استضعفوك فوصفوك
شهد تاريخ البشرية حركات عنصرية كثيرة تشكّلت بداية على شكل إيديولوجيات تفوّق عنصر بشري ما على عنصر بشري آخر أو على العناصر البشرية الأخرى، ثم ما لبثت هذه الحركات أن توسّعت، واتخذت أشكالاً أخرى، منها الدينية والقومية والعرقية، وانطلاقاً من الجنس أو لون البشرة أو حتى الحالة الاجتماعية الطبقية. معظم هذه الحركات، وإن ارتدت هذه الأثواب المختلفة، تشكّلت، في نهاية المطاف، من أجل تمكين فئة سياسية معينة من الوصول إلى السلطة، مستغلة ظرفاً أو مزاجاً سائداً على أرض الواقع، تستغله هذه الفئة أو الحزب، لكي تجمع حولها جماهير تشكّل لها دعماً كبيراً في الحياة السياسية، وخصوصاً في الأنشطة الانتخابية في الدول التي تسودها حياة ديمقراطية، لا تسمح بوصول الأحزاب إلى السلطة إلا عبر صناديق الانتخاب. ولذلك حين تسود ظاهرة العداء للغرباء تلمّ هذه الإيديولوجيات الناس حولها لتشكل كتلاً ضاغطة انتخابياً، وتوصلها إلى البرلمان على الأقل، وإلى قمة هرم السلطة حدّاً أقصى، وتبلغ مداها عندما تكتسب هذه الإيديولوجيات نزعة توسعية، تسعى عبرها إلى الاستيلاء على ثروات الغير وأراضيه، كما رأينا في حالة هتلر عملياً، وفي حالة أحزاب قومية كثيرة أخرى، تشنّ في أدبياتها حرب خرائط، تجعل المساحة التي يفترض أن تعود لهذا العرق أو هذه الأمة تفوق بكثير الأراضي التي تعود إليها فعلياً. وغالباً ما تحتوي هذه الأراضي على ثروات باطنية، تدرّ أرباحاً كبيرة أو غنية بالمياه والزراعات .. إلخ. هذه الأحزاب أو الحركات الأيديولوجية لا تكتفي بممارسة العنصرية، بل تعمل على التوسّع في المجتمع، عبر ممارسة مختلف أنواع الدعاية والتحريض والشحن العنصري ضد الجمهور المستضعف المستهدف. وينعكس هذا التحريض والشحن مباشرة على الشارع، حيث يبدأ الفرد الغريب بالتعرّض للتحرّش العنصري أو الاضطهاد الذي قد يصل، في أحيان كثيرة، إلى وضع حياة الأجنبي في هذا البلد أو ذاك في خطر، وإذا نجت حياته من هذا الخطر تعرّضت أملاكه وأرزاقه للأذى أو المصادرة.
تأخذ الظاهرة العنصرية، في أحيان كثيرة، شكلاً قطيعياً غرائزياً، يظهر على المستوى الشعبي، أي ليس له سند أيديولوجي، وإن كانت الحركات العنصرية سرعان ما تستغله لصالحها، وهذا ما لاحظناه ونلاحظه بشكل واضح وجلي في التعامل مع اللاجئ السوري الذي يمكن أن نطلق عليه "عزيز قوم ذلّ" أو "الأيتام على موائد اللئام"، إذ تعرّض هذا اللاجئ للتمييز العنصري في معظم، إن لم نقل كل، دول الجوار التي لجأ إليها، وإن كانت الحكومات تمارس التسوّل الدولي على هؤلاء اللاجئين للحصول على مساعدات دولية، تستغلها هذه الحكومات عملياً لمصلحتها في غالب الأحيان.
من ناحية أخرى، نرى فئة غير قليلة من الشعوب تنسب كل أسباب فشلها إلى وجود هؤلاء اللاجئين، فهي تعاني البطالة، لأن اللاجئ أخذ مكان ابن البلد في أماكن العمل. وأسعار البيوت ارتفعت لأن اللاجئين أقبلوا عليها، وأن الاقتصاد تدمر بسببهم، وإلى ما هنالك من حجج هي في الحقيقة كانت موجودة قبل هذا اللاجئ، لا بل إن بعضهم جعل سبب تدنّي مستوى الفن في البلد اللاجئين الذين تعرّضوا للاعتداء على أرواحهم وممتلكاتهم من قطعان عنصرية هائجة. وفي بعض أماكن اللجوء تعرّضوا ويتعرّضون لابتزاز اجتماعي، مثل إجبارهم على تزويج القاصرات، وغيره من ظواهر. وترافق هذا الاضطهاد القطيعي مع حملات إذلال وتعالٍ عبر تحويل اللاجئ إلى رمز للتخلف والانحطاط، وأصبح يتم التركيز على الجرائم التي يكون أبطالها لاجئين، بينما يتم التعامل بشكل عابر مع غيرها ممن قام بها أبناء البلد. وفي مقابل ذلك، يخضع اللاجئ للابتزاز الرسمي، عبر سيف الترحيل المشهر فوق عنقه ليل نهار، علماً أن لدى المواطن السوري تجربة غنية في استقبال اللاجئين من دول الجوار الذين لم يُعاملوا من السوريين قط كلاجئين، بل اندمجوا في المجتمع السوري، وأثمرت موجات اللجوء تلك عن زيجاتٍ متبادلةٍ كثيرة، بعكس معسكرات الاعتقال التي أجبر المواطن السوري على الإقامة فيها مصارعاً حر الصيف وبرد الشتاء.