"التهمة كتاب 2"..10عناوين تودي ببائعها إلى القبر في العراق

بغداد

أحمد عمر

أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
17 نوفمبر 2014
+ الخط -

يردد معظم المسؤولين في العراق بشكل مستمر، أنه ليس هناك أي منع أو مصادرة لأي كتاب، وأن هذه المرحلة ولت مع سقوط نظام صدام حسين، وهو كلام يتفق معه بائع الكتب في بغداد فائق زيدان العزي، ولكنه يلفت إلى أن المنع الرسمي سيكون أسهل وأرحم من مصير الاغتيال، الذي انتهى إليه حال اثنين من زملائه في شارع المتنبي -السوق الثقافي لأهالي بغداد- فيما فضّل آخرون أن يتحولوا بتجارتهم إلى أماكن أخرى أو مهن مختلفة بعيدة عن دائرة الاستهداف.

عمل العزي لمدة 15 سنة في مجال بيع الكتب داخل السوق الأشهر لها في العاصمة العراقية (شارع المتنبي)، تخصص تقريباً بالكتب الإسلامية ذات المنشأ الخليجي، وهو تخصص أصبح من المستحيل الاستمرار به بعد الأحداث الطائفية التي ضربت العراق عام 2006، والذي شهد أيضاً اغتيال أحد أعز أصدقاء المهنة، والمكنّى أبو شعيب على بعد أمتار من مخرج سوق الكتب الواقع في جانب الرصافة من بغداد.

العزي يؤكد أنهم لم يستوعبوا الدرس من تصفية أبو شعيب، وتعاملوا معه كحادث عابر، حتى دفعوا بعد أسبوعين من الحادث ثمنا أكبر، حين اغتالت المليشيات الطائفية شابا في مقتبل العمر يدعى سيف كيلان العبيدي، يعمل بائع كتب على الرصيف في ذات السوق، "وقتها بقيت جثة العبيدي لأربع ساعات على جسر الشهداء في بغداد، من دون أن يجرؤ أحد على إخلائها أو الاقتراب منها حتى قامت دورية أميركية برفعها بعد ذلك" كما روى العزي لـ"العربي الجديد".

يجمع العزي وأبو شعيب والعبيدي قاسم مشترك وهو أنهم سُنّة، وعملوا في تخصص واحد، هو بيع العناوين السلفية وأخرى عن منهج الإخوان المسلمين، والتي أصبحت الأخطر في العراق، واضطرت العزي إلى تصفية محله السابق على عجل والانتقال إلى مجال بيع القرطاسية والمستلزمات المكتبية في محل صغير بأحد الأحياء الغربية لبغداد.

مؤلفات خطرة

يحمل عدنان العاني قصة مشابهة مع بعض التفاصيل المختلفة عن زميلة العزي إذ ترك مهنة بيع الكتب نهائياً، وتحول إلى اختصاص تجارة العطور المركزة في حي المنصور، في منطقة الكرخ بالعاصمة، مشيراً إلى أن مصير زملاء المهنة الذين تمت تصفيتهم ماثل أمام عينيه، مما منعه من زيارة شارع المتنبي على الرغم من مرور ثماني سنوات على هذه الحوادث.

وبحسب العاني فإن مؤلفات ابن تيمية تحتل صدارة العناوين الأكثر خطورة على حياة بائعها، وخصوصاً كتب (منهاج السُنّة) و(الفتاوى الكبرى) و(الإيمان الكبير) وكتاب ابن حزم الإندلسي المسمّى (الملل والنحل)، ومن بعدها تأتي جميع مؤلفات محمد بن عبدالوهاب، ومنها (كشف الشبهات) و(التوحيد) ومؤلفات الداعية السعودي محمد العريفي، وله كتب مثل (اركب معنا) و(الكافية الشافية) وكتاب (الفتاوى) لمحمد صالح ابن عثيمين، بالإضافة إلى أغلب مؤلفات رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، وهي تزيد على 150 كتابا، فضلاً عن كتاب خطير جداً يسمى (لله ثم للتاريخ) لمؤلفة حسين الموسوي (كتاب يتحدث عن الشعائر الشيعية)، لافتاً إلى أن الدوافع الطائفية هي المحرك الأساس لمحاربة هذا النوع من الكتب واستهداف بائعيها.

ويستغرب العاني من التذرع بأن هذه الأسماء تدعو إلى العنف وإلحاق الضرر بطوائف من المسلمين، وهي الحجّة التي يسوقها عناصر المليشيات التابعة للأحزاب الحاكمة، مؤكداً أن شارع المتنبي يعج بعناوين تكفر المواطنين السنة وتسمّيهم النواصب، وتصرّح علناً بقتالهم ومنها مؤلفات (البحار النعمانية) للجزائري و(الوافي) للكاشاني و(بحار الأنوار) للمجلسي، وفيه تكفير علني للخليفتين أبو بكر وعمر بن الخطاب، فضلاً عن عشرات العناوين التي يمكنك رؤيتها وبكثرة فور دخولك إلى سوق الكتب والتي لا يتعرض أحد لبائعيها.

