جاد أباتو في بروكسل: فن الإضحاك

19 سبتمبر 2016
جاد أباتو (GP Images)
+ الخط -

 

تحتفل الـ "سينماتيك" البلجيكية في بروكسل، بين التاسع من سبتمبر/ أيلول والخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بالكوميدي الأميركي جاد أباتو، بعرض مجموعة من أعماله التلفزيونية والسينمائية، بالإضافة إلى حوار معه عبر "لايف ستريم"، يُجريه الصحافي جاكي غولدبيرغ.

والاحتفال يخرج من صالات المكتبة السينمائية البلجيكية إلى شوارع العاصمة، قبل أن يبدأ، وذلك عبر ملصقات متنوّعة الأشكال والألوان، تدعو إلى الضحك والاحتفاء به وعيشه قدر المستطاع، في حين أن أعمال أباتو، المختارة للعرض في التكريم، تُكمِل المناخ الذي يحاول إضفاء بهجة إضافية على بروكسل.

أما أباتو، المولود في "كوينز" الأميركية عام 1967، فتشرّب فنون الضحك والكوميديا منذ طفولته ويفاعته، اللتين عاشهما في "لونغ أيلاند". والمتتبّعون لسيرته الحياتية، يعرفون أن ولادته في عائلة يهودية "غير متديّنة"، منحته حسّاً فكاهياً يشتهر به يهود كثيرون، إلى درجة أن صحافيين ونقّاداً عديدين يقولون عنه إن لديه "تلك القدرة على التنويع الصادم بجمالياته الفنية"، وهو تنويع يبقى "أميناً" لمفهوم "الكوميديا الساخرة"، أساساً.

والمقولة، التي تُذكر فوراً أمام أناسٍ لا يُجيدون الضحك والمرح، والتي تقول إن هناك أمرين، فقط، في الحياة، هما: "الضحك والضحك"، تبقى ركيزة أساسية لجاد أباتو، البارع في إيجاد نكات ولغة ساخرة ومفردات تمزج الهزء بالإضحاك، وتدفع المستمعين والمشاهدين إلى مراتب عالية من المرح معه، مُضيفاً إلى هذا كلّه أداء تتداخل فيه الأحاسيس وتقنية التمثيل الكوميدي، بنبرة محبَّبة.

الضحك، بالنسبة إلى أباتو ـ صديق بعض أبرز نجوم الكوميديا التلفزيونية والسينمائية في أميركا اليوم، كآدم ساندلر وبن ستيلر ـ متنوّع المظاهر: فيه بعض الحدّة أحياناً، عندما يصل إلى مرحلة السخرية المريرة، الهادفة إلى إثارة ما هو أبعد من مجرّد ضحك عادي وعابر. كما فيه شيءٌ من سلاسة الابتسامة المحمّلة، هي أيضاً، تلميحات مختلفة في السياسة والحياة اليومية والسلوك الفردي، أو عندما تكتفي الابتسامة بأن تكون بداية ضحك كوميدي صافٍ وحقيقي وحيوي.

في صغره، احتلّ كبار الكوميديين الأميركيين مكانة أساسية في وجدانه، هو المتأثّر بهم على اختلاف أنماط اشتغالاتهم: ستيف مارتن، وبل كوسبي، والأخوة ماركس. هذا دليلٌ على مدى تأصّل الروح المرحة في وجدان الفتى، الذي يُقيم مع ساندلر في منزل واحد، فترة من الزمن، تكفي لتوطيد علاقة صداقة قوية معه.

في السابعة عشرة من عمره، يعتلي خشبة المسرح، لأول مرة في حياته، مُقدِّماً عملاً ينطوي في إطار الـ "ستاند آب كوميدي". بعد عام واحد، يُنظِّم "ليالي الكوميديا"، في جامعة كاليفورنيا، التي يدرس فيها كتابة السيناريو. بعد ذلك، يبدأ سيرة مهنية تتمثّل بكتابة أعمال لآخرين، ومنهم روزان بايير، وبإعادة كتابة سيناريوهات "متزعزعة" لأفلام ليست "مُضحكة كفاية"، يمثّل فيها جيم كاري، إلى أن يُصبح مُنتج الأعمال الاستعراضية لصديقه بن ستيلر.

شيئاً فشيئاً، يتحوّل "قلم" جاد أباتو إلى مصدر "ذهب" في هوليوود، ما يؤدّي به، نهاية التسعينيات الفائتة، إلى الإشراف على مسلسل "نزوات ومهووسون" (الترجمة الحرفية للعنوان الإنكليزي Freaks And Geeks)، الذي سيكون نقطة انطلاق حقيقية له في المهنة: سرد يوميات مجموعة من المراهقين في أساليب عيشهم، وهواجسهم، وانفعالاتهم. عمل يوصف لاحقاً بأنه "مُطلِق جيل بكامله". لكن، رغم الأهمية الفنية للعمل، فإنه لن يتعدى الموسم الواحد.

ومع أن البحث عن سببٍ لذلك لن يكشف حقيقة ما جرى حينها، فإن العمل سيكشف مدى أهميته، بعد أعوام مديدة على إنتاج حلقات الموسم الأول والوحيد.

أياً يكن، فإن جاد أباتو يُقدِّم، فيما بعد، ثلاثة أعمال تلفزيونية جديدة، تُرفض كلّها، ما يدفعه إلى العودة إلى السينما، التي يحصل فيها على أول نجاح له، كمنتج لفيلم "مذيع" (Anchorman)، الذي يُخرجه آدم ماكاي عام 2004 (تمثيل: وِلْ فاريل). "هذا ما كان ينتظره"، كما قيل يومها، وهذا ما أتاح له فرصة تحقيق أول فيلم روائي طويل له، كمخرج: "40 عاماً ولا يزال عذراء"، مع ستيف كاريل: عنوان كفيلٌ بتحريض كثيرين على مشاهدته، مُحقِّقاً إيرادات دولية، بلغت نحو 177 مليوناً و400 ألف دولار أميركي، لقاء 26 مليون دولار أميركي ميزانية إنتاجية فقط.

الصحافي البلجيكي ديدييه زاكاري وصف هذا العمل، بقوله إنه "سخرية خليعة، وفي الوقت نفسه ممتلئة بالضحك ومعطاءة كثيراً في هذا المجال، وطازجة وغنية للروح أيضاً".

ماركة "أباتو" بات لها ثقل في المشهد الفني الأميركي، والفنان متعدّد الاهتمامات (كتابة وإخراجاً وإنتاجاً وتمثيلاً) يستمر في كتابة أعمال له وللآخرين، من دون أن يتوقف عن دعم أصدقائه، أمثال جيمس فرانكو، وجايزون سيغل، وسَثْ روجن، ولينا دونهام، وآمي شومر وغيرهم.

المساهمون