الشعراوي فلاح ... ماذا عن السيسي؟
لا يخلو من وجاهة اتّهام بعض آراء الشيخ متولي الشعراوي بالريفيّة، لكنه، في مصر والآن، يخلو من الشرف، شرف المهنة والموقف، خصوصاً إذا تعلقا بمن يزعم، طوال الوقت، بأنّه مثقف "تنويري". يلعب "الخبر" دور المكوّن الرئيس في معالجات "الصحافي"، البحث عنه، والبحث فيه، ثم توصيله، بلغةٍ يفهمها "جمهور" القرّاء (أو المشاهدين). وحين يكون الخبر عن جريمة ترييف السياسة، وتحوّل عساكر السلطة إلى عشائر قروية، تحتكر المناصب القيادية، والهيئات الاقتصادية، وتديرهما وفق مصالح العشيرة لا الدولة "المدنية" ومواطنيها، ثم يكون "خبر" المثقف التنويري عن ريفيّة الشعراوي فنحن أمام مزوّر (ولو صحّ الخبر).
ينزعج المثقف التنويري من استخدام الشعراوي مفردة "مصرف" بمعناها اللغوي (وليس الدلالي)، في الإشارة إلى الوظيفة الجنسية للمرأة، لكنّه لا يتورّع عن تحويل الشعراوي أو غيره إلى "مصرف" لاحتواء الغضب الشعبي من انحطاط أحوال البلاد جرّاء سياساتٍ أكثر ريفية ورجعية من آراء الدواعش. هنا يتحوّل المثقف التنويري، وهو في كامل قواه المهنية، إلى مصرف شهوات ذكر القرية، وغفره، الفارق أن العلاقة في خطاب الشعراوي "شرعية".
يُعَرّف النقد، لغةً، بأنه تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، ولا يبتعد اصطلاحاً عن ذلك، سواء في الأدب أو الفكر، فهو الإشارة، وفق منهج، إلى الحقيقي والزائف في النصّ نفسه والآن نفسه، لكنه عند المثقف التنويري "حكم قيمة" أمني، جاهز، لا يحتاج إلى منهج أو أدلّة، بل إلى رسالة من جهاز سامسونغ، يختزل المثقف التنويري دراهم "الأغيار" في زائفها، ولا يبقى حقيقياً سوى دراهم الحاكم (ولو أتلفها التعويم).
يمتعض المثقف التنويري من جلسة الشعراوي بجلبابه، وسط فلاحين مثله، يُرسل خواطره، عن الكتاب العزيز، بلغة فلاحية، لكنه يتناسى (أو يعوّل على نسيان جمهوره) أنه جلس بالجلباب نفسه أمام شاشات الفضائيات يعرض كتبا ألّفها إسلاميون حركيون، وفتح جريدته لتنظيمٍ إسلامي، أكثر محافظةً ورجعيةً من الشعراوي ومؤسّسته، واستكتب رموزه، ومدح مرشده، وتحالف معه، طلبا لمزيدٍ من التوزيع، في وقت سمح فيه الفلاح حسني مبارك بهذا الهامش، ثم هو اليوم ينقلب على ذلك كله لأنّ الفلاح الجديد "زعلُه وِحش وإيدُه طرشة".
يصف المثقف التنويري شعبيّة الشعراوي بأنّها خاطئة، ولا يُخبرنا ما معنى "خاطئة"؟، خطأ الجمهور، الذي سمح لنفسه أن يسمع الشعراوي، ويفهمه، أم خطأ الدولة التي حملت الشعراوي على أجنحة الذيوع "الحصرية"، ومنحته شاشاتها ومجلاتها وجرائدها؟ يتوقف الإسهام النقدي التنويري عند حكم "خاطئة"، ثم يتجاوز إلى "وصم" من يبرّرون أخطاء الشعراوي الفقهية، ويروْنه وسطياً. لا يفتقر المثقف التنويري، هنا، إلى أدوات الناقد فحسب، بل إلى اللياقة، والشعور الفطري بالخجل، وهو ثاني أشطر من برّر ومرّر وكرّر عبارات فلاحية وفاشية ونازية في خطابات عبد الفتاح السيسي، (الأول عمرو أديب طبعاً) وأبرزها عبارة "اسمعوا كلامي أنا بس" التي برّرها المثقف التنويري ببهلوانيةٍ يُحسد عليها، بل إنه صاحب سبق أول "تبرير" للصمت، حين برّر عجز السيسي عن إجابة سؤال، في أول لقاء تلفزيوني بينهما، وأفاض في تأويل دلالات الصمت الرئاسي العميق.
ما يحدُث هو تريند إلهاء واحتواء وتشتيت واضح، لا لبس فيه، من منّة شلبي (مبروك الحكم سنة مع إيقاف التنفيذ) إلى أحمد خالد توفيق ثم الشيخ الشعراوي. لا يحتاج الأمر إلى تفكير تآمري لكشفه، فالمؤامرة تدبيرٌ سرّي، فيما نحن أمام فضيحة. وما يهمّنا ليس تصديق بعض المصريين للنسخة الحكومية من المثقف التنويري أو تكذيبه. ما يعنينا، في ما أزعم، هو تحرير مفاهيم جرى اختطافها قسرياً، وتشويه سمعتها أمام ملايين المتابعين، مهنة الصحافة، وحقّ الناقد، ودور المثقف، وماهية التنوير، ليست الصحافة بيت دعارة أو "جعارة"، وليس النقد ممارسة راديكالية أو اختزالية أو تشبيحية أو مهرجان "تعوّرني هعورك وأبوّظ لك منظرك"، وليس المثقف محلّل زيجة باطلة أو "تيس مستعار"، وليس التنوير واجهةً لتبرير سياسات فاشلة، وأنظمة فلاحية شعبوية، ورئيس مهووس ومتخلف عقلياً. ثم أما بعد.