بداية سقوط الرواية
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
كتب الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد، قبل أيام في "القدس العربي" مقالاً تحت عنوان "هل بدأت رحلة الهبوط للرواية؟" بدا فيه كأنّما يدقّ ناقوساً يُؤذن ببداية أفول النوع الأدبي الأكثر فتنة، والذي أغرى كتّاباً ومفكّرين وصحافيين كثيرين لمزاولته، والهجرة إليه طواعية. ينطلق عبد المجيد، في مقالته، من مفارقةٍ، هي أنّه توصل إلى هذا الاستنتاج بعدما "صارت الروايات تخرج من المطابع كلّ يوم" ويرى أنّ "الجوائز ساعدت على ذلك"... قد يبدو الوصول إلى استنتاج كهذا جريئاً لأنّه يحتاج إلى إثبات، في ظلّ التنامي الذي تشهده الرواية، ليس فقط في جانب الإصدارات، إنّما في الترجمات أيضاً، من اللغة العربية وإليها، إذ تتبارى دور النشر في طباعة روايات مترجمة من كلّ بقاع الأرض.
لا يمكن للرواية أن تندحر مع عدم وجود بدائل تحتل محلها. هل سيتمثل هذا البديل في عودة القصة أو الشعر؟ لا أظن ذلك، بدليل أنّ الناشرين يستنكفون من نشر الدواوين الشعرية، فيضطر الشعراء إلى أن ينشروا دواوينهم على نفقتهم، والحال ينطبق على كتّاب القصة القصيرة. لكن، هل فعلاً لا بديل يلوح في الأفق؟ قبل الإجابة، يجب أن ندرك السبب الذي دفع الكتّاب جميعهم، بمن فيهم الفلاسفة، إلى كتابة الرواية. يجيب عن هذا السؤال سارتر، في كتابه "ما الأدب" فيقول: "النثر هو الامتداد الوحيد لحواسّنا". وهو هنا يشير مباشرة إلى الرواية التي ترك منها الكثير، بدأها بـ"الغثيان" وقد استطاع من خلالها أن ينثر فلسفته (الوجودية) ويبسطها في قالب متاح للجميع. بل كتب سارتر أيضاً لهذا الأمر أدباً بوليسياً، كما في "الأيادي القذرة" والتي هي دراما سياسية عن قاتلٍ ارتكب عدة جرائم قتل لسياسيين. كما جرّب سارتر كتابة المسرح، من أجل بسط فلسفته في قالب حكائي، وهو نهجٌ سار عليه كذلك ألبير كامو الذي بسط فلسفته (العبث) عن طريق الأدب، وكانت روايتاه "الغريب" و"الطاعون" أبرز مثال. إذاً، القالب الذي توفره الرواية كبوتقة لقول الأفكار، يصعب تعويضه بسهولة. لكن، ما هو هذا البديل الذي يمكنه أن يزيح موقع الرواية نوعاً أدبياً لديه القابلية الكبيرة لأن يحتضن كلّ الأفكار بتناقضاتها، بل يحتضن حتى العلوم والتاريخ؟
أغامر بالقول إنّ ثمة بديلاً بدأ يروج حالياً، ويمكن تسميته بالبحث الموسوعي (الإنسكلوبيدي). من أبرز الأمثلة عليه كتابان مترجمان: "نظام التفاهة" لعالم الاجتماع الكندي، آلان دونو، نال حظوة كبيرة بين القراء، وأعيدت طباعته مرّات، بل إنّ المقالات عنه التي نشرت من الكثرة بمكان، بحيث يمكنك أن تقرأ عدداً منها فقد تغنيك عن قراءته كاملاً. يلخص الكتاب حالة وجودية مفصلية، وهي سيطرة التافهين على مفاصل حياتنا المعاصرة، في السياسة والإعلام والفنون، وذلك كله لخدمة السوق وتسليع الحياة من حولنا. أقام الكاتب أطروحته على معرفة موسوعية غير معقدة، لتكون في متناول القراء من جميع مستوياتهم. الثاني "الحيوان الحكّاء" للأميركي، جونثان غوتشل، وهو كتاب موسوعي ممتع، استطاع من خلاله المؤلف أن يثبت أنّ الإنسان لا يمكنه أن يستغني عن الحكايات. بل إنّ كلّ شيء في حياته في عمقه مبنيٌّ على حكاية، منذ ولادته وحتى وفاته. وإذا لم يجد الإنسان حكايةً، فإنّه يبتكرها ويتخيّلها، لأنّه لا يستطيع أن يعيش من دون حكايات. وهذا ربما يفسّر سبب ابتكار العرب كتاب "الليالي العربية" وجعل عنوانها لا نهائياً "ألف ليلة وليلة" حتى يتمكّن كلّ جيل من إضافة تفصيل جديد إليها.
لقد حظيت هذه الأنواع من الكتب بإقبال كبير من القرّاء، وترجمت إلى لغاتٍ كثيرة، بل إنّها في اللغة الواحدة تعاد ترجمتها مراراً. ما يؤهل هذا النوع من الكتب لأن يحتل الصدارة في قابل الأيام، مزحزحاً، مع الوقت، المكانة التي طالما احتلتها الرواية.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية