خبز "الصاج" و"الطابون".. تراث فلسطيني حاضر على موائد الغزيين

الأناضول

avata
الأناضول
27 نوفمبر 2015
F8286821-81C7-4BC5-A845-FD0B3AFC14DB
+ الخط -
بمهارة وإتقان يرقّق الخبّاز الفلسطيني سامر عرفات بكلتا يديه قطعة عجين يتلقفها بسرعة بين كفّيه عدة مرات، ويصنع منها رغيف خبز دائرياً كبيراً. وعلى صفيح حديدي ساخن مثبت على أربعة أعمدة حديدية، يضع عرفات (30 عاماً)، لعدة ثوانٍ فقط، رغيف الخبز الذي يسمى بـ "الصاج" استعداداً لتجهيزه لأحد زبائنه.

ويقول عرفات إن "خبز الصاج رغم قدمه في التراث الفلسطيني، إلا أن الفلسطينيين ما زالوا يستخدمونه في طعامهم". وأضاف: "رغم تعدد أنواع الخبز في عصرنا الحالي، واستخدام آلات حديثة وسريعة في صناعته، إلا أن خبز الصاج المعدّ بطريقة يدوية، لا يزال له سوق جيد، وأكلات خاصة يدخل في إعدادها".

ومنذ نحو عشر سنوات يعمل عرفات خبّازاً، في محله الذي يحمل اسم عائلته، وسط مدينة غزة. ويعتبر خبز "الصاج"، أو "الرقاق"، أو "الشراك"، جزءاً من التراث الفلسطيني، وما زال يعدّ ويُخبز بالطريقة القديمة ذاتها، والتي كانت تستخدمها النسوة الفلسطينيات قبل عشرات السنين.

ويتكون الخبز من الدقيق، بنوعيه الأبيض أو القمح، والقليل من الملح والسكر والماء الدافئ، ثم يقطع إلى كرات صغيرة، يُرش فوقها قليل من الدقيق، منعاً لالتصاقها وتسهيلاً لرقّها، وهو دائري الشكل، ويبدو شفافاً عند خبزه.

وأشار عرفات إلى أن الفلسطينيين قديماً كانوا يعتمدون على الحطب في إيقاد فرن الصاج، المكون من صفيح حديدي متوسط السماكة، بينما الآن تم استبدال ذلك بالغاز. ويدخل هذا الخبز القديم في عدّة أنواع من الأطعمة، مثل "الفتّة" الفلسطينية، والتي يشتهر الفلسطينيون بطهيها يوم الجمعة، إضافة إلى استخدامه في أحد أنواع الشاورما، وصناعة شطائر "المسخن" الفلسطيني.

ودرجت العادة في قطاع غزة، على رقّ خبز الصاج وخبزه أمام واجهات المخابز، حيث تجتذب طريقة خبزه المارة. كما يكون حاضراً هذا الخبز في غالبية المعارض الفلسطينية التي تقام في المناسبات الوطنية، مثل ذكرى يوم "النكبة الفلسطينية" (الهجرة) عام 1948، ويوم "الأرض"، حيث تتم صناعة الخبز بشكل كامل، أمام زوار المعرض، كرمز يعبر عن الهوية والتراث.

ويشتكي عرفات من "أزمة الكهرباء ونقص الوقود وغلاء أسعاره، والتي يعاني منها قطاع غزة، منذ سنوات (جراء الحصار الخانق المفروض عليه من قبل إسرائيل)، حيث لا يمكن الاعتماد على المولدات الكهربائية في توليد الطاقة، وقت انقطاع التيار"، وفق قوله.

ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو "1.8 مليون نسمة" منذ ثماني سنوات، من أزمة خانقة في الكهرباء. ويحتاج القطاع إلى نحو 400 ميغاوات من الكهرباء، لا يتوفر منها إلا 212 ميغاوات، توفر "إسرائيل" منها 120 ميغاوات، ومصر 32 ميغاوات (خاصة بمدينة رفح)، وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة التي تتوقف بين فينة وأخرى عن العمل، بسبب نفاد الوقود، 60 ميغاوات.

