الكوارث وخطط الطوارئ

16 سبتمبر 2023
+ الخط -

لا يشبه الموت المتنقّل في صباحات موجعة بين زلزال المغرب وإعصار ليبيا سوى حالتنا العربية شبه الشاملة. لا بنى تحتية ولا صيانة ولا مراكز إدارة الأزمات ولا اكتراث بأرواح الآلاف ممن سقطوا، يُحفّز أي سلطةٍ لإعادة ترتيب أولوياتها. الفساد مرادفٌ للحكام في دولٍ ناسُها مجرّد أرقام، لا يهم إن بقوا على قيد الحياة أو ماتوا. وليس هناك من يُحاسب أي مقصّر ولا من كان سبباً في تدارك أي أزمة طبيعية والحدّ من أضرارها عبر إنشاء بنى تحتية سليمة وصلبة. تحصل الزلازل في كل مكان والأعاصير كذلك. طبيعية في بعض الدول واستثنائية في أخرى. غير أن كوارث طبيعية عديدة يمكن حصر خسائرها البشرية، خصوصاً إذا كان هناك تنظيم مدني سليم صُنع لمراعاة حماية الناس قبل أي شيء آخر.

ما حصل في ليبيا والمغرب مؤهل للتكرار في أي دولة عربية أخرى، خصوصاً أن مبدأ تطوير البنى التحتية والمواصلات وإدارة الأزمات غائبٌ عن ميزانيات دول عدة. والأسوأ أن لا أحد ينوي الاتّعاظ مما حصل في ليبيا والمغرب وقبلهما في تركيا وسورية في زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي. ولا أحد يأخذ على محمل الجدّ حقيقة أن كل الدول معرّضة لمثل هذه الكوارث. يكفي نماذج بسيطة في لبنان. في كل عام تندلع الحرائق في ما تبقى من غابات. وفي كل عام "تفاجأ" السلطات بالحرائق، وتعجز عن إطفائها أو عن استباقها بإجراءاتٍ محدّدة لا تتطلب تمويلا كثيرا، مثل نشر حرّاس في الغابات والعمل على زيادة عدة فرق الإطفاء وعتادها في المواقع الحسّاسة.

كذلك في لبنان أيضاً، مع بدء موسم الأمطار في أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام "تفاجأ" السلطات بغرق الطرقات الدولية والداخلية بالسيول. والحل موجود ولا يكلّف الكثير، يبدأ من إزالة الأوساخ العالقة على جوانب الطرقات، والتي تُعدّ سبباً جوهرياً في الفيضانات "الموسمية"، وأيضاً محاسبة المتعهّدين الذين قاموا بإنشاءات مخالفة للقوانين. لكم أن تتخيّلوا لو هبّ إعصارٌ في لبنان ما الذي سيحصل.

ليس مفهوم البنى التحتية بحدّ ذاته ترفاً، بل حاجة مركزية لتنمية أي مجتمع وبلد. لا يكفي وضع الإسفلت على طريقٍ ما، بقدر ما ينبغي ربطه بشبكة إنارة وتصريف مياه وأعمدة إرسال للإنترنت والاتصالات وكاميرات مراقبة ومراكز نجدة وصيانة ومستشفيات. لا تكفي مناداة العالم بعد وقوع أي كارثة، في حال لم تكن بالأساس قد جهزت ملاجئ وخطّة طوارئ لمواجهة أي كارثةٍ طبيعيةٍ، وراقبت المباني وأخلت كل ما هو مخالفٌ لقوانين البناء، وجعلت من المجتمعات المحلية، كالبلديات، حكوماتٍ حقيقية تدرك ماهية حاجاتها لدرء الكوارث، وإنشاء شبكة مترابطة تتصل بنقطة مركزية تراقب وتعالج أي تلكّؤ في تدعيم خطط الطوارئ.

لا يمكن إنشاء السدود في أي مكان، ولا تشييد مبانٍ في مطلق موقع ولا استغلال كل المياه الجوفية، بل يتطلّب الوعي تنظيماً لذلك كله، بما يحصر الخسائر في أي أزمة. لكن هل الدول التي يقبع على عرشها حكّام فاسدون قادرة على فعل ذلك؟ بالتأكيد لا، بالعكس، ستسعى إلى تسويق مبرّرات واهية بالاستعانة بـ"خبراء" من أنصارها، والتركيز على اليأس العدمي في ابتكار الحلول، بموازاة ترويج "بُعد" هذا البلد عن أي كارثة، بسبب موقعه الجغرافي، أو أنه لا يمكن مواجهة الطبيعة مهما فعلنا. أدوات التبرير هنا تُعدّ من إفرازات الفساد المستحكم في أي بلد لا أكثر.

يعلم الجميع تقريباً، حتى لو رفضوا المجاهرة بذلك، أن العشوائية في كل شيء والفوضى في تنظيم عملية الإسكان وإهمال إنشاء البنى التحتية وتطويرها ستكون وبالاً في السنوات المقبلة، وستكون أعداد ضحايا ليبيا والمغرب قليلة قياساً على ما قد نواجهه. ذلك كله متعلق بثقافة وذهنية، وهما نقطتان لم تتغيّرا في رأس أي حاكم لدولة فاسدة.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".