19 نوفمبر 2024
"الجزائر ليست مصر"
كان غريباً من أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قوله، الأسبوع الماضي، إن "الجزائر ليست مصر"، في معرض نفيِه توجهاً إلى أن يرث السعيد بوتفليقة، من شقيقه الرئيس، الحكم في البلاد، إذ لم يجر توريثٌ للسلطة في مصر من شقيقٍ إلى شقيق، ولا من حسني مبارك إلى نجلٍ له كان (موعوداً؟) بالمنصب العتيد، وطامعاً فيه، فالمعلوم أن ثورة 25 يناير قضت على القصة كلها. وإذا جاز الحديث عن توريثٍ صار هناك، فإنه من الجنرال حسني مبارك إلى الجنرال عبد الفتاح السيسي، وإنْ بفاصلٍ زمني قصير، وإنْ بانتخاباتٍ رئاسيةٍ، أضيف فيها يومٌ ثالث للتصويت. وكان الأصح من أويحيى، وهو سياسي محنك وقوي في دواليب السلطة في بلاده، أن يقول إن الجزائر ليست سورية، فالتوريث جرى هناك. وليس واضحاً ما إذا كان الرجل آثر عدم الإحالة إلى هذا البلد العربي الخربان، من قبيل إبعاد التطيّر عن الجزائريين، أم إنه، في مطرحٍ ما في عقله، لم يستحسن الغمز من قناة نظام بشار الأسد، المعزول عربياً وعالمياً، إلا من الجزائر التي تحافظ قيادتها السياسية، وأجهزتها الدبلوماسية، بعلاقات تواصل (طيبة؟) معه.
قال أويحيى، وهو الأمين العام لحزب التجمع الوطني، حزب السلطة الثاني، إن الرئيس بوتفليقة لن يحوّل الجزائر ملكيّة، وإن مستشاره وشقيقه الأصغر النقابي السابق، السعيد بوتفليقة، ليس لديه طموح الرئاسة. والأهم من هذا الكلام أن صاحبه يخوض في المسألة التي تتداولها الطبقة السياسية في البلاد، في أحزاب الموالاة والمعارضة، عن انتخابات رئاسية مبكرة محتملة، وعن مرحلة ما بعد بوتفليقة، فقال إن الرئيس سيكمل ولايته حتى نهايتها في 2019. وليس سراً أن حديثا يدور بين جزائريين عديدين أن أويحيى يهجس بأن يكون فرس الرهان الأخير، عندما يجد الجدّ ويصبح الموضوع قيد الطبخ، ويشيع أن أويحيى رجل المرحلة المقبلة، وأنه "رجل العسكر" الآن. وفي البال أنه، ما إن أبدى رغبةً طفيفةً بمنافسة بوتفليقة في انتخابات إبريل/نيسان 2014، حتى أُبعد عن رئاسة الحكومة، وهو الذي ظل يناور، حضوراً في المشهد العام وغيابا عنه، منذ بدأ نجمه صعوداً في غضون رئاسة اليامين زروال، في العام 1995، وها هو في مؤتمره الصحافي، الخميس الماضي، يُثني على دور المخابرات الجزائرية، حتى "تبقى البلاد صامدة".
نعم ليست الجزائر مصر، من حيث الإمكانات والقدرات والثروات، غير أن المشتركات بين البلدين وفيرة، منها أن أشواق شعبيهما ظاهرةٌ وملحة في التغلب على صعوبات الحياة، من حيث توفير فرص عمل أوسع، وتحسين مستوى العيش، والنهوض العام على غير صعيد، في الفلاحة والصناعة، والجزائر دولة نفطية، ومداخيلها من الغاز وغيره ليست قليلة. وقد استعادت، بهمّة واقتدار أمني وسياسي، الأمان والمصالحة الوطنية العامة، في زمن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإنْ تبقى الأجهزة المختصة يقظةً دائما، حيث التهديدات الإرهابية ماثلة. وفي الوسع أن يزعم المراقب للمشهدين في مصر والجزائر أن الاهتراء السياسي في البلدين غير خافٍ، بعد نجاح الثورة المضادة في مصر، وتمكّن أجهزة دولة مبارك العميقة من استعادة السلطة، وضرب التمرين الديمقراطي بعد ثورة يناير. ومن مظاهر هذا الاهتراء في الجزائر قلة الاكتراث العريضة، بين قطاعات شاسعة من الجزائريين، بالسياسة وأحزابها وقواها وخرائطها، الأمر الذي يتبيّن في الازورار الواسع لدى الجمهور العام في مواسم الانتخابات عن الاقتراع والتصويت.
لا نشتهي للجزائر أن تكون كما مصر الراهنة، بل نتمنى لشعبها وجيشها ونخبها إيقاعا آخر من الحيوية السياسية والاجتماعية، يبتعد عن التأزم والوثنيّة والتفاهة والإعلام الأحمق، وكذا ابتذال القضاء وامتهان العدالة، والاستخفاف بكرامات البشر في السجون وخارجها. ونشتهي للجزائر ألا تذهب إلى أي توريث لولاية البلاد والعباد، من أي صنف ونوع.