شروط برنامج ساخر

04 اغسطس 2015
مسرح خال من الجمهور (Getty)
+ الخط -
لم أخطط يوماً لدخول مجال الصحافة، وينطبق الأمر نفسه على المسرح. استندت على أهوائي الشخصية في دخول المجالين، من دون أن أولي أي أهمية للشعارات الكبرى أو الحكمة اليومية أو الرسالة المتوقعة من الصحافي أو المسرحي. حيث تجدْ ما يفرحك، فادخله من دون تردد. وأنا وجدت الفرح في كتابة قناعاتي، وفي ضحكات الناس على المسرح. فقررت دخول هذين المجالين اعتماداً على رغبتي في الفرح أولاً.
حين بدأت عملي المسرحي، غافلتني الشهرة، وأنا موظف خلف مكتب في إحدى القنوات الفضائية الإخبارية. لم أعرف التصرف مع هذه الشهرة المفاجئة، ووجدتني أحاول التمسك بوظيفتي حتى لا أوصف بالـ "شايف حاله". لكن أمور عدّة عاكستني حينها؛ فالتوجه السياسي للقناة أصبح بعيداً عن خياراتي.
الحرب السورية وضعتني في معمعة التصفيات التي طاولت الصحافيين في لبنان، وأضحى الخيار محصوراً بين مؤيد ومعارض. إما تأييد سيادة الرئيس ببراميله التي لا يمكن ذكرها في القناة، وإما ان تعارض فتحزم أمتعتك، وتمشي. وهذا ما حصل.
كنت حسمت قراري بالاستقالة، قبل أن يحصل ما لم أتوقعه. إذ كنت من قبل تملصت من الملف السوري، وابتعدت عن الملف اللبناني، ورحت أعمل على تقارير من اليونان وأوكرانيا، وطبعا التقارير العلمية الممتعة كتقارير "الناسا" وغيرها. في الوقت نفسه، كان الموظفون جميعهم في غرفة الأخبار يتسابقون على "السكوبات" الصحافية. يزهو أحدهم بمقابلته مع "مخطوف" خطفته عائلة لبنانية فقدت ابنها في سورية. موظفة أخرى تعلن سقوط أردوغان فجأة أثناء مظاهرة احتجاجية، لتعود صحافية أخرى متجاوزة الخبر الأول، ومؤكدة انتهاء الاحتجاجات على "لا شيء". أمّا أنا فكنت مصرّاً على التخفي خلف تقارير عن "الناسا" والمسرح العراقي ومغنية روسية تعارض بوتين.

اقرأ أيضاً: عن "زلمة فلان" في لبنان


فجأة قرر رئيس مجلس الإدارة مباغتتي. رنّ جرس الهاتف، وقال لي بلهجته الخالية من العفوية: "أخي، السلام عليكم. أعلم سيدي الكريم أنك تتمتع بروح السخرية، لذلك قررت الاستفادة منك في برنامج مدته دقائق معدودة، يبث قبل نشرات الأخبار". أدركت حينها أن الخفاء لم يعد مجدياً بعد الآن، إذ إنّ رئيس مجلس الإدارة شخصياً أزاح "طاقية الإخفاء" عني. لملمت أوراقي ، وكتبت في ورقة استقالتي كلمات منمقة لزوم الشهرة اللعينة التي داهمتني على غفلة. تركت عالم الأخبار من دون رجعة.
بعد أيام، انتفض صديقي في المقهى من على كرسيه، وصرخ بوجهي: "ماذا ستعمل الآن؟ هل المسرح كاف ليطعمك وعائلتك؟ ألم يكن أجدر بك أن تقبل ببرنامج ساخر في فضائية عربية معروفة؟ اكسب جولتك ثم أمّن الانتقال إلى محطة أخرى وفق قناعاتك".
غيرة الصديق دفعتني إلى التفكير مجددا في فكرة البرنامج الساخر. ولكن كان من المستحيل القبول بها، لأنّ الخطوط الحمراء للبرنامج تضمّ عدم المسّ بالأنظمة، وبالتالي لا يمكن المسّ بنظام السيد الرئيس البراميلي. وطبعاً، فإن رجال الدين ممنوع التعرض لهم، والأمر نفسه بالنسبة للـ "عروبة". وطالما أني لا أستطيع الكلام عن الأنظمة والدين والعروبة المقنعة، وجدت نفسي ألخص المشكلة لصديقي بالتالي: "يا حبيبي، ما فيني إكتب أو قدّم شي عن كل هالاشيا، فقررت تكون الحلقة الأولى عن رئيس مجلس الإدارة شخصياً وبشروطه، وهيدا سبب كاف لأنو تنسحب قبل أن يقرأ حلقة عنه وعن شروطه (يا صديقي لا أستطيع أن أكتب شيئاً أو أقدم شيئاً عن أي من المواضيع السابقة؛ لذلك قرّرت أن تكون الحلقة الأولى عن رئيس مجلس الإدارة شخصياً وبشروطه، وهذا سبب كاف لأن أنسحب أن قبل أن يقرأ الحلقة عنه وعن شروطه).

اقرأ أيضاً: مغنيات الستينيات "المثيرات" في لبنان:عبدالناصر تدخّل لمنع إحداهنّ 
المساهمون