15 نوفمبر 2024
بمناسبة جريمة إسطنبول
يقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف نادياً ليلياً في إسطنبول، إن "ألعاباً قذرة" تُحاك ضد بلاده، ما قد يعني أن لديه قناعةً بأنّ "وراء الأكمة ما وراءها" في تزايد الاعتداءات الإرهابية في تركيا، بشكلٍ يكاد لا يتوقف، خصوصاً في العامين الماضيين، وبأنّ "تدبيراً ما" يحدث في التربّص بالشرطة والسياح والمنشآت العامة، وبالمدنيين. وليس في وسع المرء أن يسلّم بسهولةٍ بالذي يجول في خاطر أردوغان ويلمح إليه، ذلك أن ذئاب الإرهاب المنفردة وشبكاته وأشباحه لم تعد توفّر بلداً، ففيما يتابع واحدنا مواجهةً مع أمثال هؤلاء في قرية قريفلة قرب الكرك في الأردن (لم يسمع بها أغلب الأردنيين قبل الواقعة)، تنقلك شاشات الفضائيات إلى برلين، ثم إلى زيوريخ، في ليلةٍ واحدة. وبينما عرفت باريس وبروكسيل ونيس وميونخ وأورلاندو وغيرها ضرباتٍ إرهابية مباغتة، بعضها مبتكر في أسلوبه (الدهس بالشاحنات!) في العام الذي انصرف الليلة قبل الماضية، كانت تركيا تستأثر بالحصة الأكبر من مثل هذه الضربات، كان منها استهداف حفل زفافٍ بهجوم انتحاري في غازي عنتاب، قضى فيه 56 شخصاً، وتفجيرات في مطار أتاتورك في إسطنبول، راح فيه 47 شخصاً، واعتداء مزدوج في ملعب رياضي في إسطنبول أيضاً، عدا عن تفجيراتٍ بسياراتٍ مفخخة، واعتداءات متنوعة، على مراكز شرطة ومقرّات جنود ومواقع سياحية.
تُرى، هل يخبئ أردوغان شيئاً في باله، تزوّده به أجهزة المخابرات المختصة في بلاده، يريد فيه أن يجعلنا نخمّن أن "الألعاب القذرة" هي من أفاعيل أجهزةٍ في دولٍ ليس في الوسع الجهر بأسمائها، أم إنه يحاول رمي فشل الدوائر الأمنية والاستخبارية في بلاده في الحدّ من وتيرة الإرهاب في بلاده على "آخرين"؟ ليس في الوسع الحسم في أمرٍ كهذا، وإنْ في البال أن مخابرات أردوغان استطاعت إحباط محاولة اغتياله وانقلاب عسكري عليه، في ساعتين، في ليلةٍ مثيرة منتصف يوليو/ تموز الماضي. ولكن، كان الرئيس التركي قد أخبر اجتماعاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن بلاده "هي السدّ الذي يحول بين المنظمات الإرهابية والعالم، وفي مقدمته أوروبا، وإذا انهار هذا السد، فإن هذه ستُغرق العالم بالدماء".. هل كان يطلب إسناداً ومساعدة، أم إنه يرمي رسالةً إلى من يلزم أن يتلقاها، أن النار تحرق ثياب من يشعلها أيضاً؟ ليس في مقدور معلق صحافي أن يفكّ هذه الأحجية، ولا سيما أن أوروبا في عين الإرهاب الأسود الذي هزم فرنسا في حوادث مريعة في العامين الأخيرين.
لم توفّر الدراسات الوفيرة عن الإرهاب تفسيراتٍ سوسيولوجيةً حاسمةً بشأن الذي في أدمغة مقترفيه، فإذا كان العنف السياسي واحداً من وسائل مقيتة للوصول إلى غاياتٍ سياسية، كما الاغتيالات واستهداف مراكز أمنية وعسكرية، ما غرض من يفجّر نفسه في عرسٍ، أو يقتل شباناً في ناد ليلي؟ ربما يجوز وصف سؤالٍ كهذا بالسذاجة، طالما أن تنظيم أبو بكر البغدادي لا يولي المنطق أي اكتراث، فلا يستقيم إعمال جهدٍ ذهنيٍّ لفهم مقتضيات الحال والضرورات في جرائمه. أما بشأن حزب العمال الكردستاني، وهو متهم مستقر ومستمر في وقائع الإرهاب المتواترة في إسطنبول وشقيقاتها، فإن أرشيف عملياته يفيد بأنها لم تأخذ الحكومات التي تعاقبت في أنقرة إلا إلى مزيدٍ من التشدد، وإلى تراجعاتٍ عن خطواتٍ تقدّمت، غير مرة، باتجاه حلولٍ للمسألة الكردية في تركيا.
