"السلطة عامل تهرئة"

30 أكتوبر 2014
+ الخط -

قبل عامين، كانت حركة النهضة ترأس الحكومة التونسية، وتتولى فيها 16 حقيبة. في تلك الغضون، سئل أمين عام الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، في مقابلة صحافية، عن تراجعٍ في شعبية "النهضة"، وهي في السلطة. أجاب وأصاب: "السلطة عامل تهرئة، وهناك فرق بين من يبشر بالمُثُل، ومن يمارسها". وقبل عام من قوله هذا، بُعيد فوز حركته بالمرتبة الأولى في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، في أكتوبر/ تشرين أول 2011، صرح الغنوشي وأصاب: "التونسيون الذين محضوا النهضة ثقتهم سيراقبون أداءها في الحكومة، وبناءً عليه ستكون حساباتهم التصويتية في الانتخابات التشريعية المقبلة". والتعقيب أن المعارضة ميسورة والحكم صعب، لأن المسؤولية هنا كبيرة، فيما هناك قد يجوز بشأنها قول شائع إن الحكي ليس عليه جمرك. وهذا رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، وهو زعيم حزب العدالة والتنمية، الإسلاميّ السمت أيضاً، قال، في فبراير/ شباط الماضي، إنه اكتشف أن إنجاز الإصلاح ليس بالسهولة التي كان يتصورها، قبل أن يصل حزبه إلى السلطة في العام 2011.
يفيد تذكّر البديهية المنسية، عن عسر الحكم والإدارة وتدبير الشأن العام، ويسر المعارضة والنقد والانتقاد والتأشير إلى مواطن الخلل والخطأ، في تفسير نكوص حركة النهضة التونسية من المرتبة الأولى إلى الثانية، في نتائج انتخابات البرلمان الجديد، ولا سيما أن زعيم الحركة نفسه كان حاذقاً، وفي وقت مبكر، في اختباره هذه البديهية، واشتباكه معها عملياً. لا مجازفة في الزعم، هنا، إن لهذا التفسير قيمته الجوهرية في قراءة هذا التراجع، وإنْ لم يكن كافياً بالمطلق، وإنْ لم يكن كافياً، أيضاً، لماذا صعد حزب نداء تونس دون غيره إلى المرتبة الأولى. وإذا ما ساجل بعضنا بأن نجاحات "العدالة والتنمية" في تركيا، بزعامة رجب طيب أردوغان، في احتلال المراتب الأولى في كل المواسم الانتخابية التي توالت، أخيراً، هناك، يكون الرد إن تركيا ليست تونس ولا مصر ولا اليمن ولا أي بلد عربي. وإذا مضى السجال إلى القول إن تراجع حزب بنكيران في المغرب وارد في الانتخابات التشريعية المقبلة، من دون أن يخسر مرتبته الأولى، فالرد يكون أنها ما زالت في مطرحها وجاهة الحديث في السنوات الخمس الماضية عن "الاستثناء المغربي" عربياً.
وعجيبة روح التشفي التي غمرت حزمةً من اليساريين العرب بحركة النهضة، وطريفة لغتها الثأرية، فيما كان الأدعى أن ينصرف هؤلاء إلى فداحة الخسران المريعة لقوى اليسار الاجتماعي في تونس في انتخابات الأحد الماضي، وينشغلوا بدرسه، لأن مؤشراته غير مطمئنة، ليس فقط على صعيد ثبات الاستقطاب بين إسلاميين وتمثيلات النظام السابق، البورقيبي متسقاً مع بعض حيتان المال السياسي، بل أيضاً على صعيد انحسار التواصل بين المجتمع وتلك القوى التي نشتهي أن تكون على سوية التنافس الانتخابي، لتنال موقعاً لائقاً في اللعبة الديمقراطية. وكنا سنكون في بهجة أخرى، لو حصدت هذه القوى المتذررة، المقاعد التي خسرتها "النهضة". وما يضاعف من رداءة ذلك التشفي البائس ذهاب أصحابه إلى الحالة المصرية، بزعم أن ما أصاب الحركة الإسلامية في تونس دليل على صواب إزاحة "الإخوان" عن السلطة في القاهرة، وإنْ بالكيفية المعلومة التفاصيل.
لا مدعاة للتسلي بنقاشٍ من هذا المستوى، فالأوْلى، بعد تهنئة التونسيين على مضيهم الواعد في التمرين الديمقراطي الذي يخوضونه، أن يُحتكم إلى آلياتٍ نحتاج، نحن العرب، أن نعتاد عليها، ونألفها. ولأننا لم نحظ بها بعد، في غير بلد، فإن الذي يصير قدّامنا، في مصر مثلاً، يصبح نتيجةً واضحة. ويحسن، في هذا المقام، أن نتملّى في التجربة التونسية، لأن الدروس الناجمة منها تضيء كثيراً، ومنها ما قاله الغنوشي، قبل عامين، عن أن السلطة عامل تهرئة.

 
   

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.