مونتينيغرو... هل تصبح قلعة "الأطلسي" الجديدة في البلقان؟

02 يونيو 2016
معارضون في مونتينيغرو للانضمام إلى الأطلسي (عادل أوميراغيتش/الأناضول)
+ الخط -
لم تعد كوسوفو وحدها مشكلة بالنسبة إلى روسيا، بل إن مونتينيغرو (الجبل الأسود)، أضحت مشكلة أساسية لها أيضاً. بعبارة "مونتينيغرو يُجرّ إلى الأطلسي" الصادرة عن الكرملين، أظهرت روسيا تقاسمها مع حليفتها في البلقان، صربيا، الهموم المشتركة بعد الإعلان عن توقيع اتفاقية انضمام مونتينيغرو إلى حلف شمال الأطلسي كالدولة رقم 29 فيه، على أن تتمتع بالعضوية الكاملة منتصف عام 2017. أهمية مونتينيغرو تكمن في أنها العنصر الذي لم يكن أحد يتوقع انضمامه للأطلسي بهذه السرعة والسهولة.

لطالما كانت مونتينيغرو جزءاً غالياً من يوغوسلافيا السابقة (1918 ـ 1941)، ثم (1945 ـ 1992)، إن لم تكن الأهم. وحتى مع اندلاع الحروب اليوغسلافية (1992 ـ 1995)، وانفصال الكيانات التي كانت تُشكّل يوغسلافيا (سلوفينيا، وكرواتيا، والبوسنة ـ الهرسك، وكوسوفو، ومقدونيا) على مراحل عدة، كان انفصال مونتينيغرو سلمياً قياساً على الدول السابقة، رغم إغلاقها البحر الأدرياتيكي على صربيا، التي باتت معزولة عن أي منفذ بحري، وقابعة في قلب البلقان. وقد تمّ الانفصال في عام 2006 بصورة مماثلة لانفصال تشيكوسلوفاكيا السابقة إلى دولتي تشيكيا وسلوفاكيا في 1 يناير/كانون الثاني 1993، تحديداً لناحية المحافظة على العلاقات الودية والاتفاقيات المشتركة بين البلدين.

احتفظ البلدان بعلاقة جيدة بينهما بعد الانفصال. اهتمت مونتينيغرو بإظهار نفسها كدولة جديدة على المسرح الأوروبي والدولي. وقد اعتمدت البلاد السياسة الكرواتية في تسويق نفسها اقتصادياً، أي عبر السياحة. لكن للكروات حليفاً أساسيا، دعمهم في مختلف مراحل نشأتهم كدولة مستقلة: ألمانيا، بينما افتقدت مونتينيغرو مثل هذا الحليف.

بمساحتها الصغيرة (13.812 كيلومتراً مربّعاً) باتت مونتينيغرو معبراً بحرياً إلزامياً، بين جارين قويين، كرواتيا وألبانيا، وترتبط مباشرة بمرفأ باري الإيطالي. في الأساس، كانت مونتينيغرو "الحلقة المفقودة" جغرافياً للأطلسي في البلقان، لمنع تمرير أي خط أنابيب غاز روسي، من جهة جنوبي البلقان، عبر اليونان ومقدونيا إلى الغرب الأوروبي.

الموقف الروسي واضح في هذا السياق، ويقضي بمنع أي خط غاز آت من الشرق بمعزل عن رضى موسكو، لذلك تمدّ روسيا أوروبا بخطّي أنابيب، الأول خط "نورد ستريم" (الخط الشمالي) من جهة البلطيق، والثاني الخط العابر من أوكرانيا باتجاه الوسط الأوروبي، على أن يكون "ساوث ستريم" (الخط الجنوبي) هو ثالث هذه الخطوط. بالتالي، تقفل روسيا أبواب الغاز كلياً من الجهة الشرقية للقارة العجوز، وتؤثر على قرارها السياسي.

