جسور الحبّ: رشوة القدر؟ أم شراء الأمل؟

02 اغسطس 2015
رشوة القدر في ألمانيا (Getty)
+ الخط -

هل هي مجرّد الرغبة في إعلان هذا العشق أمام العالم كلّه؟ أم هي الرغبة في تملّك الحبّ الذي يجعلنا نرى أنفسنا جميلين ومتوازنين؟ تراه من خلال تملّك العشيق نفسه تكون فكرة أقفال الحبّ التي تنتشر كثيراً على جسور في كلّ من باريس وألمانيا وروما؟

هي مثل خاتم الزواج أم أنّها رشوة نقدّمها إلى القدر كي يبقي على هذا الحبّ الذي يشكل ضياعه أو فقدانه أكبر ذعر تعانيه النفس البشرية الضعيفة؟ رعب هو الخوف من دنوّ الانفصال. فهل هذه الأقفال ورمي مفاتيحها في النهر المجاور يقتل شبح موت الحبّ أو فقدانه؟ أم أنه يشتري الأمل باستمرار هذا الوهج وهذه النار التي تحمي الروح من صقيع الحياة.

اقرأ أيضاً: مدينة الجسور

هنا في كولن، هذه المدينة الألمانية الساحرة، التي يمرّ بها نهر الراين، فيسقيها رطوبة وجمالاً، تسقيه هي بدورها جسوراً ومفاتيح لقلوب ربما سقطت مع مفاتيحها فيه. هنا على هذا الجسر، هنا يأتي العشاق من كلّ أنحاء ألمانيا وحتّى أوروبا كي يشتروا قفلاً يحاول كل اثنين أن يكون مميّزاً كحبهما وأن يكون ملوّناً كحبهما أو كبيراً أو أن يحفرا اسميهما عليه، أو مثلاً أن يكون قلباً بسلاسل طويلة أو قفلاً على شكل قلب، ليصبح هذا الجدار، المصنوع أصلاً من شبك حديد، لوحة من ألوان، وتنوّعاً من خفقان ورفرفة.



هنا قد لا تجد مكاناً لقلبك أو حتّى لإصبعك على هذا الجدار فوق هذا الجسر. إذ سبقتك القلوب التي سكنها العشق وأعطاها أجنحة والتي عادت هي نفسها تشتري قفلاً وترمي مفتاحه في النهر كي تسجن نفسها به.

أتكون حريتنا هي سجننا الأكبر، وهل تكون أجنحتنا هي ذاتها سلاسلنا؟ وهل تكون حقيقية الحياة؟ تلك التي نعيشها في هذه المسافة بين السجن والحرية؟ كل هذه الأسئلة تصرخ في روحك دفعة واحدة حين تشاهد هذا العدد المذهل من الأقفال على هذا الجسر.

اقرأ أيضاً: سرينغار.. مدينة المتصوّفين وشهر عسل المتزوجين

لم يزل جسر كولون يحتمل ثقل الأقفال الحديدية التي يزيد عددها عن 100 ألف قفل. يتحمّل معها ثقل القلوب التي مشت عليه. وقد كانت مجرد فكرة إزالة الأقفال، بسبب تزايد ثقلها، كافية لتثير عاصفة في الصحافة الألمانية. لذا قرّرت البلدية عدم تحريك أيّ قفل والإبقاء على هذا الجسر الذي أصبح مصدر جذب أكبر عدد عشاق من حول العالم كي يقوموا بهذه التعويذة التي يشترون بها المستقبل المجهول.

أما في باريس، مدينة الرومانسية والموسيقى، فقد ازداد عدد الأقفال التي كانت على جسر الفنون الشهير. ذاك الذي لم يعد يستطيع تحمّل أوزانها وأوزان القلوب التي في داخلها، ما دفع بلدية باريس إلى إزالة أطنان من الأقفال عن هذا الجسر خوفاً من سقوطه. بالرغم من سخط الصحافة والناس.

أما في روما، فلم تزل أقفال الحب موجودة على الجسر الشهير: جسر الحبّ. ويُعتقد أنّ هذه الظاهرة قد بدأت عليه قبل أن تنتقل عدواها إلى كل جسور القارة العجوز.

لم تكن الجسور وحدها هي المكان الذي توضع عليه أقفال القلوب هذه. فهناك من يضعها على الأشجار ويدفن المفتاح في الأرض. وهي محاولة جديدة لرشوة القدر والحياة.

اقرأ أيضاً: جسور الحبّ والانتحار

هنا يرشو الزوجان القدر كي يبقي على حبّهما مشتعلاً. يقطعان المسافات ويصرفان النقود. ونحن هناك نحاول أن نرشوه بكلّ تعويذات الأرض كي يبقي أبناءنا على قيد الحياة وألا نشتري لهم أكفاناً بدلاً من قلوب الحب. نحن السوريون حين نصل بعد هذه التغريبة إلى أحد هذه الجسور في أوروبا، نرمي قلوبنا كاملة في البحر، ونترك المفاتيح في جيوب القمصان، معلّقة في الخزائن، ولن يلبسها أحد بعد الآن.
المساهمون