مسرح "الأولمبيا" التاريخي... حلم الفنانين العرب؟

21 مايو 2016
أم كلثوم في حفل الأولمبيا (Getty)
+ الخط -
"باريس عاصمة الفن"، بهذه الكلمات ردّت الفناّنة والمغنيّة، نانسي عجرم، على تساؤلات "العربي الجديد"، بعد عودتها من العاصمة الفرنسية، وإحيائها لما وصفته "بعرس فنِّي كبير". واستطاعت من خلاله جذب أكثر من 2000 من المستمعين قدموا خصيصاً من فرنسا ودول أوروبية مجاورة لحضورها. مسرح "الأولمبيا" من أكبر وأقدم قاعات المسارح في العاصمة الفرنسيّة باريس، وكان سبب شهرة الكثير من المطربين العالميين، منهم داليدا وجيلبير بيكو ولارا فابيان وسيلين ديون وديانا روس وجيمس براون، ومن العرب فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم وكاظم الساهر وأحلام ونانسي عجرم.
الصورة والشكل في المسارح الأوروبيَّة، يختلفان، ربما، عن الحفلات التي يحييها المغنون في العالم العربي. لعل الخوف يسكن المغنين العرب، بسبب اختبار الجمهور المختلف. تقول، نانسي عجرم، لـ "العربي الجديد": "نعم هي مسؤولية كبيرة، أن أقف على مدرجات تتسع لهذا العدد من الجمهور في باريس التي عشقتها. وهذا مقياسٌ أساسي في درجة النجاح التي أريد أن أحققها. عشت لحظات من الخوف، أو بتعبير آخر لحظات تفيض بالمسؤولية والتساؤلات، ماذا سأغني، وماذا سأرتدي؟ وكيف سيكون وضع الفرقة الموسيقية، وتفاعل الناس، وهم من جنسيات مُختلفة، في الاستماع إلى أغنياتي؟ نعم إنها مسؤولية تزيد قليلاً عن مسؤولية أي مهرجان أحييه في محيطي العربي".
يتميّز المسرح الذي تم تجديده في عام 2001، بوجود ثلاثة طوابق للجمهور على شكل دائري، يعطي انطباعاً أن أمام الفنان أكثر من 2000 متفرّج، إضافة إلى خشبة مسرحية ضخمة، ومؤثرات صوتية حديثة، كما يتميز باللون الأحمر الذي يزين كل شيء، بداية من المدخل، حتى المقاعد والديكور عموماً.
وليست، نانسي عجرم، الفنانة الوحيدة التي عاشت هذه التجربة الفرنسية، فعلى مرّ العصور، وقف عددٌ من الفنانين العرب على المسرح التاريخي، الذي أمدّهم بنجاح إضافيّ واستثنائيّ. فالسيدة أم كلثوم، غنّت عام 1967 في "الأولمبيا" لدعم المجهود الحربي للدولة المصرية في أيام نكسة حزيران عام 1967. والجميع يذكر حادثة سقوطها على المسرح، بعدما تقدّم منها أحد الفرنسيين لتقبيل قدمها، فرفضت تماماً، وكان نصيبها سقطة تنبه لها الموسيقيون، آنذاك، وحملوا "كوكب الشرق" إلى غرفتها.
وكذلك، غنّت السيدة، فيروز في "الأولمبيا" عام 1979 وكانت ثالث فنانة عربية تحيي حفلاً غنائياً هناك وقتها، وكان لبنان في بداية حربه الأهلية. فألهبت فيروز الصالة بحنين الجاليات العربية إلى بيروت، خصوصاً عندما أدت أغنية "بحبك يا لبنان" أمامهم، والتي تحولت مع الزمن إلى رمز غنائي يجمع اللبنانيين في المناسبات الوطنية. وكذلك كان للفنان الراحل، عبد الحليم حافظ، حصة في الوقوف على المسرح الباريسي في العام 1974. ووفق المعلومات، كان أول ظهور للعندليب الراحل في باريس، بعد رحلة علاج استمرَّت أشهراً، ورغم سوء حالته الصحية يومها، استطاع أن يحقق نجاحاً مدوياً في واحدة من أهم حفلاته، بحسب ما وصفها الصحافي الراحل، محمد بديع سربيه.
