مصر: السكّر المرّ

القاهرة

نبيل عمرو

avata
نبيل عمرو
25 أكتوبر 2016
+ الخط -
يبحث رب الأسرة المصري، علي سعيد، عن كيلو من السكر، منذ ثلاثة أيام، إذ نفدت تلك السلعة الاستراتيجية من بيته وبيوت جيرانه في منطقة الطالبية الشعبية، التابعة لحي الهرم في محافظة الجيزة، وعلى الرغم من ذهاب علي إلى 12 محلاً مختلفاً، لم ينجح في الحصول حتى على نصف كيلو من السكر، الذي لا يستطيع العيش بدونه، نظراً لارتباطه بتحلية أكواب الشاي، التي تجعله "يحتمل مرارة الحياة وقسوتها" كما يقول.

يلخص سعيد مبررات أصحاب المحال التجارية بأن هذه السلعة صارت رهناً لتجاذبات السوق السوداء، بالإضافة إلى امتناع الشركات الموردة عن توزيع حصص السكر بحجة عدم وجود مخزون لديها.

ويوافقه الرأي مدرس الثانوي عبد الوالي محمود، والذي يسكن في حي الهرم أيضاً، وفشل في الحصول على السكر بعد أن نفد من منزله، قائلاً :"طلبت من أحد البقالين أن يبيعني الكيلو بـ 15 جنيهاً، غير أنه اعتذر بعدم توفره". ويتابع محمود أن قريباً له وفر له كيلوغرامين، عبر وسيط يعمل في سلسلة محال تجارية شهيرة، ونصحه بألا يسعى إلى شراء المزيد، خوفاً من إلقاء القبض عليه، بعدما أعلنت مباحث التموين عن القبض على شخص وبحوزته 10 كيلوغرامات من السكر.


جريمة حيازة السكر

وفقا لمحضر نيابة مصر الجديدة رقم 10876 لسنة 2016، "فقد ألقت قوة أمنية كانت تتفقد الوضع بميدان مصر الجديدة القبض على أحد الأشخاص يحمل كمية من السكر متوجهاً بها لأحد المحال عقب عبوره الطريق". وأضاف المحضر أن "القوة تحركت نحوه وبمجرد الاقتراب منه حاول الإسراع بالدخول إلى المحل، وعند اقترابها عثرت على 10 كيلوغرامات سكر بهدف احتكارها وحبسها عن التداول دون فواتير".
وعقب إحالة القضية إلى المحامي العام الأول لنيابات شرق القاهرة الكلية، أخلى سبيل المتهم الذي اتضح أنه عامل في مقهى بكفالة ألف جنيه (110 دولارات).

بسبب الخوف من اتهامات المستهلكين بإخفاء السكر، دعا عبد الفتاح فرحات، صاحب سوبر ماركت بمنطقة الدقي، زبائنه لتفقد مخزنه للتأكد من عدم وجود السكر، قائلا: "بعضهم اتهمني بإخفاء السكر لتعطيش السوق ورفع الأسعار". وأضاف "الشركة الموردة لم توفر لي ولو حتى 10 كيلوغرامات منذ أسبوعين".

وتابع"المستهلكون ينفعلون علينا وندخل في مشادات كل يوم، ومفتشو التموين يحاصروننا بالحملات التفتيشية ظنا منهم أننا نحتكر السلعة التي لا توفرها وزارة التموين، لمستهلكيها المسجلين على البطاقات التموينية".

محاولة إيجاد السكر في المنافذ التموينية دفعت ربة المنزل مي عزت، لتكرار الذهاب إلى المجمعات الاستهلاكية في محافظة الجيزة، في محاولة لشراء السكر، بعد أن شاهدت أحد برامج "التوك شو" يعلن عن توفير وزارة التموين للسكر بسعر 6 جنيهات للكيلو الواحد، في كل مرة تجد مي زحاما رهيبا، "وحتى عندنا ابتسم الحظ لي وجاء دوري في الطابور الممتد على نصف كيلومتر"، وجدت مي أن الكمية المتوفرة في الجمعية قد نفدت.

