العنصرية تتفاقم في إسبانيا (العربي الجديد)
14 يوليو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تصاعد خطاب الكراهية في إسبانيا**: يتزايد خطاب الكراهية ضد الأجانب والناشطين، بتأجيج من اليمين المتطرف عبر نشر معلومات مفبركة. تعرض الناشط موها غيريهو لهجمات كراهية بعد تنظيمه تظاهرات مناهضة للتمييز.

- **الخلل القضائي والعدالة**: قدم غيريهو شكوى للشرطة التي حددت الفاعلين، لكن القاضي حفظ القضية. بعد الطعن، اعتقلت الشرطة ثلاثة أشخاص وحكم على اثنين بالسجن والغرامات، مما يعد نصراً للمجتمع المهاجر.

- **دور المعلومات المفبركة والتعليم**: تزوير المعلومات ونشر الأخبار الخاطئة حول المهاجرين يعزز الصور النمطية السلبية. التعليم يلعب دوراً في تعزيز التحيزات، مما يؤدي إلى استبعاد المهاجرين وصعوبة إيجادهم السكن أو العمل.

ينمو خطاب الكراهية في إسبانيا مستهدفاً ذوي الأصول الأجنبية، ولا سيما الناشطين في مجال مواجهة العنصرية، ضمن حالة يؤججها اليمين المتطرف، عبر المعلومات المفبركة التي تسفر عن جرائم في العالمين الافتراضي والحقيقي.

- وجد الناشط في مجال مكافحة العنصرية والصحافي الإسباني من أصل غامبي، موها غيريهو Moha Gerehou، نفسه هدفاً لـ"هجمات كراهية شرسة" على موقع "X"، بعد ما شغل منصب رئيس منظمة SOS Racismo Madrid (غير ربحية لمكافحة العنصرية)، وتولى تنظيم الأنشطة الهادفة لمكافحة إرهاب الأجانب والعنصرية، ليتصاعد الاستهداف عقب الإعلان عن تنظيم أول تظاهرة مناهضة للتمييز يقودها ذوو الأصول المهاجرة في إسبانيا عام 2017، وهو العام الذي تحول فيه إلى شخصية معروفة بعدما حظي بعدد كبير من المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي، كما صار مرجعية في هذا المجال.

لكن الثمن الأكبر الذي دفعه غيريهو نتيجة مواقفه، وقع جراء مشاركته في حملة أطلقها نشطاء عبر هاشتاغ "إسبانيا ليست بيضاء" في عام 2016، إذ وجد صورته ضمن مزاد إلكتروني، وكانت الرسالة الأولى التي تلقاها: "نبدأ مزاد الشهر بـ 1000 يورو، من يدفع المزيد؟"، ليرد آخر: "إذا كان خالياً من الديدان ومعه شهادة من الطبيب البيطري، سأرفع السعر لـ 1200 يورو"، ثم شارك ثالث: "إذا سمحتم لي بإطلاقه وسط الحقل واصطياده، سأدفع 1400 يورو".

ولا يعتبر الناشط الإسباني تلك العبارات مجرّد جمل عابرة هدفها الاستهزاء بشخصه، وإنما تحيل إلى خلفية وأبعاد أعمق وأخطر، وهو رأي توافقه فيه الباحثة الحقوقية في منظمة SOS Racismo Madrid كريستينا سان مومو، التي ترى أن ربط الأسْود بالعبودية وكأنه غرض يجري تبادله بين الأصدقاء، واستخدام مصطلحات مثل "الديدان" و"الطبيب البيطري" يعود إلى مساواة الأسْود بالحيوان، وتجريده من إنسانيته، كما أن القول إن الشخص يحتاج إلى التخلّص من الديدان يعني الإشارة ضمناً إلى مفاهيم وصور القذارة والفقر وعدم القدرة على رعاية النفس، والتواطؤ بين المستخدمين في تأكيد مشهد مزاد سوق العبيد، يثبت ديناميكية واستمرار الخيال العنصري والقاموس اللغوي الاستعماري بشأن السود وإيمان العنصريين بتفوقهم عليهم بسبب اختلاف اللون.

 

خلل قضائي

تقدم غيريهو بشكوى إلى الشرطة الوطنية، وبالفعل حددت هوية الفاعلين وهم ثلاثة مواطنين إسبان، لكن القاضي في البداية اتخذ قراراً بحفظ القضية وأرشفتها لعدم اعتبار ما وقع جريمة عنصرية، فلم يستسلم غيريهو وقدم طعناً، وعقب أشهر قليلة، اعتقلت الشرطة ثلاثة أشخاص بحسب ملف القضية رقم 2072/2016 الذي اطّلع عليه "العربي الجديد"، وحكم في 14 يوليو/تموز 2022 على اثنين منهم بالسجن لمدة عام وثلاثة أشهر ودفع غرامة بقيمة ستة يوروهات كل يوم لمدة تسعة أشهر، أي ما يعادل 1620 يورو، وتعويض الناشط بمبلغ قدره 3 آلاف يورو، بالإضافة إلى حرمان أحد المدانين من ممارسة مهنة التدريس لمدة أربع سنوات وثلاثة أشهر، على اعتبار أنه كان مدرساً وقت قيامه بالفعل الإجرامي، وتبرئة آخر، ومع أن المدانين طعنوا على الحكم.

الصورة
هجمة كراهية شرسة بحق ناشط إسباني (العربي الجديد)
العبارات التي هاجم بها إسبانيون الناشط موها غيريهو تمثل تواطؤًا بينهم في تأكيد مشهد مزاد سوق العبيد (العربي الجديد)

لكن الناشط الحقوقي يشعر بالرضا، على حد تعبيره، "لأن العدالة قد تحققت أخيراً في قضية تتعلق بالعنصرية، وتعد بمثابة نصر للمجتمع المهاجر، وتحذير العنصريين من ارتكاب جرائمهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي". وهو أمر لا يتساوى في حالة مقارنته بارتكاب الجريمة ذاتها في العالم الحقيقي بدلاً من الافتراضي، ويقتضي تشديد العقوبات على مرتكبيها، كما ترى آنا بيبانغ غونثاليث، المستشارة في دائرة شؤون الهجرة والمطّلعة على قضية غيريهو، موضحة أن وصفه بـ "الرجل الأسود القذر" في مقهي ليس كفعل ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ يصل المحتوى إلى عدد أكبر من الناس، وبالتالي فإن الضرر والتأثير أخطر.

كيف يتصاعد خطاب الكراهية في إسبانيا؟

ينشط المرصد الإسباني لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب OBERAXE (حكومي يتولى مراقبة خطاب الكراهية في إسبانيا على خمس شبكات اجتماعية)، في مواجهة خطاب الكراهية، إذ رصد خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضي، 586 منشوراً يتضمن خطاب كراهية، وتم حذف ربعها عبر المنصات، بناء على إخطارات المرصد، وتصدر "فيسبوك" عدد الإخطارات بـ151 بلاغاً، تلاه موقع "X"  بـ147 بلاغاً، و109 "إنستغرام"، و93 على "يوتيوب"، و86 عبر "تيك توك". كما وثق المرصد 651 محتوى يتضمن خطاب كراهية، في شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان، وجرى حذف 21% منها، وتصدر "فيسبوك" البلاغات بـ 200 حالة، تلاه موقع "X" بـ 147 منشوراً، و"تيك توك" بـ 119 مقطعاً، و"يوتيوب" بـ 97 مقطعاً، و"إنستغرام" بـ 88 منشوراً.

15.286 جريمة كراهية حققت فيها الشرطة منذ عام 2014 وحتى 2023

ويتنامى خطاب الكراهية بشكل مستمر في إسبانيا، استناداً لما تكشفه إحصائيات وزارة الداخلية التي أعلنها الوزير فرناندو غراندي مارلاسكا في اجتماع لجنة مراقبة خطة العمل الثانية لمكافحة جرائم الكراهية في 31 يناير 2024، إذ ارتفعت الشكاوى المتعلقة بجرائم الكراهية خلال عام 2023 بنسبة 33.1%، بينما تلقت الجهات الأمنية 1606 بلاغات حول خطاب الكراهية بشكل عام، و604 منها تتعلق بالعنصرية وكراهية الأجانب، مقارنة بـ 1207 بلاغات كانت قوات الشرطة قد تلقتها في عام 2022.

