الكاظمي ـ أبي أحمد: صفر مشاكل

26 ديسمبر 2020
+ الخط -

بين رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، ونظيره العراقي، مصطفى الكاظمي، قواسم مشتركة عدة، في بلدين متمركزين في إقليمين يشهدان صراعاً ساخناً. إثيوبيا الرابضة على فم القرن الأفريقي شهدت عقوداً من الحروب والنزاعات مع دول الجوار، وكذلك العراق على مداخل شبه الجزيرة العربية. بدا أن كليهما يدوران في حلقةٍ عنفيةٍ لن تنتهي سوى بالفناء الذاتي، إلا أن وصول أبي أحمد في أديس أبابا، والكاظمي في بغداد، شرّع الأبواب أمام إمكانية انتقال البلدين إلى مرحلةٍ مستقرّة، بنسب متفاوتة. خلفية الرجلين الاستخباراتية تمكّنهما من قراءة المشهدين في بلديهما بصورة أكثر اختلافاً من سياسي تقليدي أو جنرال غاضب، من دون أن تكون بالضرورة قراءة سليمة. أبي مثلاً، عمد منذ انتخابه، في عام 2018، إلى إقفال الملفات القديمة مع الجوار الإثيوبي، خصوصاً إريتريا. ونجح في تحقيق اختراقٍ دبلوماسيٍّ واسع النطاق، حصل بموجبه على جائزة نوبل للسلام العام الماضي. في المقابل، سعى الكاظمي في الأشهر الثمانية الماضية، وهي عمر حكومته، إلى اعتماد مقاربةٍ أكثر نضجاً من مقاربات أسلافه، لناحية التعاطي مع إيران وتركيا والسعودية. ولعلّ افتتاح معبر عرعر الحدودي بين السعودية والعراق بعد 30 عاماً على إغلاقه نقطة تُسجّل له. 

يُمكن وصف خطوات الثنائي، كل في موقعه، بنوعٍ من اعتماد سياسة "صفر مشاكل" مع الجوار، وهي سياسةٌ نظّر لها مراراً رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو. وقد تكون مثل هذه السياسة بالغة الأهمية لإثيوبيا، تحديداً في مفاوضاتها في شأن سدّ النهضة، لكنها قد تكون أصعب للعراق، بفعل فقدان القدرة نسبياً على الإمساك بالقرار، سواء بسبب طبيعة نظام الحكم، أو لتعدّد القوات الأجنبية والمليشيات فيه. في الموضوع العراقي، تعيد إيران التذكير مراراً بقدرتها على التحرّك في بلاد الرافدين، في مقابل استمرار الوجود العسكري الأميركي بحججٍ مختلفة. وهنا لا تبدو المقارنة إيجابيةً للعراق، فإثيوبيا سعت إلى حسم خلافٍ ذي طابعٍ إثني، عبر تحريك قوات فيدرالية. أوحى أبي في حرب إقليم تيغراي بقدرته على التحرّك العسكري ضد خصومه في الداخل، من دون أن يخشى انقسام بلاده متعدّدة القوميات والإثنيات. 

وفي بغداد، فإن تراجع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كان عائداً، بالدرجة الأولى، إلى ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ثم قوات البشمركة الكردية و"الحشد الشعبي" ثانياً. أي أن الجيش العراقي لم يجد نفسه قادراً على التحكّم بأمن البلاد، بعد تفكيكه على يد الأميركيين، وبنائه بصورةٍ تضعه أضعف من المليشيات نسبياً. هنا تحديداً، يبدو مصير الكاظمي أدقّ من مصير أبي، فعلى الرغم من إدراكه أن حاجته إلى تحقيق نصرٍ ميداني، سواء على فلول "داعش" أو كشف مرتكبي الجرائم ضد الناشطين في التظاهرات العراقية، تنبع من فكرة تركيز القوة الأمنية في يد الحكومة الاتحادية، إلا أن عدم قدرته على تحقيق ذلك، خصوصاً في ظلّ الرسائل الصاروخية شبه اليومية، الموجّهة إلى المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، خصوصاً باتجاه السفارة الأميركية، قد تضع مبدأ "صفر مشاكل" في خطر في شقّه العراقي، بما قد يؤدّي إلى فقدان المكاسب المتحصّلة حتى الآن، فضلاً عن احتمال انزلاق العراق إلى صراع أكثر حدّةً في مرحلة ما بعد "داعش".

يُمكن طرح سؤال بشقّين: كيف يمكن لسياسة "صفر مشاكل" مع الجوار أن تنجح، في حال غابت السلطة المركزية أولاً؟ وما هي مقومات نجاح مثل تلك السياسة في الداخل؟ يبدأ ذلك بأمرين لا ثالث لهما: محاربة الفساد والإصلاحات في النظام. بالتالي، ما يقوم به أبي قد ينقلب عليه ما لم يطبّق الإصلاحات المطلوبة في إثيوبيا. وما يطمح إليه الكاظمي يحتاج إلى فعلٍ يتجاوز المليشيات والقوات الأجنبية لتحقيقه. لذلك، سيؤدّي مبدأ "صفر مشاكل" الذي يتجاهل الداخل إلى انفجار مجتمعي لن ينتهي بسهولة، أما نجاحُه، فحجر دومينو مثالي للجوار.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".