البغدادي يهزم عادل إمام

11 يوليو 2014

عادل إمام وحسنين هيكل في جنازة لطفي الخولي (فبراير/1999/أ.ف.ب)

+ الخط -
أصاب دريد لحام في قوله، مرة، إن غالبية السياسيين العرب أكثر إضحاكاً من فناني الكوميديا العرب. وأظنه عادل إمام، أصاب هو الآخر، في قوله، مرةً، إن مسؤولين عرباً يتحدون قدراته على الإضحاك. ولمّا كان الضحك ضرورةً نفسية وعضوية للبشر، ويحتاج الفرد إلى خمس عشرة دقيقة منه، على الأقل يومياً، لإفادة الأوعية الدموية، بحسب دراسة لجامعة أميركية، فإننا عبثاً نحاول أن نضحك في الشهر الفضيل الذي نحن فيه، فلا نفلح. ليس فقط لأن الافتراس الإسرائيلي لفلسطينيي قطاع غزة يبعث على التفجع، ويوجب علينا الحياءَ إذا ما مسّتنا نوبة ابتهاج، بل أيضاً، لأن مسلسلاتٍ تلفزيونيةً تزعم أنها تنتسب إلى الكوميديا لا تيسّر نزراً عابراً من الضحك، نتسلح به في غضون الكآبة الباهظة قدّامنا، إنْ في جائحة غزة أو في نوازل أخرى. وهذا عادل إمام لقرفٍ من السياسة، يخصص مسلسله "صاحب السعادة" للكوميديا، على ما قال، يفشل، بجدارة، في إضحاكنا فيه.

ولأن معمر القذافي قذفه شعبه إلى المشهد إياه قتيلاً، فغابت إطلالاته التي لما نتذكّرها نراها تبزُّ في إضحاكها بلاهات عادل إمام في خريفه الراهن. ولأن جلال طالباني يمكث منذ شهور في مستشفى ألماني. ولأن عبد الله النسور لم يضف جديداً لافتاً بعد قوله إنه رفع منسوب الضحك لدى الأردنيين، من فرط ما أشبعوه نكاتاً بسبب حرفته في رفع الأسعار. ولأن وليد جنبلاط ونبيه بري يكادان يصيران منسيّين، بعد إهمال الفضائيات العربية "استحقاقات الأفرقاء" اللبنانيين. ولأن فتحي سرور وصفوت الشريف في زمهريرٍ راهنٍ يذكّر بمحنة المعتمد بن عبّاد، لما حجر عليه يوسف بن تاشفين.... لأن هؤلاء، وغيرهم طبعاً، على هذا الضرب وذاك، فإن قولة دريد لحام تلك تفتقد من يدلُّ على وجاهتها في الآونة هذه. ويزيد حالنا بياتاً أن بؤس عادل إمام في عمله التلفزيوني الجديد محزن.

بينما حالنا هو هذا، وقبل أن تأخذنا غزّة إلى سويداءَ ثقيلة الوطأة، وقبل أن تجترح لنا البرازيل في خيبتها المهولة أمام ألمانيا أسباباً لنكاتٍ طفيفةٍ وعابرة، في "فيسبوك" خصوصاً، كنا، ربما، سنكترث بها لو أنها لم تتزامن مع اضطراد أعداد الشهداء في غزة، في ليلة دامية قاسية. قبل هذا كله، حدث أن رجلاً اسمه إبراهيم عواد السامرائي، أو أبو بكر البغدادي، باغتنا بفيلم من بضع دقائق، يتوفر على كل أسباب التسلية والجاذبية والإثارة، وربما الإمتاع والمؤانسة أيضاً. ... ابتلي بأمانةٍ ثقيلة، هي بيعته خليفةً علينا، وما علينا سوى أنْ نطيعه، وأنْ نعينه على حكمه لنا. من مسجدٍ في الموصل، ظهر "الخليفة" بلحيةٍ رمادية، يلبس كما العباسيين في مسلسلات عبد المجيد مجذوب في السبعينيات، بالأبيض والأسود. وإذ قرأنا أن دولة الخلافة التي يحكمها صاحبنا هذا عيّنت أردنياً أميراً على لبنان، فذلك أمدّنا بشحنة معقولةٍ من الطرافة، زادتها حيرتنا بشأن الساعة في معصم خليفتنا، "رولكس" أم "أوميغا".

المشهد مقطعٌ من مسلسل حاشد بالتفاصيل، بدءاً من قطع رؤوس في غير مطرح في سورية، مروراً بدحر جيش العراق في الموصل، انتهاءً بزوبعة أسئلةٍ ملغزةٍ لم تنته بعد، عن أي مخابرات وجهات ودول زوّدت التنظيم الشبحي الذي يتولاه البغدادي بسيارات الدفع الرباعي والسلاح الوفير والمال العميم، وعن أيِّ كيفياتٍ يبيع بها هؤلاء نفطا سورياً، وكيف يقبضون أثمانه. ويصدق على أسئلتنا هذه المثل الليبي العامي "تيجي تفهم تدوخ". ولأن إجهاد الذهن بمحاولة الوقوع على إجاباتٍ توضح هذا الأمر وذاك، إنْ بشأن البغدادي ويسر دخوله مسجداً في الموصل وخروجه منه، آمنا مطمئناً، وإنْ بشأن كل هذا الجنون العبثي الذي صار يسم مشرقنا العربي الزاهر، لا سيما في قلبه العراقي والشامي.

لم ينجح عادل إمام. تحدّاه أبو بكر البغدادي في العشر الأوائل من رمضان الجاري، فهزمه. أضحكنا هذا الرجل، وسدَّ فراغاً شاسعاً تسبب به غياب المضحكين العرب إياهم من أهل السياسة والسلطة في غير بلد عربي. أضحكنا، وأشعل تنكيتاً وفيراً، حتى أوقف انشغالنا بمهزلته بنيامين نتانياهو، سمّم الله بدن المذكور، في استئناف جيش العدو الإسرائيلي محدلة التقتيل والتمويت في غزة، حماها الله وعافانا.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.