كما أحيت الفنانة الجزائرية الراحلة، وردة، حفلا في "الأولمبيا" عام 1995. يومها كانت تعاني وردة من تعب صحيّ، لكنها استطاعت أن تقف لمدة قاربت الساعتين، وهي تؤدي مجموعة من أغنياتها. وكان للجزائريين المتواجدين في فرنسا، حصة الأسد بين الحضور. وقدموا في بداية الحفل العلم الجزائري للسيدة وردة، التي قبلتّه ثم وضعته على سلاّل الزهور التي زينت المسرح ترحيباً بها. وردة يومها، خاطبت الجمهور باللغتين الفرنسية والعربية، وتابعت وصلتها الغنائية بسعادة لا تقدر بحسب ما نقل عنها ابنها، رياض القسري. الفنانة اللبنانية، ماجدة الرومي، وقفت، أيضاً، على المسرح الباريسي عام 1993، وأحيت ثلاث حفلات غنائية في قاعة "الأولمبيا" في باريس. حضر الحفلات الألوف من اللبنانيين والعرب والفرنسيين. وحصدت الرومي تفاعلاً حماسيّاً خصوصاً من قبل اللبنانيين الذين تقدموا إلى المسرح، وحملوا الأعلام اللبنانية، وأخذوا بالهتاف لوطنهم، خصوصاً عندما أدت الرومي أغنياتها الوطنية، ومنها "عم بحلمك يا حلم يا لبنان"، و"ست الدنيا يا بيروت". ثم لجأت الرومي إلى اللون العاطفي في أغنيات كتبها أبرز الشعراء العرب، من نزار قباني ومحمود درويش وسعاد الصباح وأنسي حاج. وحيّت باريس بأغنية للفنانة الراحلة، أديث بياف، بعنوان "بادام بادام". وقدمت بالفرنسية أغنية "الحرية" لفيكتور هوغو، التي لحنها الفنان المصري، جمال سلامة، وأغنية "سلام على الأرض" لجان هيرفيه بازين، التي لحنها الفنان اللبناني، الياس الرحباني. هكذا، تُشكل باريس، أو الدول الأوروبية، علامة فارقة بالنسبة لبعض الفنانين العرب. يقول الفنان، راغب علامة، الذي أحيا واحدة من أجمل حفلاته في باريس لـ "العربي الجديد": "بداية حياتي الفنية الغنائيّة كانت في باريس، كنت أغني في المطاعم والملاهي الليلية، بعدما اشتد آتون الحرب الأهلية في لبنان، حيث اضطررنا للهجرة بحثاً عن الرزق. نعم علاقتي بباريس شهدت انقلابات واسعة على الصعيد الشخصي والفنّي، حتى اشتريت منزلاً هناك، أهرب إليه دائماً".
وعن حفله العام الماضي على مسرح "الأولمبيا"، يقول راغب علامة: "هو حفل لا يشبه باقي الحفلات، شعور لا يوصف ينتاب أي مطرب، يقف على المسرح والقاعات الفسيحة التي تنقل تفاعل الناس. أخبروني قبل يومين من الحفل أن بطاقات حفلتي نفدت. حقيقةً، لم أصدِّق، لكن عندما شاهدت الزحمة على باب المسرح، أيقنت أنّ ذلك صحيحٌ. تفاعل الناس، خصوصاً الذين يتحدّرون من أصول عربية، مع أغنياتي وكيفية تردادها معي وأنا على المسرح، يجعلني أشبه بطير يعلو من على سطح الأرض باتجاه الفضاء". ويتابع راغب علامة: "ساعتان من التفاعل، بيني وبين الجمهور الذي كان يرفض مغادرتي للمسرح، هو أمر لا يُنسى".
مجموعة أخرى من الفنانين العرب، وقفت على مسرح "الأولمبيا" نذكر منهم أحلام، والفنان كاظم الساهر، وصابر الرباعي الذين جمعوا بين جمهور فرنسي وآخر عربي هناك، وبالطبع، حصدوا نجاحاً قد يُشكل بالنسبة لهم، ولمسيرتهم الفنية، بعداً آخر.

المساهمون