رشاد طمبورة... اعتيادية القمع في دولة قيس سعيّد

01 اغسطس 2024
رفعت صورة طمبورة في ملاعب كرة القدم (فيسبوك)
+ الخط -

يقضي الفنان التونسي الشاب رشاد طمبورة الذي اعتقل في 17 يوليو/تموز 2023 حالياً عقوبة بالسجن مدة سنتين، بعد رسمه على الجدران غرافيتي يندد بعنصرية الدولة اتجاه المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء، وقد أصبح رمزاً لقمع خفي يتعرض له الشباب في تونس، والذي يتجاوز دوائر المعارضين السياسيين، وتزداد وتيرته مع الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

في شوارع مدينة المنستير الساحلية على بعد 160 كلم جنوب تونس، تزين رسومات رشاد طمبورة (28 عاماً) الجدران، وهي أحياناً نصف ممسوحة. إنه أثر متكتم لهذا الفنان المسجون منذ سنة. تشهد جدارياته، والتي هي غالباً إشادة لمناصري نادي كرة قدم مدينته، أيضاً، وفق شقيقته نهلة، على واقع أنه "لم يكن يواجه أبداً مشكلة في رسم الجداريات من قبل. يعرفه الجميع، حتى أنه كان يرسم جداريات بعض المقاهي أو أكشاك الأطعمة وسط المدينة".

"من قبل"، إشارة إلى الليلة التي سبقت 17 يوليو/تموز 2023، عندما ألقي القبض على رشاد طمبورة من منزله، بسبب رسم غرافيتي يمثل الرئيس قيس سعيّد مع عبارتي "عنصري" و"فاشي" مكتوبتين بجوار وجهه، على أحد جدران مندوبية المدينة. كان ذلك رد فعل على البيان الرئاسي لـ21 فبراير/ شباط 2023 الذي أشار إلى "جحافل المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء"، والذين يهدف وصولهم إلى تونس "إلى تغيير هوية البلاد وديمغرافيتها". وقد أعقب ذلك البيان حملات قمع وتشديد المراقبة على المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، مما أدى إلى حالة من الهشاشة الشديدة بين المهاجرين الذين طردوا من منازلهم ومن عملهم بين عشية وضحاها، ناهيك عن فورة العنصرية التي أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي.

رشاد طمبورة وغيره... حالات "لم يلاحظها أحد"

قضى رشاد طمبورة 6 أشهر رهن الاحتجاز، قبل أن تدينه محكمة المنستير في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2023 بسنتين سجناً، بتهمة "إهانة رئيس الدولة" بناء على المادة 67 من قانون العقوبات. كما أدين بناء على المادة 24 من المرسوم بقانون رقم 54 بتهمة "إنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة، أو وثائق مصطنعة، أو مزوّرة، أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان". وهو مرسوم سيئ السمعة في البلاد، خاصة بعد أن زُج في السجن بموجب هذا النص بالعديد من السياسيين والناشطين والصحافيين والنقابيين وناشطي المجتمع المدني.

تستمر هذه الاعتقالات والإدانات حتى اليوم، على الرغم من تعبئة المجتمع المدني والصحافيين الذين تظاهروا يومي 24 و27 مايو/أيار الماضي.

في 28 مايو، حُكم على الناشطة ثريا الفرشيشي من منطقة القصرين، وسط غرب البلاد، بالسجن لمدة شهرين وغرامة مالية قدرها ألفا دينار (641 دولاراً)، بناء على شكوى تقدم بها المستشفى الجهوي، وذلك عقب بث فيديو مباشر على "فيسبوك" استنكرت فيه سرقة رفات ونقله في عربة. هي أيضاً أدينت بموجب المادة 24 من المرسوم رقم 54، ومنعت من الإدلاء بشهادتها لمدة خمس سنوات. أطلق سراح الفرشيشي في الأسبوع الأول من يوليو الماضي.

سجلت جمعية التقاطع من أجل الحقوق والحريات 41 حالة لأشخاص سجنوا على أساس المرسوم 54، العديد منهم "مجهولون" - أي غير معروفين في المجال العام- كما تشير المناضلة اليسارية، شيماء الجبالي. حالات "لم يلاحظها أحد"، كما تصر على وصف ذلك. وتنسق الشابة، مع ناشطين آخرين، متمثلين في مجموعة "أطلقوا سراح الفنان رشاد طمبورة" التي تجندت في عدة مناسبات للمطالبة بالإفراج عن الفنان.

تشرح شيماء الجبالي: "نحاول توعية السكان من خلال الذهاب إلى الأحياء الشعبية والجامعات. عرضنا رسوماته في عدة أماكن، كما رفع مشجعو كرة القدم الذين يعرفونه صورته في الملاعب، أثناء المباريات. بالنسبة لنا، قضية رشاد رمز للقمع الذي يتعرض له عدد من الشباب والذي لا يراه غالبية السكان. هناك حالات أخرى لشباب مماثلة لقضية رشاد. هم شباب من الأحياء الشعبية لا يستطيعون حتى تحمل تكاليف محام والحصول على محاكمة عادلة".

وفقاً لجمعية التقاطع من أجل الحقوق والحريات، هناك كثير من الاعتقالات التي لا يعلن عنها، بناء على طلب من ذوي المعتقلين أو بسبب استراتيجية الدفاع التي يتبعها محاموهم، لتجنب سوء تسليط الأضواء على قضيتهم. وهناك حالات أخرى ببساطة لا تصل إلى مسمع الجمعيات، كما تشرح غيلين جيلاسي، الباحثة في جمعية تقاطع. وتقول جيلاسي: "تابعنا بعض الحالات لشباب اعتقلوا ثم أطلق سراحهم لاحقاً أو بعد أشهر، والذين غالباً ما يريدون نسيان هذه القضايا التي تترك آثاراً نفسية. لهذا السبب نحن لا ننشر جميع الحالات. لكن من خلال كل هذه الحالات، نرى أن اللجوء إلى المرسوم 54 وإلى المادة 67 من قانون العقوبات والمادة 86 من قانون الاتصالات يساهم في خلق مناخ من تكميم الآراء المغايرة لمن هم في السلطة، من دون أن ننسى أن الخطاب الرسمي كثيراً ما يهاجم المجتمع المدني ويشجع نمو هذه الموجة القمعية".

الخوف من شباب قابل للاشتعال

منذ احتكار قيس سعيّد للسلطة، بدا أن الشباب قد جُنب حملات الاعتقال التي استهدفت أكثر المعارضين السياسيين ورجال الأعمال والصحافيين. والسبب وجيه: انتخب قيس سعيّد بأكثر من 70% من الأصوات في 2019، وحظي آنذاك بدعم الناخبين الشباب الذين صوتوا له، إذ كانوا مجذوبين بشخصية أستاذ القانون النزيه وغير النمطية، والباحث عن تجديد سياسي بالقطيعة مع نظام الأحزاب. منذ ذلك الحين، أبانت السلطة عن موقف متناقض تجاه الشباب، فهي تسعى لمراقبتهم مع الخوف في الوقت نفسه من إثارة غضبهم.

ذكّرت بعض الشعارات على سبيل المثال، في صرخات المتظاهرين يوم 24 مايو الماضي، بغياب العدالة في قضية عمر العبيدي. وكان قد توفي مشجع كرة القدم هذا عام 2018، وهو في عمر التاسعة عشرة، بعد محاولته الفرار من ضباط الشرطة عند خروجه من مباراة لكرة القدم لفريق النادي الأفريقي. وقد دُفع إلى الغوص في واد حيث غرق. وقد تسببت القضية في فضيحة، لأن الشاب كان قد أخبر أفراد الشرطة الذين كانوا يطاردونه بأنه لا يتقن السباحة. وقد أجابه أحدهم: "فلتتعلم إذاً". شكّل هذا "التبادل" رأس حربة لحملة تطالب بالعدالة لهذا الشاب الذي عثر عليه جثة هامدة بعد ساعات من البحث، في اليوم الموالي ليوم المطاردة.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أدين 12 شرطياً بتهمة القتل غير العمدي. ومن بين ما تسبب فيه الحكم امتعاض مناصري النادي الأفريقي الذين رفعوا غداة ذلك لافتة ضخمة كتب عليها "غير عمدي"، لإبراز إفلات الشرطة من العقاب. وطعنت لجنة الدفاع عن عمر العبيدي في الحكم، مطالبة بأن يأخذ القاضي في الاعتبار تهمة "عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر". وتأجلت منذ ذلك الحين القضية تكراراً في المحاكم حتى 12 يوليو الماضي، حين أدين رجال الشرطة المتهمون بسنة سجناً غير نافذة.

بالنسبة للناشطين الشباب، إنها حالة رمزية للحرمان من العدالة والإفلات من العقاب للمعتدين الذين يواجههم الشباب، خاصة في القضايا التي تتضمن مسؤولية الشرطة.

في هذا السياق، تبقى ملاعب كرة القدم مراقبة بشدة لتفادي الانزلاقات، كما تراقب الشبكات الاجتماعية أكثر من أي وقت مضى.

