الطابون.. أو الحنين إلى خبز الجدّات

03 مارس 2015
أثناء صناعته (العربي الجديد)
+ الخط -
 
مهما بلغت درجة التطوّر التكنولوجي في شتّى مناحي الحياة، إلا أنّ المرء يبقى يحنّ إلى ماضيه ببساطته وأدواته. فالفرن التقليدي وبيت الشواء ما زالا مرتبطان بذاكرة جيل كامل من الأردنيين الذين نشأوا وفي بيوتهم زاوية أو مكان أثير تعبق فيه نكهة الخبز التقليدي المتنوّع كـ "الطابون والكماج والشراك والتنور". لكن لخبز الطابون واقعه المعاش والحيوي، كون الفرن البلدي يرتبط عادة بموروثات وعادات وتقاليد شعبية زاخرة بالترابط الاجتماعي ومعاني التكافل والتزاحم والتوادّ.

وفي وقت يتجاهل غالبية أبناء الجيل الحالي مورثات الأجداد، يبرز من بينهم من يحنّ إلى المحافظة على تراثهم واستحداثه وتطويره وتوضيح فوائد بعض المأكولات الشعبية، ومنها الخبز، للأجيال المتعاقبة.

ذاكرة زمان

كان الأطفال والشيوخ ونسوة الحارة "يلتمّون" صباحاً حول خبز الطابون، وفي آخر النهار تُطهى صواني اللحم والدجاج، وأقراص الزعتر والسبانخ.

الطابون هو فرن يُصنع يدوياً من التراب (تربة بيضاء تدعى "الحوارة")، ويوضع داخل الأرض ليتم فيه صنع الخبز وشواء الخضار واللحوم، وفي بعض المناطق يدعى "التنّور".

وخبز الطابون هو إرث فلسطيني بالأساس، ورثه الفلسطينيون منذ آلاف السنين عن أجدادهم، وحافظ عليه الريفيون حتّى نهاية القرن الماضي، قبل أن تتناقله العوائل العربية المشهورة بصنع الخبز في الأردن ومصر ولبنان وسورية. وفي قاع الطابون توضع حجارة من نوع خاصّ لا تتأثّر بالحرارة العالية وتُسمى "الرنف".

إشعال الفرن

يقول الحاج محمد الساحوري إنّه "لا يمكن تشغيل فرن الطابون طيلة اليوم، لأنّ حجارته ستبرد، لذا نقوم في ساعات المساء برشّ "الجفت" و"الزبل" (روث الحيوانات) الطبيعي داخله، وهذه المواد تشتعل بشكل بطيء حتّى ساعات الفجر". ويضيف الساحوري: "حجارة الطابون تسخن حرارتها جرّاء ذلك ونبدأ بتصنيع الخبز، فنخبز بين 20 – 30 رغيفاً، ونوزّعها على الأبناء والأصدقاء".

ويؤكد الساحوري في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "خبز الطابون صحي ومفيد للجسم لأنّ نسبة كبيرة من دقيقه هي من القمح. وأحياناً نقوم بإعداد صواني المحمر وكذلك المسخن في الطابون، وتجتمع العائلة (أبنائي وأحفادي) لتناول وجبة ساخنة وصحية".

خبز منوّع

شفيق العباسي، وهو يملك مخبزاً، يلفت النظر إلى أنّ التنوّع الجغرافي والسكاني في الأردن بات يهدّد شكل ونوع خبز الطابون، مبيّناً أنّ "التطوّر التكنولوجي والعمراني جاء قبل عشرين عاماً تقريباً بالآلات لصناعة الخبز، والذي يُسمّى اصطلاحاً بالخبز الآلي، لكن في السنوات الخمس الأخيرة تعدّدت الأعراق الاجتماعية التي تسكن الأردن، ما نوّع أيضاً من أشكال الخبز وأنواعه تلبية لاحتياجات ورغبات الجاليات العديدة".

ويقول إنّ "الإقبال على الأردن كمنطقة آمنة سياسياً غيّر أنماط صناعة الخبز في السوق المحلي. إذ كانت في السابق تتمّ بطرق يدوية ثم أصبحت نصف آلية ثم آلية، لمواكبة زيادة الطلب والإقبال. فبات المستهلك يجد أصنافاً كثيرة من الخبز، منها الطابون والتنّور العراقي والكماج والشراك والهندي والمصري والتركي والإيطالي والفرنسي...".

دلالات
المساهمون