حرب الكتب

ألحقت "حرب الكتب" خسارة كبيرة بالتاجر محمد العلاف، حين صودرت له شحنتان من كتب العريفي وطارق سويدان في منفذ طريبيل الحدودي غربي العراق وميناء البصرة في الجنوب، حتى أنه توقف عن الاستفسار بشأنهما بعد نصيحة من مقرب حاول التوسط له لدى الجهات المعنية كما أكد لـ"العربي الجديد".

مصادرة الكتب، بحسب العلاف، لا تقتصر على صفقات الكتب التي يقوم بها التجار، وإنما تتعداها إلى الكتب الفردية التي تكون بحوزة الحجّاج لدى عودتهم من الديار المقدسة، كاشفا عن إحراق هذه الكتب بشكل جماعي في منفذ عرعر الحدودي مع السعودية بالنسبة لقوافل الحجاج البرية أو مصادرتها في المطارات، فيما يخص القوافل الجوية والتخلص منها بعد ذلك.

ويلفت العلاف إلى أوضاع مشابهة فيما يخص الكتب التي تدين التنظيمات المتطرفة والتي تعرض بائعها في المحافظات السنية إلى التصفية الجسدية أو التهديد لمرة واحدة في أحسن الأحوال، مشيراً إلى أن مجمل هذه المخاطر جعلته يصرف النظر عن مهنته التي ورثها عن أبيه ليتحول إلى قطاع السفر وتحديداً في مجال الحج والعمرة.

الداخلية تقرّ بالاغتيالات

من جهته ينفي مصدر في وزارة الداخلية العراقية وجود أي نوع من الرقابة المفروضة على تجارة الكتاب في العراق، ويؤكد أنهم يتعاملون فقط مع المؤلفات التي يمكن أن تشكل خطراً على السلم الأهلي، وهو سياق متبع في أكثر الدولة ديمقراطية وتسامحاً، على حد وصفه.

ويقر المصدر العامل في مديرية العلاقات التابعة لوزارة الداخلية في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"بحصول حالات اغتيال وتصفيات جسدية لعاملين في شارع المتنبي ببغداد، مثبتة في محاضر بالوزارة، لكنه يرى أنها كانت ضمن موجة العنف الطائفي التي ضربت معظم المدن العراقية وأصابت الجميع بدون استثناء.

المصدر الأمني -يحمل رتبة ملازم أول- دعا جميع المتشككين إلى زيارة شارع المتنبي، والتأكد بأنفسهم من أصحاب المحال عن وجود عناوين أو كتب معينة تم منعها أو تبليغهم بعدم بيعها أو تمت مصادرتها منهم، مشدداً على وجود حرية تامة لهم في استيراد وتوزيع وبيع الكتب.

كيف تقاس الحرية؟

لكن أستاذ الإعلام العراقي جمال الدليمي المقيم في العاصمة الأردنية عمان يرى أن هذه الحرية لايمكن الحكم عليها بشكل موضوعي في غياب المؤلفات التي تنتقد الأوضاع العراقية عقب الاحتلال الأميركي سنة 2003 وخصوصاً تلك التي تستعرض طبيعة العلاقات بين الحكومات والأحزاب والمليشيات الطائفية المنفذة لأعمال القتل والتهجير.

الدليمي يرى أن البعض يتصور أن الحرية هي في نشر كتب على شاكلة (الحياة السرية لصدام حسين) وعشرات المؤلفات المتشابهة عن أسرار اللحظات الأخيرة من حياته، أو تلك التي تتحدث عن أسرار وفضائح قادة دول المنطقة أو مغامراتهم العاطفية، مستدركاً بأن الحرية الحقيقية هي في نشر خفايا إدارة الدولة والفساد في المال العام، وتسمية القتلة بأسمائهم وفضح حجم التدخلات الإقليمية وغيرها من الملفات، والتي كان التعامل معها بحذر شديد واستحياء وأحياناً من باب رفع العتب ليس إلا، كما يقول.

ويستشهد الدليمي بحادثة صغيرة في مجال حرية التعبير والنشر، وهي مهاجمة مقر صحيفة الصباح الجديد في شباط/فبراير الماضي، وإلحاق أضرار مادية كبيرة بها باستخدام العبوات الناسفة على خلفية نشرها لرسم كاريكاتوري يمثل مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فيما هرب الرسام أحمد الربيعي إلى مدينة أربيل في إقليم كردستان، وتوفي بعد أيام نتيجة مضاعفات ناجمة عن حالة الخوف الشديد والصدمة التي تعرض لها.

ويشير أستاذ الإعلام إلى وجود صحافي عراقي يعكف على تأليف كتاب خارج العراق يروي فيه تجربته أثناء احتجازه في سجن سري يسمى (معسكر الشرف) داخل المنطقة الخضراء في بغداد لمدة سنة كاملة أثناء ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قائلا لـ"العربي الجديد" نشر هذا الكتاب والسماح بتداوله بعد صدوره سيكون مؤشراً حقيقياً على وجود هذه الحرية المزعومة.