قبل شهرين من بدء الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي، بدأت الملامح المختلفة تظهر عبر بيانات صادرة عن المكتب الإعلامي لإدارته. ففي 4 يناير/ كانون الثاني 2018، أُعلن عن اختيار الأسترالية كايت بلانشيت (1969)، رئيسةً للجنة تحكيم المسابقة الرسمية (تُعلن لائحتها النهائية في 12 إبريل/ نيسان 2018). وفي 27 مارس/ آذار 2018، تمّ الإعلان عن اختيار الفرنسية السويسرية أورسولا ماير (1971)، رئيسة للجنة تحكيم "الكاميرا الذهبية". بعد 8 أيام (4 إبريل)، بات الأميركي الإسباني بينيتشيو دل تورو (1967)، رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة "نظرة ما"، هو الفائز بجائزة التمثيل عن دوره في "تشي" (2008)، لستيفن سودربيرغ (1963)، في الدورة الـ61 (14 ـ 25 مايو 2008) للمهرجان نفسه، وعضو لجنة تحكيم مسابقته الرسمية، في الدورة الـ63 (12 ـ 23 مايو 2010)، برئاسة الأميركي تيم بورتون (1958).
هذا دأب المهرجان السينمائي الدولي الأول في العالم، الذي يكشف، يومًا تلو آخر، بعض معالم دورته الجديدة، بانتظار إعلان لوائح الأفلام المختارة في مسابقات وبرامج، منها "كلاسيكيات كانّ"، التي تحتفل بالعيد الـ50 لإنجاز أحد أهمّ أفلام الخيال العلمي، "2001: أوديسة الفضاء"، الذي حقّقه الأميركي ستانلي كيوبريك (1928 ـ 1999)، عام 1968. والاحتفال يزداد أهمية مع موافقة السينمائي البريطاني الأميركي كريستوفر نولان (1970)، على تقديم الفيلم بنسخته المرمّمة (70 ملم.).
هكذا، لن يكتفي كثيرون بمشاهدة تلك "التحفة السينمائية" بنسخةٍ جديدة تُعرض على شاشة سينمائية كبيرة، لأنهم مدعوون إلى لقاء مباشر مع أحد أبرز سينمائيي العالم اليوم، نولان، مخرج نتاجات مُثيرة لمتعة المُشاهدة، لما فيها من غرائبيات وتساؤلات ومشهديات باهرة.
إلى ذلك، نشرت المجلة السينمائية المتخصّصة "الفيلم الفرنسي"، في عددها الصادر في 23 مارس/ آذار 2018، حوارًا مع المندوب العام لمهرجان "كانّ" تييري فريمو (1960)، حدّد فيه بعض التغييرات التي تشهدها الدورة الـ71 هذه: عودة "فيلم الختام"، ومنع التقاط صُوَر "سيلفي" على السجادة الحمراء، وإلغاء العروض الصباحية الخاصّة بالنقّاد والصحافيين السينمائيين، على أن يتزامن العرض الأول الأساسي لكلّ فيلم مُشارك في المسابقة الرسمية مع حفلة "غالا" خاصّة به. أضاف فريمو أن المنصّة الأميركية "نتفليكس" لن تعرض أفلامها في المهرجان إلّا "خارج المسابقة".
يريد فريمو تحريك المهرجان أكثر فأكثر، كما قال في تصريحات صحافية مختلفة. لكن أكثرها إثارة للجدل الفرنسي الدولي كامنٌ في "منع" النقّاد والصحافيين السينمائيين من مشاهدة الأفلام قبل العرض الأول، الذي سيُقام أمام الجمهور، بحضور فريق عمل كل فيلم. قرار يُحرِّض "نقابة النقّاد الفرنسيين" على إعلان قلقها إزاءه، في بيانٍ يعكس مخاوفها من "تحييد" النقد والصحافة السينمائية في المهرجان، مع تأكيدها على أنه (القرار) يُسبِّب "إزعاجًا" كبيرًا للنقاد والصحافيين في عملهم المهنيّ.
هذا دافع لـ"الاتحاد الدولي للنقّاد السينمائيين (فيبريتسي)"، الذي يضمّ نقّادًا من 52 بلدًا، إلى التضامن مع النقابة الفرنسية. ففي بيان له، عبّر الاتحاد عن قلقه هو أيضًا "من تأثيرات هذه التغييرات على شروط عمل الصحافيين".
على نقيض المخاوف والقلاقل "النقدية والصحافية السينمائية"، أثار القرار "حماسة إيجابية" لدى المنتجين الفرنسيين، إلى درجة أن "اتحادهم" أعلن دعمه للتغييرات التي يقوم بها فريمو في هذا المجال: "يدعم (اتحاد المنتجين السينمائيين) هذا التطوّر الذي تشهده الدورة الجديدة للمهرجان، والذي يتمنّاه العاملون في الأفلام، الحريصون على تقديم أعمالهم ـ بشكلٍ شخصي ـ في عروضها الدولية الأولى (الحقيقية)، عن طريق جمع المشاهدين/ الجمهور والمحترفين معًا في لحظة مميّزة".
بحسب المنتجين أنفسهم، تُعتَبر هذه الخطوة "شرعية" لطموحاتهم وتوقّعاتهم إزاء المهرجان، الذي يريدونه "مكانًا للعاطفة الجماعية، وللاحتفال بالسينما وتنوّعاتها".
من جهتها، ذكرت "وكالة الصحافة الفرنسية" أنها لم تتمكّن من الحصول على "ردّ" من تييري فريمو، الذي اكتفى بالتأكيد على أنّ كلّ شيء سيُعلن عنه "بشكل رسمي" في المؤتمر الصحافي التقليدي، الذي يُقام قبل أسابيع قليلة من بداية كلّ دورة، علمًا أن موعده هذا العام سيكون في 12 إبريل/ نيسان 2018.
من ناحية أخرى، وقبل إعلان اللائحة النهائية للأفلام المختارة لهذه الدورة، تمّ تأكيد ما نشرته المجلة السينمائية الأميركية "فارايتي" أخيرًا حول فيلم افتتاح الدورة الـ71: "الجميع يعلمون" للإيراني أصغر فرهادي (1972)، ما يعني أنها المرّة الأولى منذ 14 عامًا التي تكون فيها جنسية فيلم الافتتاح غير فرنسية ولا إنكليزية، وتحديدًا منذ "التعليم السيئ" للإسباني بيدرو ألمودوفار، الذي افتتح الدورة الـ57 (12 ـ 23 مايو/ أيار 2004).
والمفارقة كامنةٌ في أن جديد الإيراني فرهادي ناطقٌ بالإسبانية، ويجمع في صدارة مشهده التمثيلي بينيلوبي كروز وخافيير بارديم: ما يُفترض به أن يكون لقاء عائليًا، في مسقط رأس لارا في إسبانيا، يتحوّل إلى حيّز مرتبك، تنكشف فيه حالات أفراد، ستتبدّل مساراتهم وحكاياتهم ومصائرهم بسبب ظروفٍ متنوّعة تنشأ أثناء اللقاء نفسه.