وسجل عام 2022 أكبر عدد من إجمالي جرائم الكراهية، إذ بلغت 1869 واقعة، من بينها 755 جريمة متعلقة بالعنصرية وكراهية الأجانب تحديداً، في حين كان الإجمالي 1802 حالة عام 2021، منها 639 جريمة عنصرية وكراهية للأجانب، بينما في عام 2020، بلغ عدد جرائم العنصرية وكراهية الأجانب 458 واقعة، من أصل 1401 حادثة، وتشمل هذه الحوادث والجرائم الاعتداءات الجسدية، والتهديدات، والإيذاء، أو الانتهاك للكرامة، وتحريض على الكراهية، بالإضافة إلى المعاملة المهينة والإذلال، وفقاً لتقرير تطور جرائم الكراهية في إسبانيا لعام 2022، الصادر عن وزارة الداخلية.

وحققت أجهزة الشرطة في 15.286 حادثة وجريمة كراهية منذ عام 2014 وحتى 2023، وخلال تلك الفترة، بلغ عدد جرائم العنصرية 5.449 حادثة، ولا تشمل هذه الإحصائيات ضحايا الهجمات العنصرية من المهاجرين الذين يعيشون في إسبانيا بطريقة غير شرعية إذ يخشون الإبلاغ خوفاً من الترحيل، بحسب تقارير وزارة الداخلية العشرة التي راجعها "العربي الجديد".

 

المعلومات المفبركة سلاح العنصريين

يهدف تزوير المعلومات ونشر الأخبار الخاطئة حول المهاجرين إلى تشويه صورتهم، وخلق العداء تجاههم وصولاً إلى استهداف ورفض وجود مجموعات محددة منهم، بعد تشويه صورتهم الذهنية، كما ترصد مادي روبنسون، عضو فريق التحقيق والبحث في منظمة SOS Racismo Madrid، التي تقدم مثالاً لمسته على دور الأكاذيب والمعلومات المضللة في بناء تصور جماعي يبرر العنف والتمييز، إذ كلما يجري اقتراح فتح مركز للقاصرين في حي معين، يعارض الجيران بشدة، ما يعكس الانطباعات السلبية والخوف المغلوط من هؤلاء الشبان.

ومن بين الأخبار الزائفة التي لاقت تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ما نشر في مقطع فيديو حول حصول مهاجر قدم من موريتانيا إلى إسبانيا في عمر الـ64 عاماً، على راتب تقاعد قدره 720 يورو شهرياً بعد عمله لمدة عامين فقط، الأمر الذي كشف زيفه فريق التحقق في مؤسسة مالديتا (مختصة بالتحقق من المعلومات)، وأوضحوا أنه يجب على الفرد العمل لمدة لا تقل عن 15 عاماً، بالإضافة إلى امتثاله لسلسلة من الشروط الأخرى للحصول على معاش التقاعد.

وصنّف فريق المؤسسة 929 منشوراً أو محتوى مرتبطاً بالهجرة والعنصرية، وباستخدام منهجية التحقق من المعلومات، جرى التأكد من أن 161 من بينها "خادعة" أي معلومات مضللة، وجرى توضيح حقيقة 38 منها، عبر نشر الشروحات تحت عنوان "ماذا نعرف؟"، وجرى تصنيف 8 منها تحت فئة "لا يوجد دليل"، وفقاً لبيانات المؤسسة التي تلقاها "العربي الجديد" عن الفترة بين يناير 2022 وحتى مطلع عام 2024.

ومن تلك الحسابات التي دأبت على نشر أخبار مضللة بهدف إذكاء الكراهية بحق الأجانب والتحريض عليهم، حساب لويس بيريز فرنانديز LUIS PEREZ FERNANDEZ على إنستغرام، العضو المنتخب حديثا في البرلمان الأوروبي بعد حصوله على مقعده رئيساً للقائمة Se Acabó la Fiesta، والذي يتابع حسابه باسم alviseperez أكثر من 900 ألف شخص، وأُوقف حسابه عدة مرات بسبب مخالفته قواعد المنصة، كالفيديو الذي زعم فيه أن 99% من حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية والسرقات العنيفة يرتكبها أشخاص غير إسبان، كما جرى التحقيق معه قضائياً في عدة مناسبات بتهمة الكذب والتضليل وجرت إدانته بنشر تغريدات كاذبة  في مارس 2023، بحسب ملف القضية 155/2023 الذي اطلع عليه "العربي الجديد".

