"الحور العين" في القديح

27 مايو 2015

صالح القشعمي.. أراد "الحور العين" في تفجير المسجد

+ الخط -
أراد الشاب السعودي، صالح بن عبد الرحمن القشعمي، أن يغادر الحياة إلى "الحور العين" في الجنة، فقتل نفسه في تفجير انتحاري وسط مصلّين من مواطنيه، في أثناء صلاتهم الجمعة في مسجد علي بن أبي طالب في بلدة القديح (محافظة الطائف). قضى في الجريمة الشنيعة 21 سعودياً، لكن القتلة لم يروهم كذلك، بل شيعةً فحسب، ولأنهم كذلك، فإن قتلهم جائز، ويأخذ فاعله إلى الجنة، ولو في لحظة خشوع هؤلاء الأبرياء وتبتلهم للرحمن الرحيم.
تُرى، أي قوةٍ أمنيةٍ في العالم في وسعها أن تمنع "تكفيرياً ضالاً"، بحسب التسمية السعودية الرسمية الصحيحة، من أن يقتل نفسه بين جمعٍ من البشر؟ أيُّ أرطالٍ من سعة الخيال يلزم أن تتوفر لرجل الأمن، حتى يشتبه في شاب يدخل، مزنراً بالمتفجرات، مسجداً في صلاة الجمعة؟ ولكن، هذا ديدن هؤلاء في طورهم الداعشي الراهن الذي قطع أشواطاً في قتل مسلمين في مساجدهم، وفي حشودهم في صلاة الجمعة، فقد اقترفوا جرائم من هذا الطراز المجنون في اليمن، أخيراً، وفي باكستان. وصار في الوسع أن يُقال إن ناس "القاعدة" معتدلون، وكانوا كلاسيكيين لمّا كانوا يستهدفون "الصليبيين" في مجمعاتٍ سكنية في الرياض وغيرها، في وقائع غير قليلة، استوحى من إحداها المخرج، نجدة أنزور، إنجاز مسلسل تلفزيوني، قبل عشرة أعوام، وسمّاه "الحور العين"، وكان مملاً على ما لم ننسَ بعد. 

أنْ نُشهر خوفنا من هؤلاء، وأن نهيب بسلطات الأمن في المملكة العربية السعودية، وفي شقيقاتها دول الخليج، وكذا في كل دولة عربية، بأن تضاعف من يقظتها، حمى الله رجالها وعساكرها، فذلك وجيهٌ وشديد الوجوب. وفي الوقت نفسه، ثمّة المسؤولية الأعظم على مشايخ الأمة وعلمائها، من أهل السنة تحديداً، إذ بزعم سنيّتهم، يرتكب أولئك المأفونون مهرجان القتل الأعمى الذي يستهدف إخوتنا في المواطنة. بل ويجاهرون بتكفير رجال الأمن في السعودية، المطالَبين، بحسب تخريفهم، بمبايعة زعيم "داعش". وهذا المخطط الذي أعلنت الرياض كشفه، عن تقسيم المملكة إلى خمسة قطاعات ميدانية، يتولى أمر جرائم التفجير والاغتيال فيها أمير، يعني، بلا لعثمة أو تأتأة، أن الخطر كثير، وأن مواسم التحالفات الأميركية، وكذا العربية في اليمن، أيضا، لا تجدي في معالجة هذا السرطان العنيف، والذي صار يعصى على المعاينة في مطرحٍ محدد، حتى يُباغتك في مطارح أخرى، فيصل إلى شواطئ ليبيا، وهو الذي يقترب من بغداد، بدأبٍ وهمّة ملحوظتين، وفي البال أن أحد الذين قبضت عليهم الأجهزة السعودية، أخيراً، بعد جريمة القديح، كان موقوفاً في نهر البارد في لبنان، ولم تجدِ معه "المناصحة" التي خضع لها، فقد كان الذي آوى انتحاري القديح، صالح القشعمي.
مؤكد أنه لا مستقبل في العالم العربي لظلاميّة هؤلاء، وأن داعش، مهما طال زمنه، سيؤول إلى فناء، غير أن الاطمئنان إلى هذه البديهية التي تستند إلى حقائق الأشياء لا يجوز أن يسوّغ استهانةً بكارثةٍ يحدثها هؤلاء الخارجون على ملة الإسلام، والضالون عن سماحته. ومؤكد أن الجحيم السوري، وقبله ومعه الحريق العراقي، وفي غضونهما كل هذه الشناعات البائسة في الشائع من فهمٍ للإسلام غريبٍ وهجين، مفاعيل ساعدت على تغذية فتية داعش وشبّانها بخليط من العبث، يطبخه الجولاني والبغدادي والظواهري، يستقبله غلاة في تسطيحهم مسألة الإسلام السياسي، بعدم التفريق بين الإخوان المسلمين وهؤلاء، وبين "العدالة والتنمية" في المغرب وتركيا وهؤلاء، فيبيحون كل انتهاك لحقوق البشر إن كانوا محض بشر متدينين، أو إخوانيين، فلا يعني شيئاً تعذيب هؤلاء في السجون، وكذا قتلهم، إن تيسرت الذرائع، وما أكثرها.
.. نتذكّر أن حديثاً عن "الحور العين" في الجنة صودف في أوراق بعض شبان "11 سبتمبر". القصة، إذن، أخطر مما نظن.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.