تعليم القرآن مزدهر في سانت لويس السنغالية

29 مايو 2015
B927013A-0E20-4E99-935F-13690EF198FE
+ الخط -


أصوات خاشعة ترتّل ما تيسّر من القرآن، تنبعث، يوميا، من المدارس القرآنية المتواجدة بكثافة في سانت لويس الواقعة على بعد 260 كيلومتراً من العاصمة السنغالية داكار. هذه المدينة الشهيرة التي كانت فيما مضى من الأيام، عاصمة السنغال بل وإفريقيا الغربية الفرنكوفونية (الناطقة بالفرنسية)، تعدّ اليوم أبرز الأماكن التي يقصدها السنغاليون من شتى أنحاء البلاد لتعلّم القرآن وترتيله.

"إنّ (تعليم القرآن) يشكّل جزءاً من هويتنا ومن تاريخنا، وهذا الأمر يعدّ مصدر فخر لجميع أبناء سانت لويس".. بهذه الكلمات الواثقة والمفعمة بالحماس، يعبر سيرين موكشين ديوب، وهو معلّم قرآن ومدير مدرسة قرآنية أنشئت منذ ما يزيد عن الـ 50 عاما.

أصوات الطلاّب المنتظمة على وقع مستحبّ، وهي ترتل ما حفظوه من الآيات الكريمة، تصدح عالياً، حتى يصل صداها إلى الشوارع والأزقة المحيطة بالمدرسة القرآنية "سيرين موكشين"، أو "الدارا" (الكتّاب) كما يطلق عليها في اللهجة المحلية.

عراقة هذه المدرسة منحتها شهرة محلّية، وارتيادها للحصول على تكوين ديني اكتسب، بمرور الزمن، مصداقية لا تضاهى، حتى إنها أضحت ضمانا للتعليم الديني المميّز. وموكيشين الرجل الستيني استعرض بداية تأسيس المدرسة القرآنية، ويده تلامس بين الحين والآخر لحيته البيضاء المتناسقة مع لباسه وقبعته الصغيرة، قائلاً: "في البداية، انطلق تعليم القرآن في مساحة مفتوحة، حتى إنّ الطلاب كانوا يصطفون على الحصيرة".

أمّا اليوم، فقد تحوّلت تلك المساحة المفتوحة إلى مبنى من 3 طوابق، وعشرات الطلاب الذين كانوا يقبعون بخشوع أمام معلّمهم أصبحوا 800، تزيد أعمارهم عن السابعة، يتدفّقون كلّ يوم على المدرسة القرآنية لتعلّم الكتابة وحفظ القرآن. سليمان نداو (39 عاما)، وهو أحد التلاميذ القدامى للمدرسة، وقد أصبح اليوم معلّما فيها، قال إنّه "بالنسبة لطفل في السابعة، فإنّ حفظه للقرآن يستغرق منه 4 أعوام، غير أنّه حدث وأن تمكّن فتى في نفس العمر من حفظ القرآن في 7 أشهر فحسب".

15 معلّما يشرفون على سير الدروس في المدرسة الواقعة في جزيرة سانت لويس، قبالة حي الصيادين في غيت ندار، وتخضع الدروس لتوقيت ينطلق منذ الثامنة صباحا حتى التاسعة ليلا من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع.

أما بالنسبة للتلاميذ القادمين من مناطق أخرى، والذين يبلغ عددهم 120، فتتكفل المدرسة بإيوائهم، وعموماً، فإن الطلاب ينقسمون إلى 4 أنواع: هناك من الطلبة المقيمين من يأتي لتعلّم القرآن فقط، وآخرون يتعلمون القرآن والفرنسية معا، والقسم الثالث يضم الطلبة الخارجيين أو غير المقيمين بالمدرسة، والمسجّلين بالمدرسة الفرنسية، ولا يتابعون الدروس في المدرسة القرآنية إلا خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأخيراً الطلاب غير المقيمين، والذين تقتصر دروسهم على حفظ القرآن.

وعن أسعار التسجيل بالمدرسة، قال مديرها إنّها "تتراوح بين ألف و5 آلاف فرتك (8 دولارات) بالنسبة لغير المقيمين، ومن 15 ألفاً إلى 25 ألف فرنك بالنسبة للمقيمين". في سانت لويس، تنتشر المدارس القرآنية في كلّ ركن وزاوية، ورغم عدم توفّر إحصائيات رسمية بشأنها، فموكشين أكّد وجود "ما لا يقلّ عن مدرستين في كل حي، ما يعني أن عددها الجملي فاق المئات"، لكن "دارا" بحجم مدرسة موكشين، فلا يوجد سوى عدد قليل جدا منها، على حدّ قوله.