 

متى ولماذا تنتشر الظاهرة؟

يشجع عدم تمكن الشرطة من تحديد هوية المتورط في نشر الخطاب العنصري، أو إرسال رسائل كراهية على وقوع المزيد من الجرائم، كما جرى للإسباني من أصل مغربي يوسف أولاد، الناشط في مناهضة العنصرية الذي يعمل مسؤول قسم مكافحة التمييز في منظمة Rights International Spain (غير حكومية)، إذ تلقى رسائل عنصرية من حساب باسم وهمي على منصة "X"، بعد نشره تغريدة في 15 مارس 2019، أدان فيها من يبررون هجوماً طاول مسجداً في نيوزلندا، ويدعون "للحرب المقدسة"، كما تساءل في التغريدة عما إذا كانت الشرطة سوف تفتح تحقيقاً بتهمة "الترويج للإرهاب"، ووصل الأمر أن جاءته رسالة فيها صورة مسدس وعبارة: "احذف هذه التغريدة وإلا سوف آتي شخصياً إلى منزلك واقتلك مع عائلتك".

الصورة
تهديد بالقتل تلقاه الناشط في مناهضة العنصرية، يوسف أولاد (العربي الجديد)
تهديد بالقتل تلقاه الناشط في مناهضة العنصرية، يوسف أولاد (العربي الجديد)

ويتنامى خطاب الكراهية تزامناً مع الانتخابات التي تعد من أهم مواسم التحريض على المهاجرين، بحسب ما وثقه ميكيل راموس، المحلل والباحث في خطاب الكراهية، ومؤلف كتاب مناهضة الفاشية، الذي لفت إلى أن اليمين المتطرف أدخل قضايا الهجرة واللجوء إلى صلب مخاوف المواطنين، إذ يركز خطاب حملاته الانتخابية على اتهامهم بمهددي الأمن والثقافة والموارد العامة، وتجريدهم من إنسانيتهم، وادعاء عدم رغبتهم في الاندماج، وتجريمهم وإلصاق الإرهاب بهم، وخاصة لدى وقوع هجمات في أوروبا، بحسب ما جاء في تقرير بعنوان: خطاب الكراهية على الشبكات الاجتماعية: أين الدولة من هذه القضية؟، والصادر عن بلدية برشلونة في ديسمبر/ كانون الأول 2017، محذراً من خطورة الرسائل المتطرّفة والكارهة للإسلام على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنتشر بشكل هائل بعد وقوع حوادث، مثل سلسلة الهجمات التي أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن تنفيذها في باريس بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، إذ تصدر حينها هاشتاغ "اقتلوا كل المسلمين"، اللغة الإسبانية.

تصدّر "فيسبوك" البلاغات بشأن نشر محتوى كراهية منذ بداية عام 2024

"وتعتبر ممارسة الاستفزاز إحدى استراتيجيات اليمين المتطرّف الفعّالة للتحريض على الكراهية، حيث ينتهي ذلك بالعديد من الناشطين والصحافيين والمحللين في المساهمة في نشر المحتوى الذي يستهدف المهاجرين ويحرّض عليهم"، بحسب راموس الذي يطرح مثالاً على ذلك، من خلال اللافتة "المثيرة للجدل"، والتي وضعها حزب فوكس اليميني المتطرف في محطة مترو "سول" وسط مدريد في عام 2021، وتظهر صورة لمسنّة إسبانية مع قاصر مهاجر، ومكتوب عليها: "قاصر مهاجر 4700 يورو في الشهر، بينما معاش جدتك 470 يورو". ويشير الباحث إلى أن هذه الحادثة التي تحولت إلى حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت جزءاً من حملة الانتخابات الإقليمية للحزب المتطرف في إبريل/نيسان 2021، ما خدم أهدافه في الانتشار والترويج، في توقيت هام. ويعلّق راموس بقوله: "هناك دائماً مجموعات يشير إليها اليمين المتطرف باعتبارها تشكل تهديداً للأمن والثقافة والموارد العامة، لذلك يستخدمون أي صيغة تحت تصرفهم لتقديم هذه المجموعة على أنها تهديد لجوانب مختلفة، اقتصادية وثقافية، وذلك عبر تجريدهم من إنسانيتهم، أو بالقول إنهم لا يعرفون كيف يندمجون، إنهم مجرمون، إنهم إرهابيون، إنهم قذرون، لا يمكنك الوثوق بهم".

