15 نوفمبر 2024
القمة العربية... لماذا؟
واحدةٌ من مساوئ علي عبدالله صالح، (أو مآثره؟)، أنه اقترح، قبل 16 عاماً، على نظرائه العرب انعقاداً دورياً منتظماً للقمة العربية، فلم يجد هؤلاء غضاضةً (ما هي الغضاضة؟) في الأمر، فأقرّوه، ثم صار عليهم أن يتجشّموا عناء هذا الروتين السنوي. وكانت القمم العادية المنتظمة قد توقفت، بعد التي عقدت في تونس في 1979، وتقرّر فيها "التصدّي لمؤامرة الحكم الذاتي"، وكان أنور السادات يعمل على انتزاعه للفلسطينيين من إسرائيل التي قالت تلك القمة إن الصراع معها "طويل الأمد". بعد تلك النوبة من الجسارة العربية، عقد القادة العرب قمماً كثيرة طارئة (غير عادية، بلغة جامعة الدول العربية)، حتى أطلّ عليهم صالح ببدعته تلك التي أحال عصمت عبد المجيد، في ثنائه عليها، إلى "انتظام" اجتماعات قادة دول الاتحاد الأوروبي، ولم يكن يمزح، بل كان فائضٌ من الجديّة بادياً فيه، وهو يقول طرفته هذه. وكان مسلياً في متابعتنا، نحن ملايين النظارة العرب، القمم العربية، العادية والطارئة، مشاهدة معمر القذافي بأرديته إيّاها، يدخّن، أو يدعو أمين الجميّل (جاره الأبجدي) إلى الإسلام، أو يُقاطع كلمة أحد نظرائه، أو يخرج من القاعة. أما قراءته، على شاشة "الجزيرة" البيان الختامي لقمةٍ قبل افتتاحها في اليوم التالي، فكانت جرعة الكوميديا فيها أقلّ إثارة.
انتهى القذافي جثةً مبطوحةً للفرجةِ عليها، في سِرت التي استضاف فيها قمةً عربية عادية قبل عامٍ من الثورة عليه، كان منسوبُ الجسارة فيها عالياً، في تبنّيها "خطة عملٍ" تتضمن إجراءاتٍ سياسية وقانونية "للتصدّي لمحاولات تهويد القدس والاعتداءات المتوالية عليها". وانتهى علي عبدالله صالح شمشونياً في خياره الحادث الآن في اليمن، بعد خلعه من الرئاسة، وهذه مشورتُه يُؤخذ بها، فتتوالى سنوياً مؤتمرات القمة لزملائه السابقين، بانتظامٍ، اختلّ قليلاً بعض الوقت، لكنه ما لبث أن سار على إيقاعه. ومن فرط رتابة هذا "الانعقاد الدوري المنتظم للقمة العربية"، غفلنا عن اقتراب موعد القمة المقبلة، وعن المغرب مكاناً لها، حتى أعلنت الرباط اعتذارها، الأسبوع الجاري، عن استضافة هذا الشمل العربي، وتوسلت لغةً صريحةً، في التعبير عن مقصدها، وموجزه أنه لا داعي لهذه القمة، وذلك في بيانٍ قال "إن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحوّل إلى مجرد اجتماع مناسباتي". وإنه لا يمكن لقادة الدول العربية في ساعة الصدق والحقيقة "الاكتفاء بمجرد القيام، مرة أخرى، بالتشخيص المرير لواقع الانقسامات والخلافات الذي يعيشه العالم العربي، من دون تقديم الإجابات الحاسمة والحازمة، لمواجهة هذا الوضع، ..".
لا تعتذر الرباط، إذن، عن استضافة القمة فقط، وإنما تسأل أيضاً عن جدوى انعقادها. ولعلها المرة الأولى التي يُصارح فيها النظام العربي نفسه بهذه الكيفية المعلنة. نطالع بيان "الخارجية" المغربية، فنتذكّر أن المغرب اعتاد على استضافة قممٍ عربية، غالباً ما كانت ناجحة، وصدرت عنها قراراتٌ عملية، ففي قمة الرباط (1974) جرى اعتماد منظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وفي قمة فاس (1982) شهد مسار التسوية اعترافاً ضمنياً بإسرائيل، وتم فيها استقبال خاص لياسر عرفات الخارج من بيروت، وقد عقدت بمقصد أن تزيل فشل سابقتها المرتجلة، في فاس أيضاً، في 1981. ولم تتورط قمتا الدار البيضاء في 1985 و1989، في قراراتٍ كبرى، وإنما ساهمتا في تحسين الأجواء العربية، وفي حلحلة عمليّة للأزمة اللبنانية.