وفي أحد أزقة سوق الزاوية، أقدم أسواق القطاع، ينشغل الخباز الشاب منتصر السكني بصناعة خبز "الطابون"، داخل مخبزه الصغير والقديم، والذي اكتسبت بعض جدرانه اللون الأسود، نتيجة الدخان المنبعث من الفرن. ويتناول السكني "24 عاماً" بيده قطعة عجين واحدة تلو الأخرى، ويصنع من كل منها رغيفاً متوسط الحجم، عن طريق رقّها بيديه أيضاً، ومن ثم يضعها على قطعة اسفنجية استعداداً لإلصاقها على جدار فرن الطابون.

ويمسك أحد عمّال السكني بملقط خشبي لرفع الأرغفة التي نضجت، بعد نحو دقيقة، ليتم وضع غيرها. ويتكون فرن الطابون من فتحة دائرية صغيرة، مدخلها مرتفع قليلاً إلى الأعلى، ويتسع لثلاثة أرغفة أو أربعة يتم إلصاقها على جدار الفرن الدائري، لعدم احتوائه على قاعدة. وكان قديماً يعمل الفرن على الحطب، ويصنع من الطين والقش والتبن، ويدفن تحت الأرض عدة أيام، ثم يتم إخراجه واستكمال صناعته، بينما اليوم يصنع من الحديد والأسمنت والرخام والحجارة النارية، ووقوده الغاز.

ويقول السكني إن هذا "الخبز من التراث الفلسطيني القديم، وما زال متداولاً في الأسواق"، مستدركاً: "لكن خبز الطابون البلدي اختفى من الأسواق، لعدم وجود طلب عليه". ويعدّ خبز الطابون البلدي بالطريقة ذاتها التي يعد فيها خبز الطابون، حيث يتم خلط الدقيق والملح والخميرة والماء معاً، إلا أن الأول يختلف بأنه سميك، وفق السكني.

ويعتقد السكني أن أنواع الخبز اكتسبت أسماءها من الفرن المستخدم في صناعتها، وفق قوله، مضيفاً: "لهذا الخبز مذاق شهي ومختلف". ولخبز "الطابون" و"الصاج" سوق جيد بالنسبة لمطاعم وأصحاب محال بيع "الفلافل - أشهر الوجبات الشعبية الفلسطينية"، كذلك يستخدم في إعداد وجبات "مسخن الدجاج واللحم".


اقرأ أيضاً: الطابون.. أو الحنين إلى خبز الجدّات

ذات صلة

الصورة
دخان ودمار في تل الهوى في مدينة غزة جراء العدوان الإسرائيلي، 10 يوليو 2024 (الأناضول)

سياسة

تراجعت قوات الاحتلال الإسرائيلي من منطقتي الصناعة والجامعات، غربي مدينة غزة، اليوم الجمعة، بعد خمسة أيام من عمليتها العسكرية المكثفة في المنطقة.
الصورة
انتشال جثث ضحايا من مبنى منهار بغزة، مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

قدّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وجود أكثر من 10 آلاف فلسطيني في عداد المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة ولا سبيل للعثور عليهم بفعل تعذر انتشالهم..
الصورة
قوات الاحتلال خلال اقتحامها مخيم جنين في الضفة الغربية، 22 مايو 2024(عصام ريماوي/الأناضول)

سياسة

أطلق مستوطنون إسرائيليون الرصاص الحي باتجاه منازل الفلسطينيين وهاجموا خيامهم في بلدة دورا وقرية بيرين في الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
الصورة
مكب نفايات النصيرات، في 21 مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

يشكّل مكبّ نفايات النصيرات في قطاع غزة قنبلة بيئية وصحية تُهدّد بإزهاق الأرواح وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، وسط أوضاع إنسانية مأساوية..
المساهمون