الصورة
كارتيل عنصري
حزب فوكس اليميني يحرض على الكراهية عبر لافتة وُضعت في مكان عام وسط مدريد خلال حملته الانتخابية عام 2021، كُتب عليها: "قاصر مهاجر 4700 يورو في الشهر، بينما معاش جدتك 470 يورو" (العربي الجديد)

ولا يحصر غيريهو خطاب الكراهية في اليمين المتطرّف فحسب، بل يرى أنها مشكلة هيكلية في المجتمع الإسباني بأكمله، مشيراً إلى أن هناك صورة نمطية تروج لافتراضات سلبية حول المهاجرين والسود والمسلمين، ما يؤثر على تعامل المجتمع معهم، ويتفق معه راموس بشأن هذه المشكلة الهيكلية، ويشير إلى أن الهوية الثقافية الإسبانية قد بُنيت على أساس كراهية الإسلام ومعاداة السامية، ويستفيد اليمين المتطرف بشكل كبير من هذه الأفكار المسبقة، حيث أصبحت الإسلاموفوبيا تشكل النقطة المحورية لخطابهم.

وسائل سريعة لترويج خطاب الكراهية

تعتبر التطبيقات، مثل "واتساب" و"تليغرام" و"X" و"تيك توك" و"يوتيوب"، وسائل سريعة ومجانية لنشر الكراهية، إذ يجرى تبادل المعلومات المضللة عبرها، وهو ما يؤدي إلى تقليل قراءة الصحف ومشاهدة التلفاز، كما أن خوارزميات هذه الوسائل تميل إلى تعزيز المحتوى المثير للجدل والمخيف، ليجذب انتباه المستخدمين ويحقق تفاعلاً كبيراً، بحسب توضيح راموس.

ويؤكد  تقرير "الكراهية على تويتر: التقاطع بين النوع الاجتماعي والعنصرية" الصادر عن معهد نوفاكت Novact (غير ربحي يهدف لمكافحة العنف وتعزيز السلام)، ما جاء به راموس، مبينا أن خطاباً مثل هذا يحقق شروط الانتشار الفيروسي والربح المالي بشكل أفضل، لذلك تستفيد جهات فاعلة من هذا التوافق بين الخوارزميات والرسائل التمييزية العنصرية، بهدف تعزيز تأثيرها على الشبكة، واصفاً رسائل الكراهية بأنها "طعم مغرٍ لجذب الأفراد عبر الإنترنت وتعزيز استهلاك المحتوى، وعلى سبيل المثال، فإن المضامين التي تحظى بالجدل أو تثير غضب المستخدمين تكون لها تأثيرات أكبر على الشبكة، سواء بسبب الموافقة عليها أو الاستياء منها".

الصورة
حساب على إكس (إكس)
خبر كاذب حول إنفاق مقاطعة مورسيا في إسبانيا مبالغ باهظة لدعم القاصرين الأجانب غير المصحوبين بوالديهم (X)

ورصد معدا التحقيق حسابات ارتبطت بنشر أخبار مضللة ضد المهاجرين والمسلمين مثل كاسو ايسلادو Caso Aislado على "X"، الذي يحظى بأكثر من 62 ألف متابع، ويعرّف نفسه بأنه منصة لتحليل الأحداث الجارية واتجاهات الهجرة غير الشرعية، ومنصة ميديتيرانيو ديجيتال Mediterraneo Digital التي يتابعها 90 ألف شخص، وتتمحور غالبية الأخبار التي تبثها هذه الحسابات حول الأعمال العنيفة وغير القانونية التي ينفذها المهاجرون، ويقومون بنشرها عبر الصور ومقاطع الفيديو أو الرسائل المكتوبة، ومن بين الشائعات التي نشرها حساب كاسو ايسلادو في عام 2019، زعمت أن مقاطعة مورسيا في إسبانيا أنفقت بين 18 مليون يورو و 38 مليوناً لدعم القاصرين الأجانب غير المصحوبين بوالديهم الذين يأتون من دول شمال أفريقيا بشكل غير قانوني، ومع ذلك، فإن هذه الشائعة نفتها مؤسسة مالديتا المتخصصة بالتحقق من المعلومات بعد التحري.

الصورة
أخبار مضللة (إكس)
إذكاء الكراهية عبر فبركة أخبار حول تورط القاصرين الأفارقة بضرب رجل حتى الموت في مدينة مدريد (X)

وتعمد المنصات السابقة إلى نشر عناوين مثل "13 مغربي يغتصبون طفلة تبلغ من العمر أربعة سنوات"، ثم يقومون في اليوم التالي بتغيير الأرقام ونشر العنوان نفسه مع أرقام جديدة، كما في مثال "19 مغربي يغتصبون طفلة تبلغ من العمر ثمانية سنوات"، وفي ما يتعلق بمقاطع الفيديو، يقومون بإعادة نشر مقاطع قديمة في دول أخرى ويدّعون أنها في إسبانيا، ما يخلق تفاعلاً كبيراً على هذا المحتوى من دون الإشارة إلى الجغرافيا الحقيقية، بالإضافة إلى ذلك، هناك حسابات تقوم بشراء العلامة الزرقاء لانتحال صفة وسائل إعلام لنشر معلومات مضللة واستخدام الآلاف من الروبوتات في إعادة تغريد هذه المعلومات في لحظات حرجة، وفق خوليان ماثياس، المتخصص في تحليل المعلومات المضللة ويدير منصة Pandemia Digital للتحقق.

