"الهدية" الفلسطينية
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
استطاع الفيلم الفلسطيني "الهدية" (إخراج فرح نابلسي) أن ينافس بقوة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم قصير، حيث صعد إلى القائمة المختصرة، وكان الأوفر حظاً في إحراز الجائزة، بالإضافة إلى الفيلم الأميركي "مسافة غريبين" الذي نال الجائزة، والأخير فيلم ذو صبغة تجريبية كافكاوية، يذكّر بأفلام ألفرد هيتشكوك القصيرة. يعتمد على المحاكاة الحلمية "المكرّرة" لأبعاد قضية مقتل المواطن الأفرو- أميركي جورج فلويد. بينما كان الفيلم الفلسطيني أكثر بلاغةً في رمزيته، وفي استغلال جميع إمكانات البساطة (إن صحّ التعبير). أدّى فيه صالح بكري، باقتدار واضح، دور رب الأسرة، يوسف، وأدّت مريم كنج دور الطفلة ياسمين، والممثلة مريم كامل باشا دور الأم مريم. يبدأ "الهدية" بحلم ربّ الأسرة، أمام سور الفصل العنصري العازل، يظهر مستيقظاً أمام السور، وهو يأخذ حبة دواء مسكّن لألمه، وسيظل طوال مدة الفيلم وهو يعاني من ألمٍ حادّ في كليته، وعليه أن يذهب من بيت لحم في الضفة الغربية، حيث يقطن، إلى مستوطنة بيتونيا. واليوم عيد زواجه، وعليه أن يأتي لزوجته بهديةٍ سبق أن حجزها بالهاتف من محل تجاري هناك. والهدية التي يحمل الفيلم اسمها ثلاجة جديدة، سيشتريها بديلة للثلاجة القديمة التي يظهر بابها في الفيلم يرفض أن يغلق، وتحاول مريم إغلاقها مرات عدة في اللقطة الواحدة، وفي ذلك إشارة بليغة إلى ما للهدية من قيمة للزوجة.
يذهب الأب، بصحبة ابنته، مشياً إلى هناك، وشقتهم لا تبعد سوى خطوات عن حاجز 300 الإسرائيلي المزدحم، ما يعكس المعاناة المستمرّة لهذه الأسرة التي عليها أن تمرّ بإجراءات لا إنسانية للتفتيش كلما احتاجت لشراء حاجيات البيت، بما فيها المأكولات، فقد كان يوسف يحمل قائمة أغراض طلبت زوجته شراءها قبل الثلاجة، منها مسكّن للألم الذي يشعر به. سنرى في ذلك الحاجز أقفاصاً بشرية، أُودِع يوسف في أحدها حتى ينتهي الجنود من إجراءات الدخول. وحين دخل وجد آخرين حُجِزوا فيها. تعامل مع موضوع القفص بمرارة شديدة، لكن بهدوء بحكم اعتياده له، لكنّه تذكّر أنّ ابنته معه هذه المرّة، فطلب من الجندي أن يراعي هذا الظرف ولا يدخله في القفص. رفض الجندي، فدخل يوسف وانتظرته الطفلة في الخارج، وطال أمد الانتظار، حتى إنّ الطفلة بالت في ملابسها. ثم سمح لهما بالعبور، فقطعا طريقاً طويلاً إلى أن وصلا إلى سوبرماركت المستوطنة. وبعدما اشتريا الأغراض المنزلية، اكتشف يوسف أنّ صيدلية تلك المستوطنة مغلقة، فتحمّل الألم طوال طريق العودة. وبعد أن يشتري الثلاجة، يوصلها صاحب المحل بسيارته إلى مسافة معينة، لا يستطيع أن يتجاوزها، لأنّ حاجزاً إسرائيلياً يقابله بعد قليل، فيضطر الأب إلى سحبها بنفسه، إذ وضع الأغراض داخلها. وعند نقطة التفتيش، ونتيجة الألم الحاد الذي يشعر به، وبسبب إصرارالجنود على إذلاله، ينفجر صارخاً، فيصوّب له الجنود رشاشاتهم .في تلك اللحظة، تقوم الطفلة بعمل بطولي بريء، حين تستغل انشغال الجنود، وتدفع الثلاجة، وتتقدم بها خارج بوابة الحاجز.
ومن أهم جماليات الفيلم أنّه وثائقي، لا يحتاج الأمر فيه إلى الاستعانة بالخيال، بل كلّ تفصيل فيه مدهش وخارق في قسوته وفظاعته. فيلم مكثف ومكتنز ومليء بالدلالات، استُثمِرَت دقائقه القصيرة بمهارة. كان يستحق جائزة أوسكار من دون كثير تردد، ولا شك أيضاً في أنّ كثيرين تلمّسوا هذا، على الرغم من أنّ المنافسة عليها بهذه الجدارة لا تقلّ أهمية عن نيلها، ليجعلنا أمام تحفةٍ فلسطينيةٍ حقيقيةٍ وهديةٍ بصريةٍ أتقن فريق الفيلم صناعتها.
في هذا السياق، كتب الكاتب المغربي محمد الأزرق في صفحته في "فيسبوك" منتصراً للفيلم الفلسطيني: شاهدت الفيلم الفلسطيني "الهدية" والفيلم الأميركي "مسافة غريبين". كلاهما ترشح لمسابقة الأوسكار فئة الفيلم القصير. ملت كثيراً إلى الفيلم الفلسطيني. محكيّ بسيط مشحون بطاقات من الفن والجمال. الفيلم الأميركي، وإن بدا تجريبياً، لا يحتمل الكثير من التأويل... إدانة صريحة لمقتل المواطن الأفروأميركي، جورج فلويد، على يد الشرطي الأبيض. منحت لجنة الأوسكار الجائزة للفيلم الأميركي لاعتبارات لا يعلمها إلّا أعضاء اللجنة...".
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية