قراءة أميركية لـ"صفقة القرن": نقل السفارة وزيارة كوشنر قتلاها

14 يوليو 2018
تباعد غير مسبوق بين الإدارة الأميركية والفلسطينيين (فرانس برس)
+ الخط -

"عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته التوسّط والتعهّد بحلّ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكونه يأتي من خارج المؤسسات السياسية، تملّك الكثير منّا الحماس لهذه الدعوة. إلا أنّ خطواته الخطرة وغير المحسوبة مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتنا إليها، قتل فعلياً أيّ مبادرة قد تخرج من هذه الإدارة". بهذه الكلمات بدأ دبلوماسي أميركي متقاعد على اطلاع بملفات عملية سلام الشرق الأوسط، حديثه مع "العربي الجديد". وأضاف: "كان من المهم لصهر الرئيس جاريد كوشنر أن يذهب ويتجوّل بين عواصم الشرق الأوسط للاستماع بنفسه لموقف الدول العربية حتى تلك التي لها علاقات دبلوماسية وتعترف بإسرائيل مثل مصر والأردن. وقد يكون أهم ما سمعه كوشنر ما تذكر تقارير إخبارية، أنه صدر من عواصم خليجية اعتقدت إدارة ترامب أنها في طريقها للتطبيع مع إسرائيل، وإنها ستضغط لدفع الفلسطينيين لقبول ما يمليه عليهم الرئيس وصهره. إلا أنّ نتائج هذه الزيارة وردود الأفعال على تصورات إدارة ترامب كانت سلبية بالنسبة لهم، وأراها أطلقت رصاصة الرحمة والنهاية الفعلية على ما يُطلق عليه صفقة القرن".

وبالفعل كانت زيارة كوشنر للشرق الأوسط قبل نهاية الشهر الماضي دليلاً كاشفاً على سطحية عرض الإدارة الأميركية. وكان ترامب قد تعهّد بعد أسبوع واحد من فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بـ"تحقيق السلام في الشرق الأوسط"، قائلاً "هذه هي صفقة القرن، وأنا كصانع صفقات، أودّ أن أعقد هذه الصفقة التي صعبت على الجميع من قبل، وأودّ أن أنجزها من أجل البشرية جمعاء". وخلال لقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بترامب في البيت الأبيض في إبريل/نيسان 2017، أكّد الأوّل دعمه الثاني في سعيه إلى حلّ "قضية القرن"، وقال السيسي الذي وقف بجوار ترامب، "سنقف بشدة إلى جانب الحلول التي ستطرح لحل قضية القرن في صفقة القرن التي أنا متأكّد أن الرئيس الأميركي سيتمكّن من إنجازها"، وردّ ترامب بالقول "بالتأكيد سنفعلها".

وقبل ذلك بشهرين، خرجت دراسة عن كلية السياسات العامة والعلاقات الدولية بجامعة برنستون، تحت عنوان "صفقة القرن، كيف تستخدم أميركا نفوذها وروابطها لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟"، لتحذّر بوضوح من مغبّة قيام الإدارة الجديدة من الإقدام على خطوتين من شأنهما إنهاء عملية السلام وشلّ الدور الأميركي "كراعٍ مقبول من الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني"، والنقطتان هما: أولاً، نقل واشنطن سفارتها من تل أبيب إلى القدس، إذ رأت الدراسة أن من شأن الإقدام على هذه الخطوة أن تقتل حل الدولتين عملياً. وثانياً، تجاهل بناء إسرائيل مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، إذ من شأن تجاهل الرئيس هذا العمل غير الشرعي، على العكس من السياسة الأميركية الثابتة ضد هذه الخطوات، من شأنه التأكيد على أنّ واشنطن لم تعد تدعم حلّ الدولتين. ورأت الدراسة أنّ الخطوتين السابقتين تدعمان جهود اليمين الإسرائيلي لتجنّب مسار مفاوضات السلام، كما تدفع كذلك الفلسطينيين للابتعاد أكثر وأكثر عن طاولة التفاوض.

وفي السياق ذاته، تحدّثت "العربي الجديد" مع السفير دانيال كروتزر، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في مصر أثناء عهد الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون، وعمل كذلك سفيراً في إسرائيل في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش، ومكّنته خبرته الدبلوماسية والسياسية الواسعة من أن يصبح أحد أهم الأصوات التي يلتفت إليها عند الحديث عن أي تسوية لصراع الشرق الأوسط. وذكر كروتزر أنه "من الواضح أن ترامب وكوشنر استثمرا الكثير من أوقاتهما في محاولة التقدّم في عملية السلام التي لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس مستعدان للمشاركة فيها". وبالطبّع تعرف إسرائيل حالياً أكثر الوزارات يمينية في تاريخها، وهو ما ينبئ بتشدّد كبير تجاه منح الفلسطينيين أياً من حقوقهم المشروعة، في حين يعاني الأخيرون من انقسام بين حركة "حماس" والسلطة الفلسطينية، مما يُصعّب من احتمالات قبول الأطراف أي مبادرات تتضمّن تنازلات هنا وهناك.

