انتخابات سودانية مقلقة

20 ابريل 2015
+ الخط -

احتاج الطقس الانتخابي في السودان يوماً رابعاً للاقتراع، لعل المواطنين يفطنون فيه إلى حقهم الديمقراطي في اختيار رئيسهم وممثليهم في البرلمان ومجالس الولايات. يذكّرنا هذا اليوم الزائد بمثيلٍ له، كان ثالثاً، في طقس الانتخابات التي لم يمحض فيها المصريون حمدين صباحي الرئاسة، وآثروا عليه عبد الفتاح السيسي، بحسب أرقامٍ ونسبٍ أتعب إنجازُها لجنة مسؤولة مختصة، سيكون مجهود نظيرتها السودانية أكثر عنتاً، عندما تعلن، الأسبوع المقبل، أن السودانيين آثروا عمر البشير رئيساً، فالذين نافسوه 16 شخصاً، وفضلوا حزبه "المؤتمر الوطني" في البرلمان والولايات، وأعطوه الأغلبيات المعهودة، تعبيراً منهم عن ولعهم المؤكّد بالرئيس، على ما أعطى في نحو ربع قرن، وعلى ما حققته حكومات حزبه من نهوضٍ وتنميةٍ وأمن وأمان في البلاد. وستكون النتائج النهائية لاقتراع الأسبوع الماضي، غير المرتقبة طبعاً، دليلاً على وفاء السودانيين لرئيسهم، ولحزبه المكلل بنجاحاتٍ تعصى على العد.

بصراحة، وبعيداً عن هذه الفكاهة، يحسن النظر إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية السودانية، بأيامها التي أريد من الرابع المضاف أن يُنقذها من بؤسها الظاهر، على أنها مبعث قلق على السودان كله، إذ أكدت الانكشاف المروّع، والمعلوم أصلاً، لحالة التردي السياسي والاهتراء الحزبي والتأزم العام في البلاد. ذلك أن الأهم من التسلي بمعرفة من قاطعوا ومن شاركوا، وما إذا كانت نسبة الإقبال 40% أم لم تتجاوز 30%، هو الازورار الواسع لدى الشباب السوداني عن السياسة في بلده، ونظرته إلى نخب الحكم والمعارضة بعينٍ ناقمةٍ واحدة. وإذا كان العزوف العريض عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع في أربعة أيام، وفي انتخاباتٍ تشمل اختيار أعضاء مجالس حكم محلي وإداري معنية بالشأن اليومي والمعيشي، إذا كان تعبيراً احتجاجيا وسلمياً، وديمقراطياً إن شئنا، فإن احتجاجاتٍ بكيفياتٍ أخرى قد تستجد وتطرأ، إذا ما أشعلتها واقعةٌ، أو حادثةٌ، غير محسوبة.

هل يجوز في هذا المقام السوداني، (لكل مقامٍ مقال على ما هو معروف)، استدعاء انتخابات برلمان 2010 في مصر، لما زبّط فيها جمال مبارك أموره، وسط مقاطعةٍ مشهودة من قوى وتكتلات سياسية ومدنيّة غير قليلة، ثم كان الفجور السياسي فيها من أسباب اندلاع "25 يناير"؟ قد لا ينفع القياس هنا، وقد ينفع، غير أن في الوسع أن يُقال إن مقادير القلق من مستجدٍّ سوداني غير معلوم التفاصيل وفيرة، كما أن الجهر في هذا الشأن وجيه، ومطلوب ربما، بالنظر إلى أن كل أسباب الربيع السوداني حاضرة، وإنْ تقيم في مدارك أهل البلاد هناك مخاوفُ مسوّغة من حال سوري أو ليبي أو يمني، أو ربما مصري من الطراز الراهن. طبقات الإحباط تتراكم، والشعور بانعدام الجدوى من أي شيء يزيد، وانحسار المجتمع المدني وضعفه بيّن، وبواعث التطرف منظورة، وجفاف السياسة يتضاعف، أما عن البطالة والغلاء والاختناقات المعيشية فحدّث ولا حرج، وثمّة غير هذه المظاهر مما يتحدث عنها السودانيون بدراية الموجوع منها. وتأتي انتخابات الأسبوع الماضي الفلكلورية، وسط المقاطعة الحزبية الواسعة، وانفضاض ملايين السودانيين عنها، (منهم موالون للرئيس البشير وحزبه)، سبباً مضافاً للقلق.

تُرى، لو سارت التمارين الديمقراطية في مصر بعد ثورة يناير، قبل الانقلاب الحاكم، في المسار الطبيعي، ولو لم تجد الثورة المضادة في اليمن من تسبَّب بمضي البلاد إلى الخراب الراهن، ولو كان التدخل العربي في ليبيا على غير الذي صار، ولو وجد السوريون من يحمي ثورتهم من غاز السارين والبراميل والصواريخ، لو جرى هذا أو بعضه، فنجا الربيع العربي ممن تربصوا به، هل كانت السلطة في السودان تأخذ مواطنيها إلى فلكلورٍ انتخابي جديد، مقلق ويبعث على الجزع، أم إنه لا مدعاة لهذا التجريب الذهني، باستخدام أداة شرطٍ، يؤدي فيه الامتناع إلى امتناع؟

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.