700 ألف طن عجزاً

تنتج مصر 2.4 مليون طن من السكر محليا، فيما يصل حجم الاستهلاك إلى 250 ألف طن شهرياً منها 150 ألف طن توزع عبر بطاقات التموين الحكومية، بينما تتم تغطية الكمية الباقية عبر استيراد 700 ألف طن سكر خام سنوياً، أغلبها من البرازيل، بحسب إحصائيات أعلنها وزير التموين والتجارة الداخلية، اللواء محمد علي مصيلحي، والذي أكد في تصريحات صحافية أن الوزارة ضخت 130 ألف طن سكر للقطاع الخاص والتموين من أجل إنهاء الأزمة. غير أن جولة في محافظة الجيزة قام بها معد التحقيق، أثبتت أن هذه الكمية لم تكن قادرة على وقف معاناة الأهالي، إذ بلغ سعر كيلو السكر في حال توفره 13 جنيها (دولار ونصف)، بعدما كان 5 جنيهات (55 سنتاً) للكيلوغرام في بطاقات التموين ونحو 7 جنيهات في السوق (78 سنتا)، وهو ما يثقل كاهل الأسر المصرية التي تحتاج في المتوسط إلى 3 كيلوغرامات شهريا لكل أسرة مكونة من 5 أفراد وفق استطلاع آراء 10 أسر.


تفاقم الأزمة خارج القاهرة

لا يجد الموظف محمد جمعة، القاطن في قرية دبيج التابعة لمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية (دلتا مصر)، أثرا للسكر منذ أكثر من عشرة أيام، عند محال البقالة التي تختص بتوزيع السلع التموينية على المواطنين.

وينتقد جمعة غياب عدالة التوزيع، إذ تهتم الحكومة بسد النقص في المحافظات الكبرى والمدن، بينما تعاني قرى الريف من غياب السلع الأساسية، في ظل حديث وزارة التموين عن حل الأزمة بعد ضخ المزيد من الكميات لسد العجز.

ووفقا لمقاطع فيديو منشورة فإن طوابير الباحثين عن سلعة السكر في محافظة الدقهلية المجاورة للشرقية، تمتد على مرمى البصر، وتؤكد هالة الجمل (مدرسة)، أنها لن تغادر إلى عملها حتى تحصل على كيلوغرامين من السكر المدعم الذي توفره المحافظة، على الرغم من اقتراب ساعة الدوام من الانتهاء.

تبادل الاتهامات

يؤكد الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، أن ارتفاع أسعار السكر العالمية بسبب صعود العملة البرازيلية أمام الدولار وعودة البرازيل (أكبر منتج عالمي للسكر)، لإنتاج الإيثانول الحيوي من السكر بتقنيات جديدة، قلل من المتوفر في السوق العالمية، ما أدى إلى رفع سعره بنسبة 50%، في ظل عجز القطاع الخاص عن توفير الدولار لاستيراد الكميات المطلوبة التي لا يكفي الانتاج المحلي لتغطية العجز منها.
بالمقابل يحمل وزير التموين الأزمة "لتكالب المواطنين على شراء السكر عندما يجدونه متوافرًا في مكان ما رغم عدم حاجته إليه، بالإضافة إلى سلوك البعض في عدم خفض الاستهلاك رغم وجود حالة أزمة في السلعة مما أدى إلى تفاقمها"، بينما يرى أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أن الإجراءات الحكومية لمواجهة أزمة السكر، تعد سببا أساسيا في تفاقم واستمرار الأزمة، واصفا تلك الإجراءات في تصريحات صحافية، بـ"البوليسية والعقيمة؛ والتي تسببت في خلق السوق السوداء"، في إشارة إلى مصادرة السكر الموجود في مخازن بعض مصانع الحلويات ومحلات السوبر ماركت.

