بديعة بوحريزي: لا أصنع موسيقى للتسلية

20 ديسمبر 2017
الإيمان بالحبّ هو الإيمان بالحقيقة والحريّة (العربي الجديد)
+ الخط -

الطريق إلى مقهى "بيكش" في برلين، مساء الأحد، 10 ديسمبر/ كانون الأوّل كان مرفقًا بسقوط كثيف للثلوج، وذلك قبل الحفل الموسيقيّ للتونسيّة بديعة بوحريزي (Neyssatou)، التي تقدّم عرضًا موسيقيًا للمرة الثانيّة في العاصمة الألمانيّة.


دقائق قبل السّابعة مساءً، موعد الحفل المعلن عنه، امتلأ مقهى "بيكش" بجمهور متنوّع الثقافات يشبه مدينة برلين، وما ميّزه بالأساس هو تنوّع الجمهور العربيّ، من تونس، سورية، فلسطين، الأردن، لبنان والمغرب، والذي كان بأغلبيته العظمى من جيل الشباب، الجيل الذي ارتبط بأغاني بديعة بوحريزي مع اندلاع الثورة التونسيّة ومن ثم الثورات العربيّة، إلى جانب ارتباطه بأغان عديدة لفرق موسيقيّة شبابيّة من المنطقة العربيّة والتي انتشرت بسرعة عبر الفضاءات الرقميّة.


لم يتسع المكان لعدد الناس الهائل الذي وصل إلى "بيكش"، خاصّة أن الدخول إلى الحفل كان مجانيًا أيضًا، وهو ما يعتمد عليه المكان عادة، من منطلق توفير سهولة الوصول إلى الثقافة
والفنّ، وبالتالي، اضطر العديد لمشاهدة والاستماع إلى الحفل وقوفًا. عند حوالي الثامنة مساءً، وبصحبة غيتارها، ذهبت بديعة بوحريزي نحو المنصة، وقبل أن تقول أي شيء، اعتلت أصوات الزغاريد التي بدأها الحضور التونسيّ ورافقتها أصوات القادمين والقادمات من بلاد أخرى. غنّت بديعة بوحريزي مجموعة من أغانيها، تلك التي يعرفها الجمهور وأخرى الجديدة، حيث تميّزت الجديدة بأغانٍ كتبتها باللغة الإسبانيّة، وذلك بعد إقامتها لمدة حوالي عام في المكسيك. من الأغاني كانت "سلام"، "خلف قمم الجبال"، "لا باس"، "إلى سلمى"، ”حر يولد الإنسان" وغيرها، وكان قد رافقها ببعض الأغاني كلّ من ليتي النجّار على الناي وطه النوري على الإيقاع.


في حديث خاص لـ"العربيّ الجديد" مع بديعة بوحريزي، عن الحفل، قالت: "كان الحفل مليئًا بالمفاجآت، ولم أتوقع تلك الأجواء الجميلة، وهذا ما أحبّه في برلين، والأهم، حضور جمهور جميل يريد أن يستمع إلى الأغاني، ويتفاعل معها في الوقت المطلوب، كان الحفل مثل السحر".


بما يتعلّق بتنوّع ثقافات الجمهور، وخاصة تنوّع الجمهور العربيّ، قالت بديعة: "توقعت بداية أن يكون الحضور بأغلبيته من شمال أفريقيا، لأني تونسيّة ولأن إحدى صاحبات مقهى بيكش هي مغربيّة، لكن الجمهور كان أيضًا من السوريّين والفلسطينيّين، كما أنه حضرت فتاة مكسيكيّة وغيرها، لا أريد أن أحلل كثيرًا، لكن ربما هذه هي برلين اليوم، بتنوّع ثقافاتها بما في ذلك حضور الثقافات العربيّة في ظل الواقع السياسيّ، وهذا الحفل كنشاطات كثيرة، يجمع العرب في الشتات ونتشارك من خلاله فنوننا وموسيقانا، كما قضايانا وهمومنا المشتركة. يقدّم الشتات منصة خاصة، للأسف، لا يمكن إيجاد هذا الخليط اليوم في تونس أو أي من بلادنا".


عُرفت بديعة منذ بداية مسيرتها الموسيقيّة، وبالإضافة إلى صوتها المميّز، بأن كلمات أغانيها تحمل الثقل الأساسيّ بمشروعها الموسيقيّ، الكلمات التي تحكي عن الهمّ الخاصّ والعامّ في ظلّ واقع اجتماعيّ وسياسيّ يعيشه التونسيّون والتونسيّات في بلادهم، قبل وخلال وبعد اندلاع الثورة التونسيّة، كما تطرقها للحديث عن مواضيع في نطاق المنطقة العربيّة والعالم، وكذلك الوجوديّة منها، سواء من خلال الكلام المباشر أو غير المباشر، هذا الخيار هو مرافق أصلًا لنهج حياة بديعة على مستوى شخصيّ، وكان حاضرًا أيضًا خلال حفل برلين.



بعد أن عاد الجمهور للاستماع إلى المنتصف الثاني من الحفل الموسيقيّ، وكما اعتدنا على بديعة، قامت بتصريح سياسيّ مباشر لوجود مرشحيْن عن أحزاب سياسيّة تونسيّة مختلفة في برلين، ضمن حملات انتخابيّة عشيّة الانتخابات التونسيّة. عندها، أعلنت بديعة دعمها لأحد المرشحيْن وحزبه، مع شرح الأسباب لذلك، وبحضور المرشحة من الحزب الثاني، أثار هذا التصريح نقاشًا بين بعض التونسيّين في الحفل، فواصلت بديعة بمناقشتهم أيضًا، حيث أعطت لهذا النقاش الأهمية التي يستحقها كما تستحق الموسيقى.


بعد دقائق معدودة، وجّه أحد الحاضرين حديثه لبديعة، قائلًا، بما معناه: "لماذا نتكلم في السياسة؟ لنعد إلى الفنّ"، لم تهدئ هذه الجملة من روع بديعة، بل العكس، وقبل أن تعود إلى الموسيقى، قالت: "لا تعتقدوا بأننا فنانون لا علاقة لنا بالسياسة أو بواقع بلادنا، فلهذا هذا النقاش ضروريّ".


في حديث معها حول هذا الموقف، قالت بديعة: "الموسيقى ليست للتسليّة فقط، وأنا لا أعتقد أن السياسة هي فضاء للسياسيّين فقط، عدا عن أن السياسيّين هم بنهاية المطاف بشر مهتمون بتقديم شيء للناس. لست بناشطة سياسيّة، لكني مرآة لمجتمعي. عندما بدأت بالكتابة، كتبت عن نفسي وعما يشغلني وعن همومي، ولا أعتقد أني بحاجة لأن أدرس سياسة كي أتحدث عنها، المواضيع البسيطة التي تشغلنا، هي السياسة".


وتتابع بديعة: "لا أريد أن أصنع موسيقى للتسليّة، هذه قضيّة الفنون عمومًا وليس الموسيقى فقط، المضمون هو أخلاقي، متعلّق بالهمّ الشخصيّ كما الوجوديّ للفرد أو تفاعله مع آخرين ضمن المنظومات السياسيّة والاجتماعيّة التي نعيش فيها. حتى لو كان لدي الخيار أن أخرج منها، وأقدّم موسيقى لأجل الموسيقى، لا أستطيع، لأن علاقة الموسيقى بقضايا كثيرة، تعيش داخلي؛ الحبّ يمشي يدًا بيد مع الثورة، الحبّ قضيّة اجتماعيّة أيضًا، الإيمان بالحبّ هو الإيمان بالحقيقة والحريّة".






المساهمون