أوكرانيا تنقذ صيغة النفط مقابل الأمن

25 مايو 2022
+ الخط -

تطاول الحرب الدائرة في أوكرانيا بتداعياتها جوانب أوسع نطاقا مما كان متوقعا، وخلاف التسبّب بأزمة غذاء وطاقة عالميتين، وإعادة هيكلة نظام الأمن الأوروبي، مع توجه السويد وفنلندا إلى التخلي عن حيادهما، والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، يبرز التأثير واضحا في منطقة الخليج العربية وعلاقاتها الإقليمية والدولية.

قبل حرب أوكرانيا، سرى اعتقاد واسع بين المحللين والخبراء أن صيغة "النفط مقابل الأمن" التي حكمت العلاقات الخليجية - الأميركية، وتحديدا العلاقات السعودية - الأميركية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قد وصلت إلى نهايتها، حيث كانت السعودية التزمت بتأمين إمدادات نفط رخيصة ومستمرّة للولايات المتحدة في مقابل ضمان هذه الأخيرة أمن السعودية. ومنذ العام 2013، تحولت الولايات المتحدة، بفضل تطوّر تقنية استخراج النفط والغاز الصخري، إلى أكبر منتج للطاقة الأحفورية في العالم، ما قلّص حاجتها إلى نفط منطقة الخليج، وأثر في التزامها الدفاع عن دولها، وفي مقدمها السعودية، ما لم يتّصل الأمر بمصالحها المباشرة. وكان أوضح تعبير عن هذا التحول في الرؤية الأميركية للمنطقة هو رد فعل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حيث أجاب عن سؤال للصحافة عما سيفعله للردّ على هجمات قامت بها جماعات قريبة لإيران ضد منشآت شركة أرامكو في بقيق وخريص في سبتمبر/ أيلول 2019، ما عطّل نصف إنتاج السعودية من النفط: "وماذا عساي أفعل، هذا هجوم على السعودية، وليس على الولايات المتحدة".

السعودية، وبقية دول الخليج، من جهتها، وبعد أن صار معظم إنتاجها من النفط والغاز يتجه شرقا نحو آسيا (حوالي 80%)، أخذت تسعى بدورها إلى توثيق علاقاتها بالصين، وقد تنامي هذا التوجّه مع تدهور علاقة واشنطن بكل من الرياض وأبوظي، بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى الحكم وإعلانه وقف دعمه حرب اليمن، وإعادة النظر في علاقة بلاده مع السعودية. وقد كشفت الصحافة الأميركية أن الولايات المتحدة تدخلت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لوقف بناء قاعدة عسكرية صينية في ميناء خليفة الإماراتي. وفي شهر إبريل/ نيسان الماضي، زار رئيس المخابرات الأميركية، وليم بيرنز، الرياض، لإقناعها بإلغاء صفقة صواريخ ضخمة مع الصين تحمل الاسم الرمزي، كروكودايل، أي التمساح. وجاء ذلك، بعد أن كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن بناء الصين منشأة لإنتاج الصواريخ البالستية شمال العاصمة السعودية، الرياض. وكانت السعودية والإمارات طورتا علاقاتهما أيضا مع روسيا، فأبرمت السعودية في شهر إبريل/ نيسان 2020، اتفاق أوبك+ مع موسكو لإنهاء حرب أسعار مدمّرة بينهما في ذروة انتشار وباء كورونا. وقد أعربت الرياض مرارا عن تمسّكها بهذا الاتفاق، رغم الضغوط الأميركية لإنهاء العمل به، في تعبيرٍ عن تدهور علاقاتها بالولايات المتحدة. وقد بدا بالفعل في يناير/ كانون الثاني الماضي أن التحالف التاريخي بين الرياض وواشنطن على وشك أن ينهار، لولا أن اندلعت حرب أوكرانيا.

وجدت واشنطن في أزمة أوكرانيا فرصةً لا تفوّت لإضعاف روسيا وإخراجها من لعبة القوى الكبرى، بما يفيد أيضًا في إضعاف الصين، خصمها الاستراتيجي الأكبر. لكن ذلك لا يتم من دون حرمان موسكو من عائدات الطاقة التي تبيعها لأوروبا، وهذا غير ممكن بدوره من دون تعاون دول الخليج العربية وزيادة إنتاجها بحيث تسد حاجة أوروبا من الطاقة، بما يسمح لهذه بالاستغناء عن روسيا. في المقابل، وجدت السعودية الفرصة سانحةً للضغط على واشنطن، ودفعها إلى العودة إلى صيغة "النفط مقابل الأمن"، وهو ما حصل بالفعل. إذ يتجه الرئيس الأميركي إلى طي صفحة الخلاف مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عبر اجتماع يجري الترتيب له على هامش قمة دول مجلس التعاون الشهر المقبل (يونيو/ حزيران)، بعد أن ظل بايدن يرفض الحديث مع ابن سلمان منذ استلامه الرئاسة بسبب قضية جمال خاشقجي وغيرها. لكن هذا التقارب الأميركي - السعودي يُرجّح أن يكون مرحليا، إذ لن تلبث واشنطن أن تدير ظهرها للسعودية ما أن تنجح في إضعاف روسيا، فالتقاء المصالح هنا يبدو ظرفيا أكثر من أي وقت مضى، في حين أن التفاوت في القيم والرؤى والمصالح بات كبيرا إلى درجةٍ يصعب معها تصوّر استعادة التحالف الاستراتيجي الذي نشأ بينهما خلال فترة الحرب الباردة، ما لم تصبح السعودية حاجةً أميركية في التنافس الأكبر مع الصين.