وتسيطر على إنتاج السكر في مصر شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية (Esiic)، التي تعد إحدى شركات القطاع العام، بعد تأميم مصانع ومصافي السكر الخاصة في العام 1963، فيما يتم توفير الكمية الباقية عبر مصنعين لتكرير وتعبئة السكر الخام المتسورد، مملوكين للقطاع الخاص.


التموين: ممنوع حيازة أكثر من كيلوغرامي سكراً

يؤكد العربي أبو طالب رئيس الاتحاد العام لمفتشي التموين والتجارة الداخلية، أنه لا يحق تنفيذ الضبطية القضائية أو القبض على مواطن أو أي شخص يحمل ما يزيد عن كيلوغرام من السكر طالما أثبت أنه يستخدمها في العمل وبحوزته فواتير شرائها. وأضاف أبو طالب لـ"العربي الجديد": "ممنوع حيازة أكثر من كيلوغرامين من السكر لكل شخص، وهو الحد الأقصى لاستخدامه خلال شهر". وتابع "من يتم ضبطه بأكثر من هذه الكمية المقررة من قبل وزارة التموين، عليه تقديم فواتير الشراء الرسمية وسببه، وإلا دخل ضمن من تطبق عليهم عقوبة الاحتكار بنص قانون التموين. وأشار إلى أن من يعملون في المقاهي ومحلات الحلويات من حقهم حيازة أكثر من 10 كيلوغرامات من السكر، ولكن بشرط إثبات فواتير الشراء وسبب الاستخدام.

وبحسب وزارة التموين المصرية، فإن حصة الفرد المقررة من السلع الأساسية التموينية شهريا، تتكون من نصف كيلو زيت، كيلو سكر، كيلو أرز، ويبلغ عدد البطاقات التموينية في مصر، 21 مليون بطاقة مقيد بها 71 مليون مواطن من إجمالي المصريين البالغ عددهم قرابة 90 مليونا.


عقوبة الاحتكار وبيع السلع التموينية

يخضع المتلاعبون في السلع التموينية للقانون رقم 95 لسنة 1945 وتعديلاته والخاص بشؤون التموين، وبحسب شوقي السيد أستاذ القانون في جامعة القاهرة، فإن من يثبت ضدهم تهمة الاحتكار أو بيع سلعة تموينية خارج الإطار الرسمي لها أو بأسعار تزيد عن سعرها الذي حددته الدولة لتلك السلعة، يخضعون للمحاكمة بموجب نص المادة 56 من قانون التموين التي تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة جنيه (33 دولاراً) ولا تجاوز ألف جنيه (110 دولارات) على كل مخالفة ترتبط بسلعة من السلع التي تدعمها الدولة ويحددها وزير التموين والتجارة الداخلية.

وفي حالة العود تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى فإذا كان قد سبق الحكم على العائد مرتين بالحبس والغرامة ثم ثبت ارتكابه جريمة معاقبا عليها بالحبس والغرامة معا. وفي جميع الأحوال تضبط السلع موضوع الجريمة ويحكم بمصادرتها كما يجب الحكم بإغلاق المحل مدة لا تجاوز ستة أشهر.

ويوضح أستاذ القانون في جامعة القاهرة، أنه إذا كان من تم ضبطه بالسلعة التموينية، شخصا وليس مؤسسة، تتم معاملته قانونا على أنه مؤسسة بتحريز المضبوطات وغلق المكان الذي يقوم ببيع السلعة فيه، وبموجب هذا القانون فقد حررت مباحث التموين 700 محضر وقضية بخصوص تهريب السكر خلال الشهر الماضي، كما يؤكد كريم جمعة معاون وزير التموين والتجارة الداخلية، إلا أن الأزمة ما تزال مشتعلة، كما يقول المهندس ورب الأسرة أحمد عزمي، متابعا "طوابير السكر صارت معاناتنا الجديدة".