استضافت مصر القمة السالفة، وقد ترتحل التي اعتذر عنها المغرب إلى نواكشوط. لكن، لماذا يُحافَظ على انتظام هذا الموسم السنوي من الركاكة البائسة؟ أليست العودة إلى ما قبل قمّة عمّان في 2001 أجدى، فيجتمع القادة الأشقاء العرب، حسب مقتضى الحال، وحسب السوانح، بدل التكلّف، كل عام، في صياغة رطاناتٍ مضجرة، لم يعد فيها ما يسرّى عن النفس عند متابعتها، ففي البال أن الثرثرة، مثلاً، عن "قوةٍ عربية مشتركة"، في قمة شرم الشيخ العام الماضي، كانت رثّة.. كل الحق على علي عبدالله صالح.
انتهى القذافي جثةً مبطوحةً للفرجةِ عليها، في سِرت التي استضاف فيها قمةً عربية عادية قبل عامٍ من الثورة عليه، كان منسوبُ الجسارة فيها عالياً، في تبنّيها "خطة عملٍ" تتضمن إجراءاتٍ سياسية وقانونية "للتصدّي لمحاولات تهويد القدس والاعتداءات المتوالية عليها". وانتهى علي عبدالله صالح شمشونياً في خياره الحادث الآن في اليمن، بعد خلعه من الرئاسة، وهذه مشورتُه يُؤخذ بها، فتتوالى سنوياً مؤتمرات القمة لزملائه السابقين، بانتظامٍ، اختلّ قليلاً بعض الوقت، لكنه ما لبث أن سار على إيقاعه. ومن فرط رتابة هذا "الانعقاد الدوري المنتظم للقمة العربية"، غفلنا عن اقتراب موعد القمة المقبلة، وعن المغرب مكاناً لها، حتى أعلنت الرباط اعتذارها، الأسبوع الجاري، عن استضافة هذا الشمل العربي، وتوسلت لغةً صريحةً، في التعبير عن مقصدها، وموجزه أنه لا داعي لهذه القمة، وذلك في بيانٍ قال "إن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحوّل إلى مجرد اجتماع مناسباتي". وإنه لا يمكن لقادة الدول العربية في ساعة الصدق والحقيقة "الاكتفاء بمجرد القيام، مرة أخرى، بالتشخيص المرير لواقع الانقسامات والخلافات الذي يعيشه العالم العربي، من دون تقديم الإجابات الحاسمة والحازمة، لمواجهة هذا الوضع، ..".
لا تعتذر الرباط، إذن، عن استضافة القمة فقط، وإنما تسأل أيضاً عن جدوى انعقادها. ولعلها المرة الأولى التي يُصارح فيها النظام العربي نفسه بهذه الكيفية المعلنة. نطالع بيان "الخارجية" المغربية، فنتذكّر أن المغرب اعتاد على استضافة قممٍ عربية، غالباً ما كانت ناجحة، وصدرت عنها قراراتٌ عملية، ففي قمة الرباط (1974) جرى اعتماد منظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وفي قمة فاس (1982) شهد مسار التسوية اعترافاً ضمنياً بإسرائيل، وتم فيها استقبال خاص لياسر عرفات الخارج من بيروت، وقد عقدت بمقصد أن تزيل فشل سابقتها المرتجلة، في فاس أيضاً، في 1981. ولم تتورط قمتا الدار البيضاء في 1985 و1989، في قراراتٍ كبرى، وإنما ساهمتا في تحسين الأجواء العربية، وفي حلحلة عمليّة للأزمة اللبنانية.
استضافت مصر القمة السالفة، وقد ترتحل التي اعتذر عنها المغرب إلى نواكشوط. لكن، لماذا يُحافَظ على انتظام هذا الموسم السنوي من الركاكة البائسة؟ أليست العودة إلى ما قبل قمّة عمّان في 2001 أجدى، فيجتمع القادة الأشقاء العرب، حسب مقتضى الحال، وحسب السوانح، بدل التكلّف، كل عام، في صياغة رطاناتٍ مضجرة، لم يعد فيها ما يسرّى عن النفس عند متابعتها، ففي البال أن الثرثرة، مثلاً، عن "قوةٍ عربية مشتركة"، في قمة شرم الشيخ العام الماضي، كانت رثّة.. كل الحق على علي عبدالله صالح.