الآن، لم يعد بوسع الروس التعامل مع مونتينيغرو في هذا الملف، بل إن الأطلسي أضحى المُفاوض الأول في ملف الغاز. بالطبع لا يريد الأطلسي "أوكرانيا" جديدة في البلقان، لكنه لن يكون حزيناً إذا ما تهوّر الروس عسكرياً أو سياسياً، لعلمه أنهم غير مستعدين لتوسيع الجبهات العسكرية. وتجلّى ذلك في خطاب رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في شبه جزيرة القرم، في 23 مايو/أيار الماضي، الذي أوصل رسالة ضمنية للأطلسي وغير مباشرة، عن عدم قدرة روسيا على ترجمة مواقفها السياسية لانضمام مونتينيغرو للأطلسي إلى واقع ميداني.

لم تكن زيارة ميدفيديف موفّقة في شبه جزيرة القرم. مواطنو تلك المنطقة الأوكرانية أساساً، التي باتت "روسية" بعد أن ضمّتها موسكو في ربيع 2014، طالبوا ميدفيديف بزيادة المبالغ المخصصة للتقاعد، خصوصاً أن مبلغ 120 دولارا شهرياً لا يكفي المتقاعدين. رئيس الوزراء الروسي كان واضحاً في هذه النقطة "لا أموال لدينا لنزيد من التقديمات الاجتماعية".

بالتالي فإن إعلان روسيا رفضها انضمام مونتينيغرو لن يُستتبع بخطوات ميدانية مباشرة، رغم اعتبار المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي في 19 مايو/أيار الماضي، أن "العملية الاصطناعية المتواصلة لجرّ مونتينيغرو إلى الحلف تجري على أساس اتفاقات أبرمت وراء الكواليس مع أصحاب القرار في بودوغوريتشا، من دون أخذ رأي مواطني البلاد بعين الاعتبار وبالتفاف على القيم والعمليات الديمقراطية التي يعلن الأطلسي التزامه بها على نحو نشط".

تريد روسيا استيلاد الإشكالية بين قيادة البلاد والشعب، على أساس أن الخلاف الداخلي قادر على تأخير أي عملية سياسية كاملة، على أن يتم الرهان على الوقت لقلب المعادلة لصالح أنصار رفض الانضمام للأطلسي. تماماً كما هي الحال عليه في مولدوفا، لناحية اعتماد السلطة فيها سياسة متوازنة بين الروس والأطلسيين، لمنع أي حالة فوضى قد تنشب في البلاد. تريد روسيا، واستطراداً صربيا، حالة مشابهة لمولدوفا في مونتينيغرو.

لا تبدو مونتينيغرو في وضع جيدّ، رغم ابتعادها جغرافياً عن روسيا، لكن وجود صربيا في الجوار، قد يُشكّل نقطة تحوّل في حال أراد الروس فرض نفسهم في البلقان عن طريق الصرب، تحديداً عبر استغلال ملف اللجوء. كما أن مونتينيغرو، رسّخت في مكان ما، تحالفا روسيا ـ صربيا، لم يكن وارداً على أيام باني يوغسلافيا السابقة، جوزيف تيتو، مع أنه كان شيوعي الانتماء. الزعيم اليوغسلافي كان إلى حدّ ما من غلاة المعادين للمعسكر السوفييتي، حتى أنه شكّل فريقاً عالمياً ثالثاً، عبر منظمة "دول عدم الانحياز"، فقط للخروج من العباءتين السوفييتية والأميركية. الآن، باتت صربيا مفتاحاً مركزياً لروسيا في البلقان، رغم أن الروس أيام بوريس يلتسين لم يقوموا بشيء لمنع سجن الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، واقتياده إلى المحكمة الدولية في لاهاي ـ هولندا، إلا أنهم احتضنوا عائلته. لم يكن يلتسين راغباً في تدمير ما كان يبنيه مع الغرب، باسم روسيا الجديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لصالح رجل ثبتَ قيامه بمجازر في كوسوفو.

رحلة مونتينيغرو الأطلسية، ستمرّ بصعوبات عدة، قد يكون أبرزها في المرحلة المقبلة، إتمام عملية الانضمام كاملاً، والاستعانة بالخبرات الأطلسية العسكرية، بعد إعلان روسيا عدم مواصلتها التعاون العسكري والتدريب التقني مع السلطات في بودغوريتشا.

المساهمون