 

إنتاج الكراهية عبر التعليم

"تشكل الأوساط الأكاديمية وسطاً حاضناً للعنصرية في بعض الأحيان، فالكثير من الصور العنصرية موجود بالمناهج الدراسية" بحسب راموس.

ورغم أهمية أن يكون التعليم الوسيلة الرئيسية لمكافحة هذه الكراهية، على أن تكون الإجراءات القانونية آخر ملاذ لمحاربة هذا الخطاب، كما ترى كريستينا أورتيغا، الحاصلة على الدكتوراه في القانون الدستوري والمتخصصة في الهجرة وخطاب الكراهية وتعمل في جامعة ميغيل إيرنانديث في مدينة إلتشه Elche في إقليم أليكانتي جنوب إسبانيا، لكن الواقع مختلف كما يكشف تقرير: تعلم العنصرية، الهياكل العنصرية في الكتب المدرسية، الصادر عن منظمة SOS Racismo Madrid  عام 2022، إذ حدد من خلال مراجعة كتب مدرسية الروايات التي تعزز التحيزات لدى الأطفال: على سبيل المثال، يُنتقد الإسلام فقط بسبب معاملته للنساء، ولكن جرى حذف أن التمييز الأبوي نفسه كان أيضاً تقليداً مسيحياً، وتتضمن المناهج انتقادا ملحوظا لنوعية حياة المواطنين الأندلسيين، وفي معظم الأحيان تُوضع هذه الإشارات المتعلّقة بالأندلس في سياق تغطية القرن الواحد والعشرين ومكافحة الإرهاب، وفق ما جاء في التقرير الذي يكشف أيضا عن وجود تحيّزات متعددة خفية في النصوص التي جرت مراجعتها، إذ لا تستخدم صيغة الحديث نفسها عند الحديث عن العالم الأوروبي وعلى سبيل المثال، لوصف المجتمع الإسلامي وغزوات المسلمين، تُستخدم مصطلحات مثل: "دمروا بنهبهم" أو "النساء الخاضعات"، في حين لم تُستخدم هذه التعبيرات عند الحديث عن الفايكنغ الذين دمّروا ونهبوا فعلياً وقيل عنهم في تلك النصوص "استقرّوا" في المناطق التي هاجموها. وتصف المنظمة في تقريرها أن هذه التلميحات "تفتقر إلى عدم المساواة بالإضافة إلى الوحشية المنسوبة للمجتمع الإسلامي". وفي ما يتعلق بالسكان الأفارقة، خلّص التقرير إلى أن الكتب المدرسية تعزز في إذهان التلاميذ صورة أن "أفريقيا مرتبطة دائماً بالفقر والضعف والوحشية".

الصورة
مظاهرة ضد جرائم العنصرية في إسبانيا (العربي الجديد)
متظاهرون يطالبون بوقف جرائم العنصرية في إسبانيا، عقب مقتل الناشط المغربي يونس سليماني (العربي الجديد)

ما سبق من تطرف وعنصرية بنيوية، ينجم عنه تشكيل صور نمطية تصف المسلمين بأنهم إرهابيون ولا يحترمون العادات المحلية، ما يؤدي إلى استبعادهم من المجتمع وصعوبة إيجادهم السكن أو العمل، وفي بعض الحالات، يتعرض المهاجرون والمسلمون للاضطهاد والاعتداءات بسبب هذا الخطاب المثير للكراهية، وفقاً لغيريهو مستشهداً بحادثة الناشط المغربي يونس سليماني، الذي قتل برصاص عميل سابق في الحرس المدني في مورسيا عام 2021، أثناء دفاعه عن نادلة تعرضت لإهانات عنصرية، ويعتبر الناشط هذه الجريمة نتيجة لخطاب الكراهية الموروث، حيث يُفترض أن الضحية مسلم وإرهابي بناءً على مظهره.