناً، فتركوا فيه بصمات عمرانية ما زالت بارزة للعيان. وقد وصفت الأميرة سالمة في الجزء الأول من "مذكّرات أميرة عربية" والذي كتبته بالألمانية، مكان ولادتها ونشأتها زنجبار كأنّه فردوس دنيوي. فقد امتلأت تلك المذكّرات بتفاصيل أميرة في قصر والدها السلطان بكلّ ما تعني حياة القصور من رفاهية وبذخ. لكن، كان للحب رأي آخر، حين تركت وطنها الأفريقي، ولم تحمل معها منه سوى حفنة تراب. واختارت أن تتزوّج شاباً ألمانياً وتسافر معه، ثم يموت فجأة ويتركها مع ثلاثة أبناء، مع ما ترتب على ذلك من معاناة وتشرّد. أجادت وصفها في الجزأين الثاني والثالث من مذكّراتها، بيد أنّ الجزء الأول كان مخصّصاً فقط لزنجبار وطفولتها في تلك الجزيرة الخضراء في كنف والدها السلطان سعيد البوسعيدي.
أصدرت أخيراً دار الجمل الأجزاء الثلاثة كاملة، وهذه المرّة بترجمة عُمانية عن الألمانية مباشرة، أنجزها زاهر الهنائي، الذي سبق أن ترجم الجزأين، الثاني والثالث، ولم يترجم الأول (والأساسي) إلّا هذا العام (2021)، لنكون بالتالي أمام ترجمة كاملة للأجزاء الثلاثة التي تركتها سالمة بنت السيد سعيد، أنجزها مترجم عُماني، استطاع أن يتلافى زلات وقعت فيها الترجمات السابقة، خصوصاً في ما يتعلق ببعض مسميات المناطق والألقاب العائلية.
كنا نظن أنّ أميلي رويته (الاسم الألماني لسالمة بنت السيد سعيد) لم تترك لنا سوى "مذكّرات أميرة عربية" المكتوب بالألمانية. الكتاب الذي تُرجم إلى عدة لغات، ونقلته من قبل إلى العربية، السورية سالمة صالح، وترجمه قبلها العراقي عبد المجيد القيسي، إذ أشرفت على ترجمته وأصدرته وزارة التراث والثقافة العُمانية في الثمانينيات، بوعي منها بأهمية هذا الكتاب. لكنّ ترجمة القيسي، كما ذكرت سالمة صالح في مقدمتها، انتقائية متحفّظة تُراعي كثيراً طبيعة القارئ ومستواه من دون أن ترتقي به. وبترجمة سالمة صالح يمكن أن يلاحظ القارئ الفرق، على الرغم من أنّ سالمة كانت أيضاً متحفظة وانتقائية، كما أوضح ذلك العُماني زاهر الهنائي في ترجمته الجديدة، وأشار إلى ذلك حتى في ترجمته السابقة الجزأين الثاني والثالث. 
ركّزت الأميرة سالمة في الجزء الأول على حياتها الأولى وطفولتها. ولدت عام 1844 في قصرٍ يطلق عليه بيت متوني، وهو أول قصر يبنيه والدها سعيد بن سلطان البوسعيدي في زنجبار الأفريقية (بنى السلاطين العمانيون اللاحقون قصوراً عديدة في زنجبار، من أشهرها "بيت العجائب"). وكانت سالمة تكنّ لأبيها حباً وتقديراً كبيريْن، حتى أنّها أطلقت اسم سعيد على ولدها الألماني. وإذا كانت المذكّرات في قسمها الأول تضعنا في محيط أفريقي شرقي، فإنّ اكتشاف أجزاء أخرى من مذكّراتها عُدَّ بمثابة كنز. وهناك أهمية توثيقية كبيرة للمذكّرات في قسمها الأوروبي (الجزء الثالث) لاشتمالها على تفاصيل دقيقة ومدهشة عن الحياة في أوروبا في القرن التاسع عشر. كما أنّ الجزء الثاني مخصّص لحياتها في حيفا وبيروت، اللتين ذهبت إليهما لزيارة ابنتها والمكوث معها.
ظلت سالمة محافظة حتى على لغتها العربية التي سعت إلى تدريسها لأبنائها. وقد تعلمت الألمانية وأتقنتها، وكتبت بها مذكّراتها، بيد أنّ رسائلها إلى أخيها حاكم زنجبار كانت بالعربية. ويمكن أن تعدّ المذكّرات، بأجزائها الثلاثة، دليلاً على رحلة عكسية، فقد شهد القرن التاسع عشر زيادة في الرحلات الاستكشافية الأوروبية إلى الشرق والوطن العربي، بغرض التمهيد لاستعماره، ثم الهيمنة المطلقة عليه، حسب إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" (1978). وفي هذا السياق، هناك عدد هائل من الرسائل والتقارير والدفاتر واليوميات، لكنّها كانت من طريق معاكس، وبما يشبه سباحةً ضد التيار؛ أميرة عُمانية من زنجبار، تشقّ، رفقة زوجها الألماني، رحلة إلى أوروبا لتقيم فيها، ولتنقل إلينا، بالتالي، في مذكّراتٍ ثلاثية الأجزاء، تفاصيل دقيقة من الحياة في ذلك القرن.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي