الصدع في المجتمع الإسرائيلي
يعرف المهتمون بالشأن الفلسطيني، ولو بدرجة قليلة، أن بريطانيا عندما قرّرت إنشاء دولة يهودية في فلسطين بدأت، بالاشتراك مع الحركة الصهيونية، بتجميع اليهود من هنا وهناك على أرض فلسطين في البداية، كانت الهجرات فردية وقليلة جدا، وكانت أسبابها دينية محضة، أو طلبا للأمان. لهذا، كانت بداية الهجرات اليهودية من أوروبا الشرقية التي كانت تشهد، بين فترة وأخرى، مذابح جماعية منظّمة ضد اليهود، وخصوصا في روسيا وأوكرانيا. لم تكن مسألة الانسجام في أوساط هؤلاء المهاجرين قد طُرحت بعد، فأعدادهم كانت قليلة، وغالبيتهم استوطنوا القدس لأسباب دينية صرفة، وقد تعلموا اللغة العربية وتحدّثوها بطلاقة.
بعد كتيب هيرتزل "الدولة اليهودية" عام 1895 والمؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، أصبحت الهجرة من أوروبا الشرقية منظّمة، ودخلت مرحلةً جديدة، وبدأت تتّسع تدريجيا، وأصبح هدفها مختلفا. وبدأ بناء المستوطنات الخاصة باليهود دون غيرهم. وتسارعت الوتيرة بعد وعد بلفور عام 1917. لم تكن هناك مشكلة في الانسجام الثقافي بينهم، فجميع المستعمرين تقريبا كانوا قادمين من أوروبا الشرقية. بولندا أولا، وأوكرانيا ثانيا، وروسيا وبيلاروسيا ثالثا، مع بعض الهجرات من هنا وهناك. جميع رؤساء الوزارة الإسرائيلية منذ التأسيس عام 1948 وحتى ما قبل عام 1995 (بنيامين نتنياهو) كانوا جميعا من بولندا أو أوكرانيا باستثناء إسحق رابين المولود في فلسطين، فرئيس الوزراء الأول ديفيد بن غوريون (ديفيد غرين) بولندي من مدينة بلونسك. والثاني موشي شاريت (موشيه شيرتوك) أوكراني من مدينة خيرسون. والثالث ليفي شكول (ليفي شكولنيك) أيضا من أوكرانيا من قرية بالقرب من العاصمة كييف. تليهم غولدا مائير (غولدا مابوفيتز) من أوكرانيا، ومناحيم فولافوفيتش بيغن وإسحق شامير (إسحق يزرنيتسكي) من بولندا، وشمعون بيريس (شمعون بيرسكي) من بيلاروس.
ولم يكن تغيير الأسماء مصادفة، أو اسما حركيا للتخفّي، أو اسما فنيا تماشيا مع الموضة، بل خطوة لتحقيق الهوية الواحدة المزعومة مستقبلا واختلاق الأكذوبة الكبرى (الشعب اليهودي). لقد دأب اليهود الصهاينة المهاجرون على تغيير أسمائهم واستبدالها بأسماء عبرية، فالبوتقة الواحدة لا تحتمل نيكولاي وفلاديمير مع فؤاد وعزيز مع ستيفن وأوليفر. مع صعود النازية في أوروبا الوسطى في ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت الهجرة اليهودية من أوروبا الوسطى، هربا من هتلر وبطشه العنصري، لكن ذلك لم يغيّر كثيرا في التركيبة الثقافية الديمغرافية للمستعمرين اليهود، وبالتالي، لم يؤثر في مسألة الانسجام.
