"طوابير الجامعات المصرية".. لا أمن ولا تعليم

القاهرة

حسام المحمود

avata
حسام المحمود
11 أكتوبر 2014
+ الخط -
في أول أيامها الدراسية، وقفت آيات إسماعيل - 18 عاماً - في طابور طويل، تنتظر دورها من أجل المرور إلى داخل الجامعة عبر بوابة إلكترونية، وضعهتا شركة فالكون المكلفة من وزارة التعليم العالي بتأمين جامعة القاهرة و14 جامعة حكومية أخرى.

ساعة ونصف ساعة قضتها "آيات" في الطابور الذي تحرك ببطء، بسبب تفتيش بعض زميلاتها، بالإضافة إلى اشتباكات أفراد الأمن التابعين لشركة "فالكون"وعدد من أفراد الأمن الإدارى، "دفعها شعورها بإلارهاق، إلى مغادرة الطابور والتضحية بأول أيام الدراسة" كما قالت لـ"العربي الجديد". تتابع آيات - الطالبة بكلية الحقوق - قائلة "لم أتوقع ما حدث في اليوم الأول بالجامعة، كنت أنتظر دخول الكلية بفارغ الصبر، خاب أملي".

يعد الطابور جزءاً أصيلاً من الثقافة الشعبية المصرية، طوال تاريخه ارتبط بتعطيل قضاء الحاجات وسوء الإدارة والمهانة، التي تبدأ منذ اللحظة الأولى للميلاد وحتى الوفاة، بسبب تعقيدات استخراج الأوراق الرسمية في السجل المدني وإدارة الجوازات، وخلال فترة التسعينات ظهرت طوابير الخبر بقوة ومن بعدها طوابير أنابيب البوتاجاز، لكن يبقى طابور الجمعية هو الأشهر والذي تبارت السينما المصرية في تصويره بأشكال درامية متعددة.

بعد ثورة 25 يناير ظهرت طوابير الانتخابات التي رآها المصريون إيجابية لكونها اختيارية وليست إجبارية.

الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة يشرح لـ"العربي الجديد" أن فكرة الطوابير تاريخياً نشأت في مصر مع وجود نظام يتحكم ويسيطر منذ بداية الدولة، إذ كان الظهور الأبرز في مصر القديمة يتمثل في الصفوف المنتظرة أبواب المدن المصرية للدخول إليها".

وتابع أستاذ التاريخ الحديث: "لفتت الطوابير النظر بعد سيطرة الدولة على المواطن عبر البطاقات التموينية والجمعيات الاستهلاكية، وهو ما سجلته الدراما المصرية في لقطات المصاعد الكهربائية أو المنشآت الحيوية وتخليص الأوراق".

ويضيف عفيفي أن: "وجود الطابور في حد ذاته ليس مشكلة، ففي فرنسا أكبر طابور معروف يوجد أمام بوابة متحف اللوفر، وفي دول أخرى طابور المترو موجود بقوة".

بعيداً عن جامعة القاهرة وفي الإسكندرية، اضطر طلاب جامعة الإسكندرية إلى الوقوف كذلك في طوابير لم يتوقعوها كما قال محمد خضر الطالب بالفرقة الرابعة في إحدى كليات المجمع النظري بالشاطبي لـ"العربي الجديد".

تابع محمد: "اعتدنا الوقوف في طوابير كثيرة خلال عمرنا القصير، من طابور العيش إلى طابور محطة الوقود، وطابور الانتخابات ولكن لم أتوقع طابوراً لدخول الجامعة".

ويرفض محمد أن يقف للتفتيش قائلاً "أنا طالب ولست إرهابياً! لماذا يأتي أحدهم متباهياً بضخامة جسده أو بعصا يحملها ليوقفني بينما أحمل كتبي"، وتوقع محمد تسبب أفراد الأمن في أزمات كبيرة قريباً قائلاً "أعمار أفراد الأمن والطلاب متقارية، وأي إظهار للتحدي بين الطرفين سيتسبب في مشكلات".


وتوافق أسماء محمد الطالبة بالفرقة الرابعة في كلية الآثار جامعة القاهرة الرأي السابق قائلة "تواجهنا خلال الجامعة عدة طوابير منها شؤون الطلاب وخزينة المصروفات وتسلم جدول المحاضرات وطابور استلام الكارنيه".

وتضيف: "لا ينبغي أن يضاف إلي كل ذلك طابور يوقفني أمام بوابة الجامعة في الشمس بغير سبب وجيه".

وبينما لم تبدأ الدراسة اليوم في جامعة حلوان جنوب القاهرة، شاهد محمد رضوان الطالب بكلية التجارة صور زملائه في باقي الجامعات متكدسين يعانون الزحام، وهو ما "أدى إلى شعوره بالتشاؤم" على حد قوله.

يقول رضوان "التعامل مع الطلاب على أنهم مجرمون ليس حلاً، والطوابير تؤخر الطلاب عن محاضراتهم".

من جهة أخرى ترى الدكتورة وفاء محمد فتحي - أستاذة علم النفس جامعة الأزهر - أن "التأثير النفسي لاستياء الطلاب بسبب الطوابير لن يظهر سريعاً "وتطالب الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات باحتواء الطلاب وتوعيتهم بضرورة وأهمية تلك الترتيبات الأمنية" على حد قولها.

ويختلف معها الدكتور عبد الله سرور - الأستاذ بجامعة الإسكندرية ومؤسس نقابة علماء مصر - معتبراً أن "حالة الارتباك الشديد في اليوم الأول من الدراسة في حال استمرارها ستسبب في أزمة دراسية ضخمة".

ويرفض سرور المقارنة بين طوابير العيش والبنزين وطابور الجامعة قائلاً "الأمر سيكون له تأثير سلبي ضخم على الطلاب الجدد، وسيتسبب في مشاجرات بين الطلبة وبعض أفراد الأمن".

ويشير سرور إلي أن الأمن الجامعي المدني القديم سهل الدخول والخروج بعد أن وصلت الطوابير لمئات الأمتار وهو "ما يؤكد فشل الشركة الخاصة الجديدة التي تعاقدت معها بعض الجامعات المصرية ".

التكدس الرهيب يؤثر على العملية التعليمية ويحرم الطلاب المحاضرات(العربي الجديد)


ويعتبر الدكتور هاني الحسيني - عضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات - طوابير الجامعات مؤشراً هاماً على عدم الكفاءة في الإدارة قائلاً "الجامعات، أو بمعني أدق مسؤولو الجامعات يضعون التأمين الهدف الوحيد لهم قبل التعليم، وهو ما سيؤثر كلياً وجزئياً على مستقبل التعليم".

وذكر أن الطوابير الممتدة تؤثر على مواعيد دخول الطلاب للمحاضرات وحضورهم وتحصيلهم العلمي، محذراً من تأثر الطلاب على المستوي النفسي من الترتيبات الأمنية غير المعتادة.

يختتم الدكتور الحسيني قائلاً "دول العالم لا توقف طلابها أمام أبواب المؤسسات التعليمية للتحقق من شخصيتهم لأن الجامعات لا تمنع دخول أي شخص لمكتبتها أو حضور محاضرة".