نجوى نمري: الغناء والتمثيل معاً

11 أكتوبر 2018
الفنانة في فيلم "من سيغني معك؟" (IMDB)
+ الخط -
يتردّد اسم نجوى نمري (1972) في أروقة السينما الأوروبية بكثرة في السنوات الأخيرة. ظهورها اليوم في الفيلم الذي عرض ضمن دورة "سينما إسبانيا" الثالثة والعشرين في تولوز، جعل الجمهور الفرنسي يكتشف المغنية الأردنية - الإسبانية، كممثلة في دور أول بعد مشاركات سابقة في أكثر من 30 فيلماً، كما في فيلم "افتح عينيك" (1997) الذي أدت فيه دوراً أمام بينيلوبي كروز. وتعد أدوارها على تنوعها متداخلة التعبير عن حيوات باهرة ومهشمة في آن.
نمري، التي يكاد لا يعرفها الجمهور العربي إلا لماماً، من خلال مقالة تُتّهم بها بالتهرّب من أصولها العربية، وتوجز القليل عن براعة صوتها وأدائها الفني (تمثيلاً وغناء)؛ فهي مغنية ومؤدية استعراض وممثلة من أصول أردنية، دخلت عالم التمثيل من باب الصدفة، إلا أنها اليوم أثبتت جدارتها في دور أول في الفيلم الذي يعرض حالياً بعنوان: "من سيغني معك؟".
الفيلم يروي قصة ليلا، وهي مطربة مشهورة، تفقد ذاكرتها إثر حادث غرق. تحاول العودة للغناء بمساعدة مقلدة مجهولة تدعى فيوليتا. وتواجه ليلا في الوقت نفسه دوامة ماضيها ومشاعر الذنب والتفكك النفسي في استعادة نجوميتها. ويبدو هذا الفيلم واحداً من أكثر أعمال المخرج الإسباني كارلوس فيرموت نضوجاً، وغير منفصل عن عوالم أفلامه السابقة التي يسكنها أناس ذوو سلوكيات تثير الخيال وتعيش يوميات تتناقض مع واقعها المرير ومتجاوزة عقدها النفسية من خلال التحايل على الزمن.

وشكّلت نمري ثنائياً مميزاً مع الممثلة ليفا ليوراش، بمشاركة المخضرمة كارم إيلياس في هذا الفيلم الذي يعبر بنا إلى أسئلة وجودية حول الحياة والموت والفقد وصيرورة الاكتمال ومعاناة الفرد أمام تشظيات حاضره ومطاردته لأشباح الماضي. وتشكل شخصية ليلا مسالك الحبكة وعقدها. إلا أن نمري تفوقت في أداء هذه الشخصية المحورية، أمام ممثلتين معروفتين جداً في السينما الإسبانية، وتعدان أحد وجوهها النسائية الأكثر شهرة. وجاءت البطولة كثيرة الفضول ومثيرة للجدل. فالدور لا يبتعد كثيراً عن شخصية نمري الفنية؛ حيث الغناء عالمها الأول. تتركه وتعود إليه. وفي رصيدها سبعة ألبومات متكاملة باللغتين الإسبانية والإنكليزية، وثماني أغنيات منفردة. وجاء الاختيار موفقاً، حيث استخدم المخرج أغاني نمري الأصلية لتحاكي ليلا، بطلة الفيلم. لا سيما أن الموسيقى التي تقدمها نمري تتنوع بين الإلكترو والبينك روك.
إلا أن نجاح الشخصية لا يرتكز فقط على موهبة الصوت لدى نمري، بل أيضا كاكتشافها كممثلة في دور أول، وليس كمشاركة ثانوية كما في فيلم "القفز في الفراغ"، الذي قدمها لأول مرة إلى المشاهدين. فهي برعت في تقديم ليلا، المنكسرة والمتعاطفة مع فيوليتا وعالمها الممزق في التشبه بها وبصورتها اللامعة لدى جمهورها كمغنية غير مألوفة، وأيضاً في تحويل المشاعر الخاصة إلى حركات منطوقة في الوجه والجسم وبين نوبات الهلع والدهشة.

وعلى الرغم من الصور البراقة للشخصيات، لا سيما البطلة ليلا، إلا أن هالة المأساة تطارد هذه الصور المصقولة. وتعبر بنا هذه المأساة إلى تاريخ كل من ليلا وفيوليتا وخيبات كل منهما في عالمين مختلفين، تعكسان بالضرورة صورة المرأة المنهزمة أمام نفسها وأحلامها وأيضاً في تطلعها لبناء "كينونة" مستقلة بها. فليلا التي لم تستطع أن تمزق صورة أمها الفنانة، إلا بقتلها بغرامات الكوكايين، لتعبر إلى تحقيق شهرتها لاحقاً، لا تبعد كثيراً عن صورة فيوليتا التي تدفع ابنتها لقتل نفسها أمام عينيها لتحقق الأخيرة حلمها بالغناء أمام ليلا. واحد من أحلامها الذي طاردته كل هذه السنوات وتركها في النهاية أمام نشوة الموت كمنتحرة في لجج البحر. إذاً، هذه حكاية الشهرة والصورة اللامعة عنها وعوالمها الشيقة. هناك حيث الذنب يتحول إلى حيوان متوحش يأكل الرأس.

يشار إلى أن نمري برزت كمغنية من خلال عملها المشترك مع كارلوس جان، حيث أسّسا معاً فرقة "نجوى/ جان"، وأصدرا معاً أغنيات "نو بلوود" و"آسفالتو" و"بونزو"، وغيرها، إلا أن نجوى أصدرت لاحقاً منفردة سبعة ألبومات، أولها "كورفلي" (بعناية) في عام 2001. إلا أن البومها الأكثر شهرة هو "آخر مرة" باللغة الإسبانية (الصادر في عام 2010) والذي اختيرت منه أغنية "كومو أن أنيمال" في بداية الفيلم.

تعيش نمري حالياً في العاصمة مدريد، رزقت بطفل في عام 2004 وسمّته تيو من زوجها السابق المخرج والكاتب دانيال كالبارسورو. ولدت في نفارا وعاشت طفولها في مدن الباسك (شمال إسبانيا)، وانتقلت لاحقاً إلى بلباو. والدها أردني يدعى كرم نمري ولها شقيق اسمه كريم، وأخ غير شقيق (أندريه) وأختان غير شقيقتين (سارة ونادية). ولنجوى ابن عم مغنٍّ بريطاني - أردني ومشهور بـ"أنتيكس"، واسمه ألكسندر نيميير.
أصبح اسم نمري بمثابة علامة جودة للأفلام التي تشارك فيها، فهي حصلت على تقدير النقاد والجمهور وأصبحت بشهادتهم فنانة درامية من الدرجة الأولى. حتى إنها راحت تقترح على السينمائيين الذين يختارونها لأفلامهم، تولّيها تأليف الموسيقى التصويرية لهذه الأفلام وترديد اللحن المميز للفيلم في كل مرة، بصوتها. وإذا كان هناك عدد من المخرجين لم يوافق على الاقتراح، إلا أن العدد الأكبر منهم وافق عليه، ما يعني وجود بصمات نمري الموسيقية والغنائية على العدد الأكبر من الشرائط التي تظهر فيها كممثلة.
دلالات
المساهمون