مؤسسة أخرى تحظى بشهرة واسعة أيضا، هي مدرسة ثيرنو محمدو سو، في الحي الجنوبي بالمدينة.. جموع من الطلاب يجلسون في انتظام على مقاعد مصطفة بانتظام تحت خيمة كبيرة في فناء المبنى. أمادو سو، أحد المسؤولين عن هذه المدرسة القرآنية، قال إنها "أنشئت في 1966 من قبل جدّي محمدو سو، وهو من الشعب الفولاني (شعوب مستقرة في العديد من بلدان غرب افريقيا)، وقد قدم من فوتا، وزاول دراسته القرآنية في موريتانيا".

الجمهورية الإسلامية الموريتانية لعبت دورا محوريا في انتشار التعليم القرآني في سانت لويس. سيرين موكشين ديوب عاد ليقول إنه "إن كان التعليم القرآني منتشراً بهذه الكثافة في سانت لويس، فلأنّ الإسلام وصل إلى السنغال عبر هذه المدينة، بفضل موريتانيا المجاورة"، و"لكن أيضا بفضل طريقة "المرابطين" والتيغانية، الذين منحونا فرصة تعلّم وترتيل القرآن بهذه اللكنة والتجويد باللغة العربية". إجادة تامة لمخارج الحروف، ونطق سليم أهّلا العديد من طلاب سانت لويس للحصول على جوائز في مسابقات تلاوة القرآن في بلدان مثل المملكة العربية السعودية.

ومع أنّ المدرسة الفرنسية في سانت لويس، استطاعت أن تقلّص نوعاً ما من توهّج المدارس القرآنية، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي أنّ "حفظ القرآن وإجادة ترتيله وتجويده يمنح المرء فرصاً أكبر للحصول على عمل جيد، ما يعني أنّ التكوين الديني يمنح فرصة العمل أكثر من شهادة المدرسة الفرنسية"، بحسب سيرين ندياي المعلم القرآني في الطرف الجنوبي للجزيرة.

ومع ذلك، فإنّ المنهجين (المدرسة الفرنسية والقرآنية) لا يطرحان أوجه تناقض فيما بينهما، يقول موكشين، و"الدليل على ذلك، أنّ عصمان نغوم (وزير الداخلية السنغالي السابق) والشيخ تيديان سي (وزير العدل السابق) تابعا دراستهما القرآنية في سانت لويس، قبل أن يتقلّدا مناصب سامية في دولة السنغال".

إقرأ أيضا: القرآن يصدح في "آيا صوفيا" بعد 85 عاماً

دلالات

ذات صلة

الصورة
وزير التربية الوطنية والشباب في فرنسا غابريال أتال (برتران غاي/ فرانس برس)

مجتمع

أفاد وزراء في الحكومة الفرنسية بأنّ حظر ارتداء العباءة في مدارس فرنسا يستجيب لضرورة الاتّحاد في مواجهة "هجوم سياسي"، مبرّرين الإجراء الذي أعلن عنه وزير التربية الوطنية غابريال أتال.
الصورة

مجتمع

أعلنت الشرطة السنغالية أنّ معلّماً في مدرسة قرآنية بمدينة توبا (وسط) ملاحقاً بتهمة اغتصاب 27 على الأقلّ من تلميذاته، سلّم نفسه، الإثنين، للسلطات بعدما فرّ من وجه العدالة لأسابيع.
الصورة
هناك حالة من الذعر بين التلميذات (منى هوبهفكر/ فرانس برس)

مجتمع

لا يزال الغموض يلفّ مسلسل التسمّم في مدارس الفتيات الإيرانيات الذي بدأ في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. غموض تقابله اتهامات متبادلة بين الحكومة والمعارضة، علماً أن التلميذات في المدارس فقدن الشعور بالأمان
الصورة
سرق رحيل أطفال ضحكات من وجوه رفاقهم في المدارس (بكر القاسم/ فرانس برس)

مجتمع

في إحدى حكايات اللقاءات الأخيرة قبل الزلزال، وزعت معلمة جلاءات (بطاقات تقدير) على تلاميذها والتقطت صوراً معهم ومنحتهم هدايا، واليوم تبقى صور الراحلين والذكريات
المساهمون