بعد معرض الدوحة للكتاب
لم تتجاوز نائب رئيس اللجنة الثقافية لمعرض الدوحة الدولي للكتاب، شايعة الفاضل، الحقيقة، لمّا قالت، لبرنامج ضفاف في تلفزيون العربي 2، إن المعرض، في دورته الـ 31 التي اكتملت مساء السبت الماضي، وصل إلى أهدافه التي وُضعت له في أثناء نحو خمسة شهور من التحضير له. ويُرجّح أن أهم هذه الأهداف إقبال الجمهور العام على المعرض وفعالياته الموازية، وأن يحقّق الناشرون المشاركون نفعا ماديا من الإتيان بإصداراتهم إلى مركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات. وإلى هذا الأمر، لمّا كانت فترة التهيئة للمعرض تشهد تحسّنا واسعا في محاربة كورونا، مع نجاحات حملة التطعيم بجرعتيْه، ثم بالثالثة، ما أوحى بأن الحالة الصحية لن تكون مقلقة، بل وأكثر من جيدة، جاءت هجمة "أوميكرون" الشرسة منذ أسابيع لتُشيع بعض القلق. ومع تشديد السلطات الصحية في دولة قطر بشأن إجراءات دخول البلاد، (والعزل لقادمين من بعض البلدان)، ثم الإعلان عن منصّة إلكترونيةٍ خاصةٍ بدخول الزوار المعرض، مع التأكيد التام على احترازاتٍ خاصة، مأخوذٍ بها في الدولة، تبرّم ناشرون عديدون من هذا كله، وفضّلوا لو يجري الإعلان عن إرجاء المعرض إلى موعد لاحق، أو إلغاء دورته لهذا العام (كما في 2021)، غيّر أن وزارة الثقافة القطرية واللجنة المنظّمة لم يكونا في هذا الوارد، سيما وأن شحنات الكتب كانت تصل إلى الدوحة تباعا، وأن الترتيبات اكتملت إلى حد كبير. وبذلك، بدا أن إقامة معرض الدوحة الدولي للكتاب تحدّ معلن، وأن إنجاحه أمرٌ حيوي، وبالغ الضرورة، سيما للدفع بأنشطة كبرى في الدولة تاليا، ولاختبار آليات مواجهة "أوميكرون".
وعندما يلاحظ زائر المعرض، في أيامه العشرة، سلاسة ظاهرة في مختلف الإجراءات الخاصة بارتياد المعرض والتجوّل بين أجنحته وفي مساحاته والجلوس إلى فعالياته الفنية والثقافية وأنشطته الموازية، ويرى حضورا عريضا من جمهورٍ متنوع، بل وعندما يرى انخفاض منسوب القلق الذي غشي الناشرين في اليومين الأولين للمعرض، بعد أن تحسّنت الوتيرة العامة فيه، يتأكد له أن هناك إدارة قادرة على الابتكار والتخطيط الجيد والتغلب على الطوارئ والمتغيرات، وذلك كله بدافع إنجاز نجاحٍ تتوخّاه، وتقيم على ثقةٍ بأن في وسعها أن تصل إليه. وعندما بدا للناشرين أنفسهم أن التسهيلات الجمركية الواسعة التي وفرتها السلطات المختصة كان لها أثرها البالغ الإيجابية عليهم، وعندما رأوا في إعفائهم من دفع أي أجورٍ للأجنحة المخصّصة لإصداراتهم، تأكّد لهم أن لمبادراتٍ مهمةٍ كهذه فعلها الطيب على صنْعتهم، ويُنجيهم من تبعاتٍ ماليةٍ قد لا تكون هيّنةً في ظروف الجائحة. وبذلك، تصير الكرة في ملعبهم، إذا ما رأى واحدُنا في تعبيرٍ مستهلكٍ كهذا سعةً، ويصير مطلوبا منهم أن يتجاوبوا مع حاجة القراء لإصدارات من الكتب جيّدة الإنجاز، ولها قيمتها، وأن يراعوا، ما وسعهم، ضعفا ظاهرا يضرب القدرة الشرائية لدى المواطن العربي منذ سنوات. ولا يؤشّر صاحب هذه الكلمات إلى هذا الأمر، البالغ الأهمية، وهو غافلٌ عن الغلاء حقيقةً قائمةً في البلاد العربية كلها، والذي كما يتعلق بسلعٍ عديدةٍ، ومنها ما هي من الاحتياجات المعيشية اليومية، فإنه يلحق بالكتاب، سيما المتقن إخراجا وطباعة وتحريرا.. وأناقة.
لا يغفل هذا التعليق "عودة" دور النشر المصرية والسعودية والإماراتية (لم ألحظ بحرينيةً إنْ لم أكن مخطئا)، بعد غيابها في دورة العام قبل الماضي في ظروف الحصار الرباعي إياه. ولا مزايدة أبدا في القول هنا إن هذه المشاركات كانت مبعث سرور، وقد لوحظ إقبال عريضٌ على عدة دور نشر مصرية وسعودية، سيما وأنها جاءت بأحدث الإصدارات المتنوّعة، وكانت الأسعار، غالبا، في المقدور والممكن. كما دلّت المشاركات المتنوعة القادمة من لبنان، على أن ثمّة قدرةً مؤكّدةً في هذا البلد وشعبه على تحدّي كل المعيقات المادية والمالية والموضوعية العامة، لتبقى صناعة النشر وإنتاج الكتاب الجيد، والجذّاب للقراءة (والاقتناء فحسب أحيانا) من عناوينه الباقية. ومن مصادفاتٍ طيبةٍ تزامنت مع معرض الدوحة أنه جرى الإعلان عن عودة معرض بيروت الدولي للكتاب في مارس/ آذار المقبل، بعد انقطاعه ثلاث سنوات. وإذ يتهيأ الناشرون العرب، بعد أقل من أسبوع على اختتام تظاهرة الدوحة، لمعرض القاهرة الذي يقام بعد نحو ستة شهور من سابقه، فهذا من دلائل عديدة على أن صناعة الكتاب عربيا بخير.. إلى حدٍّ ما، أو حدٍّ كبيرٍ ربما.