ليست تركيا دولةً عادية في الإقليم. لها أدوارها الوازنة، وطموحاتها الاستراتيجية المعلنة والخافية، ولها رهاناتٌ على تاريخ قريبٍ وآخر بعيد، يغريها على المضي في الذي تتطلع إليه، وبقيادة حزب العدالة والتنمية تحديداً، وبرئاسة أردوغان خصوصاً، هذا الانكشاف العريض للعرب، في محيطهم، بل وفي بلدانٍ مركزية لهم. وبلدٌ في هذا الاشتباك الذي نرى مع قضايا الإقليم والجوار قد يغتاظ منه من ربما فعلها، وهيأ شابّاً ليرتدي لباس بابا نويل، فيُردي بالرصاص ناساً فرحين بعام جديد عند جسر البوسفور في إسطنبول، فيجعلنا في حيص بيص عمّا يريد هذا بالضبط، جنة الله في السماء أم إقلاق أردوغان في الأرض؟
تُرى، هل يخبئ أردوغان شيئاً في باله، تزوّده به أجهزة المخابرات المختصة في بلاده، يريد فيه أن يجعلنا نخمّن أن "الألعاب القذرة" هي من أفاعيل أجهزةٍ في دولٍ ليس في الوسع الجهر بأسمائها، أم إنه يحاول رمي فشل الدوائر الأمنية والاستخبارية في بلاده في الحدّ من وتيرة الإرهاب في بلاده على "آخرين"؟ ليس في الوسع الحسم في أمرٍ كهذا، وإنْ في البال أن مخابرات أردوغان استطاعت إحباط محاولة اغتياله وانقلاب عسكري عليه، في ساعتين، في ليلةٍ مثيرة منتصف يوليو/ تموز الماضي. ولكن، كان الرئيس التركي قد أخبر اجتماعاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن بلاده "هي السدّ الذي يحول بين المنظمات الإرهابية والعالم، وفي مقدمته أوروبا، وإذا انهار هذا السد، فإن هذه ستُغرق العالم بالدماء".. هل كان يطلب إسناداً ومساعدة، أم إنه يرمي رسالةً إلى من يلزم أن يتلقاها، أن النار تحرق ثياب من يشعلها أيضاً؟ ليس في مقدور معلق صحافي أن يفكّ هذه الأحجية، ولا سيما أن أوروبا في عين الإرهاب الأسود الذي هزم فرنسا في حوادث مريعة في العامين الأخيرين.
لم توفّر الدراسات الوفيرة عن الإرهاب تفسيراتٍ سوسيولوجيةً حاسمةً بشأن الذي في أدمغة مقترفيه، فإذا كان العنف السياسي واحداً من وسائل مقيتة للوصول إلى غاياتٍ سياسية، كما الاغتيالات واستهداف مراكز أمنية وعسكرية، ما غرض من يفجّر نفسه في عرسٍ، أو يقتل شباناً في ناد ليلي؟ ربما يجوز وصف سؤالٍ كهذا بالسذاجة، طالما أن تنظيم أبو بكر البغدادي لا يولي المنطق أي اكتراث، فلا يستقيم إعمال جهدٍ ذهنيٍّ لفهم مقتضيات الحال والضرورات في جرائمه. أما بشأن حزب العمال الكردستاني، وهو متهم مستقر ومستمر في وقائع الإرهاب المتواترة في إسطنبول وشقيقاتها، فإن أرشيف عملياته يفيد بأنها لم تأخذ الحكومات التي تعاقبت في أنقرة إلا إلى مزيدٍ من التشدد، وإلى تراجعاتٍ عن خطواتٍ تقدّمت، غير مرة، باتجاه حلولٍ للمسألة الكردية في تركيا.
ليست تركيا دولةً عادية في الإقليم. لها أدوارها الوازنة، وطموحاتها الاستراتيجية المعلنة والخافية، ولها رهاناتٌ على تاريخ قريبٍ وآخر بعيد، يغريها على المضي في الذي تتطلع إليه، وبقيادة حزب العدالة والتنمية تحديداً، وبرئاسة أردوغان خصوصاً، هذا الانكشاف العريض للعرب، في محيطهم، بل وفي بلدانٍ مركزية لهم. وبلدٌ في هذا الاشتباك الذي نرى مع قضايا الإقليم والجوار قد يغتاظ منه من ربما فعلها، وهيأ شابّاً ليرتدي لباس بابا نويل، فيُردي بالرصاص ناساً فرحين بعام جديد عند جسر البوسفور في إسطنبول، فيجعلنا في حيص بيص عمّا يريد هذا بالضبط، جنة الله في السماء أم إقلاق أردوغان في الأرض؟