أحمد الشرع بين أطماع غربية وخشية عليه
لا يزال الحدث السوري يشد اهتمام العالم، رغم تعاقب الأيام على فرار بشّار الأسد، وسقوط دمشق في أيدي المعارضة. ونظراً إلى أهميتها وموقعها الاستراتيجي، تبدو سورية أشبه بالحمامة التي تحيط بها الثعابين، يحاول كل ثعبانٍ أن يفترسها وحده، فتصريحات المسؤولين الغربيين تعكس بوضوح رغبةً في الوصاية، وتدخّلاً صريحاً في الشؤون الداخلية لهذا البلد الجريح والمنهك، فهذا يدافع عن الأكراد، وآخر عن العلويين، وثالث يضع شروطاً على السلطة الجديدة مقابل الاعتراف بها. عادت بقوة الشهية الاستعمارية.
في قلب هذا المشهد، يقف أحمد الشرع الذي تحوّل إلى لغز، كلٌّ يحاول تفكيك ما يحيط به من أحجيةٍ وغموض. يراهن الجميع عليه، عسى أن يكون الرجل الذي قد يساعدهم على تسليم كنوز الشام لهم، وفي الآن نفسه، يخشون التورط معه والوقوع في "حيله ومناوراته". لهذا تراهم يستعملون معه سياسة العصا والجزرة. وهو لا يكتفي بطمأنتهم، وإنما يتخذ قرارات شهد الجميع بوجاهتها وأهميتها، الأمر الذي عمّق الحيرة لديهم، وزاد من تردّدهم. فالدواهي لا يربكهم إلا داهيةٌ واثقٌ من نفسه، وعارف طريقه ومقنع بقوله وفعله. كان من جديد قراراته ووعوده إعلانه أمام وفد من الدروز أن سورية "يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية". وقد سبق لعمر بن الخطاب أن قال: "لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني".
ما يُخشى في هذه اللحظة الحرجة والدقيقة التي تمر بها سورية أن تعمل جهة ما على اغتيال أحمد الشرع لتُفسد ما يجري، وتدفع الوضع الداخلي نحو الانفجار والفوضى. وهذا هدف متاح وسهل. هناك أكثر من طرفٍ لا تعنيه الترتيبات الجارية على الأرض، التي قد تُفضي إلى ولادة سورية جديدة ذات مقومات مختلفة عن المرحلة السابقة، التي كانت فيها البلاد أشبه بضيْعة تتصرّف فيها عائلة.
هناك إسرائيل التي لا ترغب في أن ترى سورية مستقرّة وديمقراطية. ورغم أن هناك من يعتقدون أن الذين أطاحوا نظام بشّار الأسد بيادق تحرّكهم الصهيونية، وأن التغيير الذي حصل في عشرة أيام فقط ليس سوى مسرحية، إلا أن أصحاب هذا القول يفتقرون إلى الحجّة والدليل. فإسرائيل لا تريد الخير للسوريين، وتعمل على كسر شوكتهم، وهو ما قد يدفعها إلى بثّ الفوضى في صفوفهم بوسائل متعدّدة، منها اللجوء إلى اغتيال من يلتفّون حوله.
هناك أيضاً تنظيم داعش الذي انشقّ عنه الشرع وحاربه، وأعلن التخلي عن أفكاره ومناهجه. فهذا التنظيم يتابع ما يجري، وعندما تكون النتائج السياسية تتعارض كلياً مع مصالحه، سيحارب الرجل، وسيعمل على إفساد ما يقوم به.
هناك المخابرات الغربية، الأميركية والأوروبية، التي تراقب المشهد، وتملك خيوطاً موزّعة على كامل التراب السوري، فالهجمات التي شنها الجيش الأميركي على مواقع "داعش" وغيره من التنظيمات الراديكالية، في تزامن مع الهجمات الإسرائيلية التي قصفت معظم المواقع العسكرية والاستراتيجية التي بناها النظام السابق، رسائل إلى كل من سيحكم سورية مستقبلاً، حتى يكون على بيّنةٍ من أن الأيدي الطويلة قادرة على الوصول إلى كل شبر من الأراضي السورية.
هناك حزب الله وإيران القادران على الانتقام من أحمد الشرع، وغيره من الأطراف التي ساهمت في إبعادهما عن الساحة السورية، فالأحقاد بين الطرفين بلغت درجة من الغليان قد تدفع نحو استمرار الحرب بينهما بكل الأشكال، بما فيها الاغتيالات، رغم انشغال الإيرانيين وقيادة حزب الله بالخسائر التي ترتبت عن المواجهات أخيراً مع إسرائيل.
تكشف هذه الأمثلة خطورة المرحلة التي تمر بها سورية، والتي تفرض على الشرع أن يكون شديد الحذر، فهو مطالبٌ بأن يتصدّى بذكاء لأطماع الدول الراغبة في نهش الدولة السورية والتحكم فيها. ومن ناحية أخرى، عليه أن يحمي نفسه من اغتيال محتمل قد تقدم عليه أطرافٌ له معها حسابات ثقيلة. لهذا تراه غير متعجّل في تنظيم الانتخابات التي يدعوه بعضهم إلى تنظيمها.