بدأت هجرة المستعمرين اليهود من الدول العربية، بشكلٍ رئيس من شمال أفريقيا والعراق واليمن، بالإضافة إلى الهجرة من إيران
بعد أن أنجزت بريطانيا مهمتها بنجاح، وأنشأت "دولة إسرائيل" فوق الوطن الفلسطيني، بدأت هجرة المستعمرين اليهود من الدول العربية، بشكلٍ رئيس من شمال أفريقيا والعراق واليمن، بالإضافة إلى الهجرة من إيران. وبعد سنة واحدة فقط، وصل عدد المستعمرين الجدُد إلى مليون مستعمر يهودي. بقيت المجموعة البولندية الأكبر تليها المغربية، ولم يتغير هذا الواقع حتى بداية الهجرة الجماعية من الاتحاد السوفييتي بعد سقوط جدار برلين. بدأت المخاوف مبكرا، وظهر خطر عدم الانسجام بين مجموعتين كبيرتين، إحداهما أوروبية حملت معها الثقافة الأوروبية، وأخرى شرق أوسطية حملت معها الثقافة الشرق أوسطية. بل إن بعض المهاجرين اليهود من بعض الدول العربية استمرّوا يستخدمون اللغة العربية داخل بيوتهم، وهذا طبيعي مع كل المهاجرين في كل الدول، كان منهم شعراء يكتبون الشعر باللغة العربية، واستمر الحنين يراودهم بالعودة إلى وطنهم الأصلي، بسبب تهجيرهم رغما عنهم، كما حصل مع العراقيين اليهود.
لعبت أماكن التوطين دورا رئيسا في تعزيز عدم الانسجام بين المجموعتين، فقد جاء الأوروبيون اليهود على دفعاتٍ صغيرة، كان يتم استيعابها في المستوطنات على مهل في منطقة غوش دان بشكل رئيس، وهو المثلث ما بين حيفا ويافا والقدس، وما زالوا يتركّزون فيه. أما المستعمرون الجدد من الدول العربية فقد وصلوا في دفعات كبيرة على جناح السرعة. ولهذا تم توطينهم مؤقتا في الخيام، ولاحقا جرى إرسالهم إلى ما تسمّى مدن التطوير التي كانت تنقصها البنية التحتية الراقية بدرجة كبيرة. بعكس مناطق سكنى الأوروبيين اليهود، وما زال هذا الوضع قائما بنسبة معينة.
كانت كل المراكز القيادية في الدولة لليهود الذين قدموا من أوروبا (الأشكناز) سواء على صعيد الوزراء وموظفي الدولة أو الجيش أو القضاء. جاء اليهود الشرقيون (السفارديم) من المغرب والعراق واليمن وإيران إلى دولة جاهزة ومبنية تماما، من دون أن يساهموا في تأسيسها وبنائها. لقد لاحظ ديفيد غرين (بن غوريون) مسألة عدم الانسجام بين المستعمرين الجدد مبكّرا، وأكّد على ضرورة تجاوز هذه المعضلة. كما كان قد لاحظها من قبله تيودور هيرتزل عندما كتب كتيبه "الدولة اليهودية". ترك هرتزل الأمر للمستقبل والزمن، كي يعالج هذه المعضلة، بل إنه توقع أن تكون الإنكليزية لغة الدولة اليهودية القادمة. ولكن ديفيد غرين (بن غوريون) لم يترك الأمر للزمن، بل قام بإجراءات عملية لتجاوز هذا الأمر. لقد اعترف بأن اليهود في الدولة الجديدة هم "شظايا أسباط" و"رعاع"، ولا بد من جعلهم "شعبا يمتلك ملامح روحية"، واستخدم كلمة "صهر"، في إشارة إلى صعوبة المسألة، وإلى ضرورة استخدام ما يشبه القوة في حلها.
قامت "إسرائيل - الدولة الأشكنازية" في سبيل تقليل خطر عدم الانسجام بخطواتٍ غير إنسانية كشفت حقيقتها العنصرية حتى تجاه اليهود أنفسهم
كانت هناك منظومة متكاملة تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة لإنشاء الوعي المشترك بين جميع المهاجرين، حتى قبل هجرتهم، تبدأ بتعليم اللغة العبرية في الوطن الأم ولا تنتهي بالحلقة الأهم، وهي الخدمة في الجيش والعمل في الزراعة. ولهذا أكد ديفيد غرين (ديفيد بن غوريون) على ضرورة الخدمة العسكرية الإلزامية. وقد طبقت هذه الخدمة على جميع اليهود المهاجرين من غير طلبة المدارس الدينية من دون استثناء (باستثناء يهودي واحد، شيمون بيريس)، وعلى أن تشمل هذه الخدمة التعليم الزراعي. وما زال الجيش الإسرائيلي بمثابة البوتقة التي يحاولون من خلالها إزالة هذه الفوارق، ولكن هيهات.
كما جرى دعم المدارس الدينية للمتديّنين الذين لا يفعلون شيئا سوى دراسة التوراة، من أجل تعزيز الطابع اليهودي للدولة، ولكن الخدمة العسكرية والطابع العسكري للدولة بشكل عام، بالإضافة إلى المدارس الدينية، وكذلك طريقة التعامل مع الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين، سواء بالاحتلال والتطهير العرقي عام 1948، أو بالحكم العسكري الذي طبق عليهم طوال 16 سنة حتى قبيل حرب حزيران 1967، ثم احتلال ما تبقّى من فلسطين بعد هذه الحرب، وسياسة الأبارتهايد التي تطبقها إسرائيل على الفلسطينيين، وقد أوجد ذلك كله بيئة خصبة لانتشار التطرّف والتعصّب وتراجع الأفكار الليبرالية الأوروبية، خصوصا في أوساط اليهود الشرقيين. ويجب أن نضيف إلى هذا كله الفارق في مستوى التحصيل العلمي والثقافي، وبالتالي في مستوى المعيشة بين الشرقيين والغربيين. وقد بدأت آثار هذا التعصّب من الشرقيين تظهر حتى تجاه اليهود الغربيين أيضا، وأرجو ألا يتسرّع القارئ فيفهم أن هناك خلافا بين الشرقيين والغربيين في النظرة إلى الفلسطيني وإلى احتلاله وطرده من أرضه. هنا يوجد اختلاف (وليس خلافا) وهو اختلافٌ في الطريقة أو السرعة، وليس اختلافا على الفكرة في جوهرها. ولا يتصوّر القارئ أن جميع الغربيين هم من الليبراليين وجميع الشرقيين هم من المتطرّفين، ولكن بشكل عام هم كذلك. لقد قامت "إسرائيل - الدولة الأشكنازية" في سبيل تقليل خطر عدم الانسجام بخطواتٍ غير إنسانية كشفت حقيقتها العنصرية حتى تجاه اليهود أنفسهم، فقد سرق آلاف الأطفال الرضّع حديثي الولادة بشكل منظّم في المستشفيات في خمسينيات القرن الماضي من أسر يمنية، وأعطوا لأسر من الأشكناز. ولم يتم الكشف عن هذه الفضيحة إلا بعد عشرات السنين من حدوثها، وجرى اعتذار رسمي عنها. ودفعت الحكومة تعويضات للأسر المتضرّرة، واعتبرت هذا العمل صفحاتٍ مخجلة في حياة إسرائيل (وكأن هناك صفحات مشرقة؟)، وطالبت الحكومة بتدريسها في المناهج الدراسية. كما قاموا بعد سنوات أيضا بتعقيم الإثيوبيات الشابات من أجل تقليل خصوبتهن ومعدّلات الولادة بين الإثيوبيين، وكُشف عن ذلك أيضا لاحقا بشكل رسمي.
بدأت إسرائيل تدفع ثمن سياستها تجاه الفلسطينيين، وثمن مدارسها الدينية وثمن طريقة نشأتها من الأساس
طوال السنوات الماضية، كنا نسمع شذرات من هنا وهناك عن شرقيين وغربيين في المجتمع الإسرائيلي. مشاجرات وملاسنات في الأسواق. وأخيرا، جرى تداول شريط قصير على "تيك توك" بين امرأتين من هذا الطراز، ولكن بعض هذه الشذرات كانت تأتي أحيانا من "علية" القوم، ففي عام 2002 عندما خسر العراقي، بنيامين بن أليعازر (فؤاد)، انتخابات رئاسة حزب العمل أمام عميرام متسناع ذي الأصول الألمانية، صرح أن السبب هو في أصول كل منهما. كما صدر تصريح مشابه عن وزير الخارجية السابق، المغربي اليهودي، ديفيد ليفي، الذي اعتبر أن نتنياهو يحاول وقف تقدّمه في الحياة السياسية بسبب أصوله المغاربية. كما رفض بنك الدم الإسرائيلي قبول تبرّع دم من إحدى الإثيوبيات، رغم أنها نائب في الكنيست. وقبل عامين، عندما استعصى تشكيل حكومة إسرائيلية نتيجة التقارب في الأصوات بين المعسكرين، وأصبح الانقسام أكثر وضوحا بعد الانتخابات بين غربيين عموما يطالبون برأس نتنياهو، وشرقيين عموما ومتدينين يساندون نتنياهو، وصف عضو الكنيست وزير المواصلات وأحد قادة حزب أزرق أبيض، بوعز هندل، وهو من الغربيين، الخلاف، في مقابلة مع صحيفة هآرتس في 09.02.2020، بأن "هناك من هاجر إلى إسرائيل مع عقلية سيمفونيات فيينا الأوروبية، وهناك من هاجر بعقلية الدربوكة"، وهو قول حقيقي جدا. ويكفي أن ترى كيف يحتفل الغربيون بفوزهم بالرقص الأوروبي، وكيف يحتفل الشرقيون بالقفز والتصفيق، وقد حاول أن يعتذر لاحقا وأن يشرح موقفه "هناك ألف لون وتنوّع في إسرائيل، وهذا جيد. في النهاية، الرؤية (الصهيونية) تنص على وجود شعب واحد، وعدم وجود تقسيمات طائفية. سيحدُث ذلك ذات يوم".
لقد بدأت إسرائيل تدفع ثمن سياستها تجاه الفلسطينيين، وثمن مدارسها الدينية وثمن طريقة نشأتها من الأساس. وفي الآونة الأخيرة، بدأنا نشهد بوادر متفرّقة، قليلة وخجولة، عن تدخّل الجيش العلني في السياسة. صحيحٌ أن إسرائيل جيش أولا قبل أن تكون دولة، أو كما قال الكاتب الإسرائيلي، عاموس عوز، ذات يوم "نحن جيشٌ يمتلك دولة"، ولكن تدخّله كان يتم في الخفاء وبأسلوب ناعم عبر الاستشارات والضغوط. ولكن في هذه الأيام نتيجة وصول ثقافة الانقسام إلى أوساط الجيش نفسه، أصبحنا نلاحظ، بين فترة وأخرى، تصريحا سياسيا لأحد الضباط من هنا وهناك، قليلون منهم في الخدمة وكثيرون من الاحتياط. بل وصل الأمر، أخيرا، بالعقيد المتقاعد الطيار الذي شارك في قصف المفاعل النووي العراقي، زئيف راز، أن طالب بقتل نتنياهو وكل وزرائه.
أدرك "الغربيون" ما يحضّره "جماعة الدربكة" للمحكمة العليا، ولكل جهاز القضاء وللمستشارين القضائيين في كل وزارة وكل دائرة، ولهذا خرجوا في مظاهراتٍ عارمة
لقد أسس اليهود الغربيون الدولة وسيطروا عليها شكلا ومضمونا. ولكن منذ 1977 عندما نجح الليكود بزعامة مناحيم بيغن لأول مرة في انتزاع الحكومة، بدأت ملامح سيطرة اليهود الشرقيين على الدولة تظهر تباعا. لقد تقدّم الشرقيون بعد ذلك أكثر من مرّة في الانتخابات، ولكنهم كانوا يشعرون أن الدولة العميقة (الغربية) ما زالت تعيق سيطرتهم. الإعلام والقضاء ما زالا بعيدين عن سيطرتهم. لقد أسّسوا صحيفة إسرائيل هيوم، وتلاعبوا بقوانين الإعلام، وقدّموا الرشى، واستطاعوا تحقيق مكاسب في هذا الميدان. اختفت كل الصحف الليبرالية، وبقيت صحيفة هآرتس الصحيفة الوحيدة "الشاذّة" في الساحة الإعلامية. لم يتبق لهم لفرض سيطرتهم على الدولة شكلا ومضمونا سوى جهاز القضاء والمحكمة العليا التي يسيطر عليها الأشكناز منذ تأسيسها عام 1950 بما يشبه الإجماع، فقد بدأت بسبعة قضاة أشكناز فقط، وعندما توسعت وأصبح عددها 15 قاضيا، فإن أقصى ما وصل إليه السفارديم هو قاضيان فقط من بين الـ15 قاضيا، بالإضافة إلى قاضٍ عربي واحد.
لقد انتبه إيرز تدمور، أحد منظّري الليكود والمستشار المقرّب من بنيامين نتنياهو، إلى أن الفوز في الانتخابات ليس كافيا للسيطرة على الدولة، إذ ألف كتابا عام 2017 بعنوان "لماذا تصوّت يمين ويحكمك (تحصل على) اليسار"، وقد أصبح الكتاب بمثابة برنامج عمل لليمين الصهيوني الديني (السفارديم). مع ازدياد قوة "إسرائيل" بشكل متنام سياسيا واقتصاديا وعسكريا بداية من اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، ازدادت الرغبة لدى التيارات الدينية الأكثر يمينية أن تجهر بأطروحاتها وأيديولوجيتها، بل وأن تحاول تطبيقها. في البداية، كان لا بد من المداراة كما حصل في ما يسمّى إعلان "الاستقلال"، وفي خطواتٍ حافظت على الطابع الليبرالي العلماني للدولة، فقد بدأ بعض أطراف ائتلاف هؤلاء (غوغاء الدربكة) والمتدينون المتعصبون بالمطالبة بإعطاء مساحة زمنية محدّدة يتم فيها الفصل بين الرجال والنساء في الحمّامات المعدنية. وبدأوا يطالبون بوقف وسائل المواصلات يوم السبت، كما طالبوا بوقف توليد الكهرباء يوم السبت أيضا. وكما يقول المثل العربي أول الغيث قطرة. ومثل هذه الأمور لا يمكن أن يقبل بها اليهودي القادم من أوروبا، فهؤلاء بالنسبة له هم يهود دواعش. لقد أدرك "الغربيون" ما يحضّره "جماعة الدربكة" للمحكمة العليا، ولكل جهاز القضاء وللمستشارين القضائيين في كل وزارة وكل دائرة، ولهذا خرجوا في مظاهراتٍ عارمة تجتاح غالبية المدن، يزداد عددها يوما عن يوم، يأتي إليها الغربيون عموما، "نحن متحضّرون وكلُّ منا يأتي إلى المظاهرة وهو يحمل معه كتابا للقراءة وليس مثل أولئك الهمج" (هكذا يقول الغربيون عن مظاهراتهم). ولكن يجب أن نعلم أن مظاهراتهم ليست خوفا على الديمقراطية كما نفهمها نحن الفلسطينيين، وكما يفهمها العالم المتحضر، بل خوفا على ديمقراطية "الأشكناز" الخاصة بهم. وبالعكس، يعتقد الشرقيون أن هؤلاء الأشكناز يخرجون في مظاهراتٍ دفاعا عن المحكمة العليا، لكي يبقوا من خلالها المسيطرين على الدولة، ويتمكّنوا من إلغاء قرارات حكومتهم. ولهذا، شهدنا وسوف نشهد، بداية من انتخابات 01.11.2022، انقساما أكثر صراحة ووضوحا، ظاهره سياسي ولكنه يخفي تحته انقساما مجتمعيا بامتياز. وسوف تكون هذه الانتخابات من العلامات الفارقة في حياة "دولة إسرائيل"، مثل وعد بلفور وحرب حزيران. .. بقي أن يُضاف هنا إن هذا الانقسام لن يصل إلى حدود الحرب الأهلية وتفتّت الدولة والمؤسّسات كما يمنّي النفس بعض العرب، ولكنه بالتأكيد سيترك آثارا عميقة عليها ويسرّع في تحلّلها وصولا إلى زوالها.