إن اللبيب من الإشارة يفهم
- لا تنصرف، أحتاجك في أمر مهم .. قال أبو حمود في نهاية السهرة مخاطبا صافي، وانتظر حتى انصرف الجميع ثم تلفّت حوله، وقال:
- للحيطان آذان، فلنخرج إلى الطريق.
لبس صافي شحّاطة بلاستيك كانت في العتبة، وخرج في أثر أبي حمود، وقد اعترته حالة من الفضول لمعرفة الشيء الذي لا يريد أبو حمود للحيطان أن تسمعه.
في الشارع، تأبط أبو حمود ذراع صافي، وسارا حوالي عشرة أمتار من دون أن ينطق أبو حمود بحرف، ثم توقف، ونظر إلى صافي، وقال له بنبرة في قمة الجدّية:
- سمعت إنك ستؤدّي خدمتك الإلزامية في الشرطة العسكرية.
- نعم، صحيح. .. قال صافي.
ولكنه لم ير في ما قاله أبو حمود ما يشكل مادة دسمة لآذان الحيطان، عدا عن أن الخدمة في الشرطة العسكرية لم تكن بذلك الأمر الذي يبعث على السرور. ثم تابعا السير وتابع أبو حمود حديثه من دون أن يلتفت إلى صافي:
- أنت شبّ آدمي وأهلك أوادم .. بيتكم بيت الشهامة والنخوة..
وأطنب أبو حمود في المديح إلى درجةٍ جعلت صافي الذي بدأ يشعر بالنعاس، يتساءل:
- ألأجل هذا أخرجتني من المنزل، يا عم أبو حمود؟
- لا.
قال أبو حمود باختصار، وتابع:
- ابن نصار .. وجيه.
- ما به؟
- تخّ في السجون .. يكفيه .. اثنا عشر عاما.
- معك حق.
قال صافي، ولم يتمكّن من استشفاف مناسبة الحديث عن وجيه نصار الذي اقتاده الأمن عندما كان عمر صافي أقل من ثماني سنوات بقليل، بينما تابع أبو حمود:
- غلط الرجل خيو.. لكن جلّ من لا يخطئ، يا أخي.. قال كلمتين بحقّ الحكومة.. والحكومة من حقّها تعاقبه لأنه قال هاتين الكلمتين .. لكي يتربّى هو وغيره ولا يجيبوا سيرة الحكومة بالعاطل كل عمرهن. فلتنتف له الحكومة شاربيه يا أخي .. فلترفعه فلقة وتجمع أهل البلد يبزقوا بوجهه في الساحة.. فلتحبسه .. لكن يا أخي مش اتنعشر سنة.. فليحبسوه سنتين على كل كلمة يا أخي.. ثلاث سنوات.. يكفي.. لو على كل حرف سنة فان اتنعشر سنة تكفيه.. يا أخي هذا إنسان.. متى سيتزوج وينجب .. أم أن الحكومة تريده أن يبقى بلا ذرّية؟
- معك حق.
كرّر صافي باقتضاب، محاولا عدم التورّط بكلام أكثر في موضوع وجيه نصار الذي يدرك خطورته، ويلعن في داخله أبا حمود الذي فتحه، وتمنّى أن يكون أبو حمود قد انتهى، ولكن أبا حمود انطلق متابعا:
- ابن صلاح الدين قتل قتيل .. انحبس وطلع .. ابن هلال سرق خزينة الدولة انحبس سنة وطلع بالعفو .. اعتبرو وجيه نصار قاتل قتيل أو سارق خزينة الدولة خيو.. آن له أن يخرج.
وهنا قرّر صافي أن يضع حدّا لهذا الحديث الذي أخذ يكبر ككرة الثلج، وسأل أبا حمود:
- ولماذا تقول هذا الكلام لي؟
- لأني أحبك ولا أريد لأحد أن يتحدّث عنك بالعاطل.
- وما علاقتي أنا لكي يتحدّث عني الناس بالعاطل؟
- غدا يقولون هه .. عندما صار .. تخلّى عن أهله وجيرانه.
- وما هو المطلوب مني، لكي لا يتحدّث الناس عني بالعاطل، يا عم أبو حمود.
- إن اللبيب من الإشارة يفهم - قال أبو حمود كلمته وتابع - حطّ إيدك بالموضوع لعلهم يفكّون أسر الولد.. بدنا نشربك إياها بالمعلقة يعني؟!
وهكذا ذكر أبو حمود طرق إذلال وتعذيب كثيرة حلا لمشكلة عادل، السجين السياسي العتيق، ولم يطلب محاكمته محاكمة عادلة، ولم يفترض أن عادل بريء، ويجب إطلاق سراحه فورا لشدّة مستوى الجور، اعتبر أبو حمود أن التعذيب من أشكال الخلاص، فهل سيصدّق أبو حمود وغيره من الناس قانونا يصدُر لمنع التعذيب، وما الذي سيقترحونه طريقا للخلاص بدلا من التعذيب؟