ابحث عن المثلية في نتفليكس
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
عليك أن تبحث في مسلسلات وأفلام عديدة تموّلها "نتفليكس" عن المشاهد المثلية، إلى الحد أن مشاهدين عديدين منعوا أبناءهم عن متابعتها إلا في حدود معينة، مثلما حدث مع المسلسل التاريخي التركي "أرطغرل" الذي حظي بمشاهدات واسعة. وقد سبق أن تابعت عدة مسلسلات كان مثليٌّ من بين شخوصها، ولكن المبالغة كانت مع المسلسل المكسيكي "تشابو" الذي يسرد حياة تاجر المخدرات المكسيكي، خواكين تشابو، الذي يقبع حاليا في سجن أميركي بعد حكم عليه بالمؤبد، حيث يصوّر، وبلقطات مفصلة، الممارسات المثلية لوزير الداخلية المكسيكي في المسلسل. ويبدو الأمر بذلك مقصودا من هذه المنصة، بغرض تنميط المثلية وإبرازها لازمة طبيعية في مختلف ما تنتجه "نتفليكس" وتموّله من أفلام ومسلسلات.
لا يندرج فيلم "أصحاب ولا أعز"، الذي أثار ضجة أخيرا، بالضرورة في هذا السياق، إذا اعتبرنا أن الممثلة منى زكي عُرفت بأدوارها المتنوّعة التي تلاقي قبولا جماهيريا وازنا. أو كما كتبت المصرية عبير طايل في مقال لها بموقع قناة العربية، مستنكرة الضجّة التي أثيرت بشأن لقطة عابرة في الفيلم، ومدافعة عن نجمته منى زكي، "ما يثير العجب أكثر وأكثر أن يطال الهجوم فنانة محترمة ووجها مشرّفا لمصر والفن العربي مثل الفنانة منى زكي، ويطال كذلك زوجها النجم المحبوب أحمد حلمي".
شاهدت الفيلم الذي تعرضه منصّة نتفليكس، ثم شعرت برغبة في إعادة مقطع النهاية، فكل ما كان يعرضه لنا مجرّد خدعة شائقة، حيث لا يوجد أمامنا سوى مشهد واحد تقريبا، وهو فضاء مغلق يتعلق بسهرة. لذلك تقرّب الكاميرا الوجوه ليكون الممثلون أمام تحدٍّ حقيقي في تركيز المشاعر والتنويع في نبرات الأصوات. باختصار، كان الحوار سيد الموقف في هذا الفيلم الذي أتقن المخرج وسام سميرة في إدارته، إلى درجة أن المشاهد لا يشعر بالملل كما يحدث في مشاهدتك الأفلام التي تعتمد على مشهد أحادي وتعتمد على الحوارات. يمكن الحديث كذلك عن تقنية زمنية جديدة في سياق كسر توقع المشاهد، مثل تقنية الحلم التي أصبحت معروفة ومتداولة، على الرغم من أهميتها وثراء زوايا النظر وتعدّدها. ولكن هذا الفيلم استخدم أسلوبا جديدا يمكن تسميته تقنية التكهن، حيث إن حبكة الفيلم التي لا تعلن عن نفسها إلا في النهاية تتكهن بـ"ماذا سيحدث لو" أن الأصدقاء بالفعل قد وافقوا على أن يجعلوا هواتفهم مفتوحة، وكل اتصال أو رسالة تكون على مسمع ومرأى من الجميع، وهو الأمر الذي فتح حقلا شاسعا من الأسرار المخبأة، والتي لا يمكن الإفصاح عنها بغير هذه الطريقة، وهنا قوة الفكرة في الفيلم.
أصدقاء يعرفون بعضهم منذ زمن طويل، وينفتحون عائليا في جلسة حميمية، وفي النهاية لا أحد يعرف عن الآخر شيئا. وكأن الفيلم إدانة لروح الحداثة الغربية التي يحاول العرب استنساخها شكليا. وكان الهاتف من أهم أبطال الفيلم، وكيفية تحكّمه في حياتنا، وكذلك تهديده الانسجام في هذه الحياة، نظرا إلى ما يخزّنه من أسرار وعلاقات خاصة، إلى درجة أن الحياة بدونه أصبحت مستحيلة. وثمّة كتاب ترجمه السيميائي المغربي، سعيد بنجراد، "الإنسان العاري.. الديكتاتورية الخفية الرقمية"، للفرنسيين ماريك دوجان وكريستوف لابي، عن تحكّم شركات وادي السلكون الأميركية في حياتنا الخاصة التي لم يعد فيها شيء خاص، في سياق زواج المال بالتكنولوجيا، حيث تسعى شركات الميديا إلى أن يظل الإنسان يقضي أكبر قدر من اليوم لكي يستطيع أن يستهلك ساعاتٍ أكثر لوسائل الاتصال، فقد استطاعت بذلك حتى أن تقلل ساعات نومنا لهذا الغرض.
وبالعودة إلى الفيلم الذي أثار انتقادات جماهيرية، تتعلق بمقاطع فيه اعتبرت جريئة، يجب معرفة أن أكثر ما يميزه هو أداء الشخصيات، ما يدلل على أن السينما العربية، تقنياً، في طريقها إلى أن تجاري تقنيات غربية متقدّمة، خصوصا على مستوى التشخيص، حيث إن منى زكي قدّمت دورا متقنا، يدلل على قدرات ممثلة موهوبة. ويجب أيضا التنويه بدور اللبنانية نادين لبكي، الذي لا يقل إتقانا.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية