أثار إعلان مسلسل "فرويد" على شبكة "نتفليكس" حماس الكثيرين، كونه من أكثر الشخصيات تأثيراً في القرن العشرين، ومسلسل يحمل اسمه يعني الغوص في حياته المليئة بالتناقضات، وخصوصاً أن فرويد واحد من رموز الثقافة الشعبيّة، يقرأه الجميع، مختصين وغير مختصين، وسيرته مليئة بالحكايات عن الفن والأدب وشخصيات القرن العشرين، كأندرية بريتون وألبيرت آينشتاين. لكن، ما إن بدأ المسلسل، حتى علت خيبة الأمل، كونه تخيُّل لحياة فرويد بوصفه ما زال طبيباً يصارع على نيل مكانته بين زملائه؛ فبعد عودته من باريس، حيث درس الهيستيريا في مشفى سالبيتريير، وجد نفسه متورّطاً في صراع بين المجتمع الطبي والمجتمع الهنغاري المهاجر، وعائلة غريبة تستحضر الأرواح.
الشعور بخيبة الأمل مرتبط بمعارف الجمهور المتنوعة عن فرويد، التي نفاها المسلسل واحتك معها بسطحيّة، مدمراً أفق التوقعات الذي نمتلكه عن أي شيء يحمل اسم "فرويد"، وكأننا نمتلك مخيّلة تتداخل فيها المعلومات التاريخيّة مع هالة الثقافة الشعبيّة حول فرويد، هذه المخيلة ترفض أي مقاربة مختلفة عما نتوقعه، وكأننا نتعالى على المتخيّل الذي قدمه المسلسل، كونه لا يثير الاهتمام الكافي لدينا، ولا يخاطب ما نريد أن نراه مرئياً على الشاشة.
ما سبق لا يعني أن المسلسل "عظيم"، إذ وصفه البعض بأنه مجرد تحريف لحكايات تاريخيّة مدموجة مع ظواهر خارقة للطبيعة، فـ فرويد يظهر في المسلسل كساذج، لأن اللاوعي أشبه بعالم موازٍ يحوي أشباحاً ووحوشاً تبدو بداية منطقية في لفتة جمالية – سوريالية للاوعي، لكن حين يتحول التنويم المغناطيسي إلى ما يشبه سلاحاً سريّاً يمكن استخدامه ضد أي أحد، بل ويمكن عبره الدخول إلى عوالم اللاوعي التي تحوي الجميع، يبدأ المسلسل أشبه بحكايات المحققين الذين يطاردون الأشباح في ظل تسخيف علمي وعنصرية اجتماعية.
يظهر "العلم" هشّاً جداً في المسلسل، حتى بالنسبة لـ فرويد الذي يعتبر من مؤسسي العقلانية، إذ يشكك في ما يراه أحياناً، لكنه أشبه بمن يكتشف مغارة تحت تأثير الكوكايين، الذي لا يسبب الهلوسات أصلاً. هو أسير أفكاره وتصوراته للأقصى، والغرض من هذا المثال، هو أننا لن نحاول تفنيد المعلومات التاريخيّة في المسلسل ومدى صحتها، فنحن أمام حكاية متخيّلة كلياً، أبطالها محقق وطبيب نفسي وعرافة، تظهر فيها طقوس سحرية تشابه التشخيصات الطبيّة في ذاك الوقت عن الهستيريا والهوس الفيتشي والأحلام بالقتل، والتي قد تبدو مقنعة، بل جذابة، حين يتجلى اللاوعي حقيقة أمامنا عبر هلوسات متنوعة، لكن كان من الممكن أن ينجح ذلك، لو أن المسلسل لم يكن اسمه فرويد، الذي سبق له الحضور في منتجات ثقافيّة مختلفة، إذ يُذكر أثره في مسلسل "ماد مين"، بل وهناك حلقة من مسلسل "إكس فايلز" تتناول بعض الظواهر التي وجدها مريبة.
هناك بعض الأمور اللامنطقيّة في المسلسل لا ترتبط بالسياق السياسي، فترك الفتاة المقتولة على مكتب فرويد من قبل الشرطة يبدو من دون معنى، كذلك استخدام التنويم المغناطيسي بصورة شبه إيروتيكيّة يبدو أيضاً منفراً، كوننا نتحدث عن ظاهرة معروفة من جهة، لم تكن بهذا الأسلوب حين اكتشافها من جهة أخرى. يمكن تبرير ذلك بأن المخرج قال في تصريح له إن المسلسل يهدف إلى تعريف الجمهور الشاب على فرويد أو تغيير صورتهم عنه، لكن هل نحن بحاجة إلى تغيير صورتنا عن فرويد: ألم يكن ذكورياً بحتاً؟ ألم تصبح كتبه ضمن عالم الأدب لا الطب؟
اقــرأ أيضاً
الشعور بخيبة الأمل مرتبط بمعارف الجمهور المتنوعة عن فرويد، التي نفاها المسلسل واحتك معها بسطحيّة، مدمراً أفق التوقعات الذي نمتلكه عن أي شيء يحمل اسم "فرويد"، وكأننا نمتلك مخيّلة تتداخل فيها المعلومات التاريخيّة مع هالة الثقافة الشعبيّة حول فرويد، هذه المخيلة ترفض أي مقاربة مختلفة عما نتوقعه، وكأننا نتعالى على المتخيّل الذي قدمه المسلسل، كونه لا يثير الاهتمام الكافي لدينا، ولا يخاطب ما نريد أن نراه مرئياً على الشاشة.
ما سبق لا يعني أن المسلسل "عظيم"، إذ وصفه البعض بأنه مجرد تحريف لحكايات تاريخيّة مدموجة مع ظواهر خارقة للطبيعة، فـ فرويد يظهر في المسلسل كساذج، لأن اللاوعي أشبه بعالم موازٍ يحوي أشباحاً ووحوشاً تبدو بداية منطقية في لفتة جمالية – سوريالية للاوعي، لكن حين يتحول التنويم المغناطيسي إلى ما يشبه سلاحاً سريّاً يمكن استخدامه ضد أي أحد، بل ويمكن عبره الدخول إلى عوالم اللاوعي التي تحوي الجميع، يبدأ المسلسل أشبه بحكايات المحققين الذين يطاردون الأشباح في ظل تسخيف علمي وعنصرية اجتماعية.
يظهر "العلم" هشّاً جداً في المسلسل، حتى بالنسبة لـ فرويد الذي يعتبر من مؤسسي العقلانية، إذ يشكك في ما يراه أحياناً، لكنه أشبه بمن يكتشف مغارة تحت تأثير الكوكايين، الذي لا يسبب الهلوسات أصلاً. هو أسير أفكاره وتصوراته للأقصى، والغرض من هذا المثال، هو أننا لن نحاول تفنيد المعلومات التاريخيّة في المسلسل ومدى صحتها، فنحن أمام حكاية متخيّلة كلياً، أبطالها محقق وطبيب نفسي وعرافة، تظهر فيها طقوس سحرية تشابه التشخيصات الطبيّة في ذاك الوقت عن الهستيريا والهوس الفيتشي والأحلام بالقتل، والتي قد تبدو مقنعة، بل جذابة، حين يتجلى اللاوعي حقيقة أمامنا عبر هلوسات متنوعة، لكن كان من الممكن أن ينجح ذلك، لو أن المسلسل لم يكن اسمه فرويد، الذي سبق له الحضور في منتجات ثقافيّة مختلفة، إذ يُذكر أثره في مسلسل "ماد مين"، بل وهناك حلقة من مسلسل "إكس فايلز" تتناول بعض الظواهر التي وجدها مريبة.
هناك بعض الأمور اللامنطقيّة في المسلسل لا ترتبط بالسياق السياسي، فترك الفتاة المقتولة على مكتب فرويد من قبل الشرطة يبدو من دون معنى، كذلك استخدام التنويم المغناطيسي بصورة شبه إيروتيكيّة يبدو أيضاً منفراً، كوننا نتحدث عن ظاهرة معروفة من جهة، لم تكن بهذا الأسلوب حين اكتشافها من جهة أخرى. يمكن تبرير ذلك بأن المخرج قال في تصريح له إن المسلسل يهدف إلى تعريف الجمهور الشاب على فرويد أو تغيير صورتهم عنه، لكن هل نحن بحاجة إلى تغيير صورتنا عن فرويد: ألم يكن ذكورياً بحتاً؟ ألم تصبح كتبه ضمن عالم الأدب لا الطب؟
يمكن تفادي الإشكاليّة بين المتوقع وبين ما نراه عبر تجاهل كلمة فرويد كلياً، والاستمتاع بالتخيل التاريخيّ لفيينا في القرن الثامن عشر وأجواء الرعب القوطية في المسلسل، لكن صعوبة ذلك تكمن في التحرر من هالة فرويد الثقافيّة، واسمه الذي يبعث في المخيلة الكثير من الحكايات والتصورات التي ننتظر رؤيتها، ما يحيلنا إلى سطوة فرويد نفسها التي تجعله أقرب إلى شخصيّة دينية أو بطل خارق من الصعب تخيل حياته من دون مساءلة سيرته الذاتية الحقيقية، التي عرف عنه أنه كان حريصاً جداً على أسلوب تقديمها للعلن، فالكثير من تفاصيل حياته الشخصية غير معروف، عدا علاقته الوطيدة مع الكوكايين.