"نور" لخليل زعرور: زواج القاصرات بلغة سلسة وهادئة

05 مايو 2017
الممثلة جوليا قصّار (فيسبوك)
+ الخط -
يتناول المخرج اللبناني خليل دريفوس زعرور، في "نور" (2017)، موضوع "زواج القاصرات"، عبر سرد هادئ وسلس لحكاية نور (فانيسا أيّوب)، ابنة الأعوام الـ 15، التي يريدها ابن إقطاعيّ ثريّ في إحدى القرى زوجة له (يؤدّي زعرور نفسه دوره)، غير عابئ بصغر سنّها، تماماً كوالدتها (جوليا قصّار)، التي توافق سريعاً، للخلاص من نكبة الفقر ونتائجه القاسية.
والقول بسردٍ هادئ وسلس للحكاية لن ينتقص من بساطة الشكل والمضمون معاً. فالحكاية تعالج مسألة أخلاقية واجتماعية وإنسانية، بعيداً عن كلّ تنظير أو تعقيد أو فذلكة. واختيار الهدوء والسلاسة نابعٌ من رغبة سينمائية في تقديم موضوع عميق ومهم وحسّاس، بأفضل طريقة بصرية، تستطيع بلوغ شريحة واسعة من المُشاهدين، من دون الوقوع في فخّ الأحكام المسبقة، أو التحليل السوسيولوجيّ، أو الادّعاء الثقافي.

بهذا المعنى، تُصبح مشاهدة "نور" أجمل من كلّ تصنّع فكريّ في مقاربة المسألة. وتقديم الشخصيات، وأسلوب السرد، وآلية المعالجة، أمورٌ تتضافر معاً في صناعة صُوَرٍ سينمائية تبدو مرايا تنعكس عليها إحدى مشكلات الاجتماع اللبناني، وأحد مظاهر المنطق المحليّ في التعامل مع مسائل يومية، كالعلاقة القائمة بين طبقات اجتماعية متناقضة، وأسلوب التعامل مع الآخر، والنظرة الفوقية ـ الدونية، والسلوك الفرديّ داخل الجماعة، والروابط العائلية، والتحكّم الذكوريّ في الطبقات الاجتماعية المختلفة.
أما الحكاية، فمروية ببساطة جميلة: تعيش نور مع والدتها وشقيقها في منزل ريفي تقليدي، وتذهب إلى المدرسة رفقة بنات وأبناء البلدة، وتعيش قصة حبّ مع أحد هؤلاء. يوميات عادية، لمراهقين يمارسون كلّ ما يُمكن لمراهقٍ أن يمارسه، في بيئة اجتماعية محدّدة. يلعبون ويتنزّهون معاً، ونور تحبّ وتعيش حبّها، ووالدتها تبيع أطعمةً تصنعها في منزلها، وشقيقها عاطل عن العمل، يمارس سلطته الذكورية من دون رادع، إلاّ الرادع المنقوص والهشّ للأم.
والبلدة تمتلك خصائصها الريفية، وشخصياتها المعتادة: الابن الإقطاعيّ ووالدته (إيفون معلوف)، ومدبّرة المنزل (عايدة صبرا)، التي تراقب وتتلصّص وتمتلك أسراراً وخفايا. وفي المقابل، هناك المختصّة بالماكياج ذات الصيت السيئ قديماً، وأناس عديدون يتوزّعون أدواراً مختلفة. والابن الإقطاعيّ عائدٌ من أستراليا للزواج (إحدى العادات اللبنانية)، فيختار نور فور لقائه الأول بها، عندما جاءت إلى منزله لبيع طعام الغذاء. وكالعادة، يتمّ ترتيب الزواج إثر موافقة والدة نور وشقيقها، فتُنتزع المراهِقَةُ من عالمها وعلاقاتها ورغباتها، وتُدفع دفعاً إلى عالمٍ أكبر منها، بما فيه من ظلمٍ وقهر وإذلالٍ، يمارسه الزوج الثريّ بتسلّط وقمعٍ.

وعندما تُحاول نور الفرار من بؤسها، بمساعدة حبيبها المراهق، تفشل في تحقيق الخروج المطلوب من نفق حياتها، وتُعاد مكسورة الخاطر إلى سجنٍ مفروضٍ عليها باسم الزواج. ولعلّ أهمية الخلاصة، المُقدَّمة في نهاية الفيلم، تكمن في ابتعادها المطلق عن كلّ حكم أخلاقيّ، لأن الهمّ الإنسانيّ لـ "نور" مرتبطٌ بسرد الحكاية، بكل ما فيها من تفاصيل وجزئيات ودقائق وهوامش، كفيلةٌ كلّها بتقديم خلاصة عن شقاءٍ اجتماعيّ، مغلَّف بتبريرات جمّة.

في مقابل الأداء الحرفيّ لممثلات متمكّنات من أداوتهنّ التمثيلية، كجوليا قصّار وعايدة صبرا، أو عفوياتٍ في اختبار الوقوف أمام الكاميرا السينمائية، كإيفون معلوف؛ فإن فانيسا أيّوب قدّمت نور بما هي عليه من انفعالٍ وحساسية ومسلكٍ يتلاءم والعالم الخاص بالمُراهَقِة وحاجاتها وتعابيرها وطيشها، وانكساراتها وخيباتها الباكرة أيضاً. يقول زعرور عن فانيسا: "اكتَشفَتْها المنتجة المنفّذة وشريكتي في كتابة السيناريو إليسا أيّوب، كونها ابنة بلدتها، وذلك بعد تجارب "كاستينغ" أجريناها مع فتيات عديدات. لكن فانيسا بدت ملائمة تماماً للدور، ثم اشتغلنا معها كثيراً على الشخصية".




دلالات
المساهمون