قضية أخرى تسمى الحرية لبابار، أظهرت حذر السلطات أمام أخطار ثورة الشباب. اعتقل ثلاثة طلبة في مايو 2023 في نابل (80 كلم جنوب تونس) بعد أن نشروا أغنية تهكمية عن الشرطة، مستخدمين شارة الشخصية الشهيرة للفيل الصغير "بابار". تناول الشباب في الأغنية أيضاً مسألة القانون 52 الذي يحظر استهلاك المخدرات، خاصة تدخين القنب، والذي يشكل مصدر سجن عدد كبير من الشباب في البلاد. حسب الإحصائيات، ما يقارب 30% من السجناء اعتقلوا بسبب هذا النص. اعتقل هؤلاء الطلبة وسجنوا فوراً بسبب جملة في الأغنية تشير إلى فساد الشرطة. أطلق نداء على الشبكات الاجتماعية من أجل تحريرهم تحت وسم #حرروا_بابار (FreeBabar#). وقد وصلت القضية حتى رئيس الدولة الذي صرح آنذاك: "أنا لا أتدخل في العدالة، ولكن لن أسمح أن يتعرض أحد لظلم". تم في سياق ذلك إطلاق سراح الشباب مستفيدين من انتفاء وجه الدعوى.

"قمت بذلك لأنني أحب بلدي"

سنة بعد ذلك ساء الوضع أكثر؛ ففي نهاية مايو 2024 استقبل رئيس الدولة وزيرة العدل، ليلى جافل، بعد تظاهرة للمجتمع المدني ضد المرسوم 54. وقد انتقد في خطابه شعارات المتظاهرين الذين وصفهم بـ"عملاء الدوائر الاستعمارية ". وأصر على أن حرية التعبير مضمونة دستورياً، وأنه لن يقبل أن يُسجن مواطن بسبب فكره أو رأيه. غير أن حالة رشاد طمبورة تذكر، بصفة محزنة، أن أي شكل من حرية التعبير غير مضمون.

في البيت العائلي حيث كان يعيش الفنان مع والدته وشقيقتيه، بقيت ورشة الرسم كما كانت عليه قبل اعتقاله. تذهب شقيقته نهلة بين حين وآخر للتمعن والتمتع برسومات شقيقها وبعضها غير مكتمل. لم يكن له وقت لإتمامها قبل اعتقاله.

بالنسبة لعائلته التي تزوره في سجن زغوان، 120 كلم شمال المنستير، حيث نقل في أوائل مايو الماضي، فإن صدمة الحكم وغياب ابنها يشكلان عبئاً ثقيلاً. في إحدى رسائله التي كتبها من زنزانته يقول رشاد طمبورة: "كل ما قمت به هو تعبير عن رأي أمام اضطهاد كنت شاهداً عليه. قمت بذلك لأنني أحب بلادي، ولأنني مؤمن بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان". وهو يمضي برسم ماكينة خياطة في غمزة إلى مهنة أخته الخياطة التي لا تزال، حتى الآن، لم تهضم أن أخاها أدين بسبب غرافيتي.

تتأسف نهلة التي لا تستطيع حتى إدخال مواد رسم لشقيقها في السجن: "لم نكن نتصور أبداً أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة؛ بسبب رسم جداري كان قد تم محوه بسرعة". وتضيف نهلة: "إنه يحاول التكيف وتقبل مصيره، لكن الأمر صعب للغاية، ظروف النظافة سيئة جداً، نأمل فقط أن يتمكن من الصمود حتى نهاية عقوبته".

لكن فصل الصيف، الذي غالباً ما يكون حاراً في تونس، ليس مطمئناً. من المقرر النظر في تعديل المرسوم 54 قبل نهاية الدورة البرلمانية، حسب تصريحات عدد من النواب المؤيدين لإلغاء بعض المواد، لكن لم يحدد موعد حتى الآن.

تبقى تونس محل مراقبة وثيقة من قبل شركائها الأجانب في مسألة حقوق الإنسان. في بداية يونيو/ حزيران الماضي، أرسل نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، تقريراً من عشر صفحات إلى لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، وقد وقعت عليه عدة جمعيات، بما في ذلك لجنة احترام حقوق الإنسان والحريات في تونس (CRLDHT)، والفيدرالية التونسية من أجل المواطنة بين الضفتين (FTCR) والمركز اللبناني لحقوق الإنسان والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان (Euromed Rights). يقدم الملف، الذي تكفل به محامون من مكتب ويليام بوردون في فرنسا، تفاصيل الانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان في البلاد، كما يستشهد بقضية رشاد طمبورة والسجناء السياسيين. وناشد الموقعون احترام القانون الدولي واتخاذ إجراءات تقييدية ضد الدولة التونسية. وإذا كان لهذه المبادرة صدى رمزي، فمن الصعب معرفة تأثيرها في سياق نهاية البرلمان الأوروبي الحالي.

يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"

https://orientxxi.info/ar

المساهمون