 


تعويل أميركي غير واقعي على دول الإقليم

تخرج تقارير صحافية عديدة لتشير إلى دور تمويلي لدول الخليج العربي في أي ترتيبات مستقبلية، كذلك يتم الإشارة لدور أكبر للأردن ومصر في الانخراط مع الفلسطينيين في إطار معادلات "الصفقة". ويعكس ذلك توقعاً من ترامب بضرورة تحرّك حلفائه لدعم سياساته. إلا أنّ الدور الإقليمي الداعم للخطة الأميركية يختلف جذرياً بين واشنطن والعواصم العربية. مع ذلك، لا تزال أصوات عربية رسمية كثيرة تنادي بضرورة تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، بدليل ما سمعه أخيراً مجالسو حاكم عربي في جلسة مغلقة جمعته بقادة منظمات يهودية أميركية، إضافة لعدد من كبار المفكّرين وخبراء شؤون الشرق الأوسط من مراكز أبحاث أميركية عدة، حيث نادى خلالها بضرورة استغلال إدارة ترامب لحالة الضعف العربي غير المسبوق، والانقسام والتشتت الفلسطيني من أجل إنهاء قضية فلسطين. وقال ذلك الحاكم إنّ العرب، حكومات وشعوباً، مشغولون بدرجة كبيرة بشؤونهم الداخلية الضيقة؛ سواء كانت تلك المتمثلة بتبعات الربيع العربي، أو بتبعات ظهور تنظيم "داعش" وتمدده، وهو ما سمح بتلاشي الاهتمام الشعبي والحكومي الرسمي بالشأن الفلسطيني. وذكّر الحاكم العربي الحاضرين بأن الدول العربية المعتدلة ستضغط على الفلسطينيين للقبول بدولة تقدّمها وتعرفها وتصمم حدودها إسرائيل، ونصح الحاضرين بضرورة استغلال الفرصة الفريدة للوضع العربي الراهن، وبسرعة، لمنح الفلسطينيين ما يشبه الدولة، لأن لا أحد يضمن ما سيأتي به الغد.

من ناحية أخرى، ضمنت واشنطن دعم السعودية غير المشروط على أي مبادرة تطرحها، خصوصاً بعد صدور قانون "جاستا JASTA" (العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي)، والذي أصدره الكونغرس قبل عامين، ويعد خطوة ووسيلة لتوجيه الاتهام للسعودية بالضلوع مباشرة في اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001. لهذا السبب تحديداً، يمكن تفهّم سعي السعودية الحثيث لتأمين نفسها في واشنطن، حتى لو كان ذلك من خلال بوابة تل أبيب ومن خلال دور ضاغط على الفلسطينيين للقبول بواقع جديد يُفرض عليهم. ويعتقد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، أنّ تكراره مقولات من قبيل أن بلاده وإسرائيل يجمعهما هدف مشترك يتمثّل في العداء للمشروع الإيراني في المنطقة، ومعارضتهما الشديدة للاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى الكبرى، كفيل بقبوله من دوائر اللوبي اليهودية النافذة وقوى اليمين الجمهوري المحافظ. من هنا لم يكن مستغرباً أن يقول بن سلمان، لمجلة "ذي أتلانتيك": "أعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في امتلاك أراضيهم الخاصة"، لتكون المرة الأولى التي يتحدّث فيها زعيم عربي عن "أراضٍ خاصة" بإسرائيل.

ويرى السفير كروتزر أنّ كوشنر تخيّل "أنّ بعض الدول العربية إمّا ستقف في وجه الفلسطينيين أو ستقوم بالضغط عليهم وعلى أبو مازن من أجل أن يجلس ويتفاوض مع الأميركيين، وهذا يعكس تبسيطاً لعمق الصراع، ويُظهر جهلاً كبيراً بحقائق وتفاصيل الأوضاع في الشرق الأوسط". وتابع كروتزر أنه "ربما يرغب السعوديون وآخرون في تواصل الفلسطينيين وأبو مازن مع الولايات المتحدة، لكنهم لن يقفوا إلى جانب كوشنر ونتنياهو ضد أبو مازن والفلسطينيين".

من هنا، خرجت بعض الأصوات في واشنطن لتقلّل من أهمية جولة كوشنر والتي أخذته لعواصم شرق أوسطية عدة، ورفضت القيادة الفلسطينية حينذاك لقاءه. وفي هذا الإطار، لا يعطي مارتن إنديك، مبعوث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لعملية السلام في الشرق الأوسط، أهمية كبيرة لجولة كوشنر الأخيرة، ولا لجهوده، ويقول إن "محاولة إقناع الفلسطينيين بالضغط على أبو مازن ستكون بائسة، وعلينا النظر لتظاهرات الضفة الغربية التي خرجت ضد خطة كوشنر".

 

كوشنر بين السذاجة والهزلية

كذلك خرجت بعض ردود الأفعال الأميركية على اللقاء الصحافي الأول لكوشنر، والذي خصّ به صحيفة "القدس" الفلسطينية، لتعبّر عن "سذاجته أو هزله". ولم يشر كوشنر من بعيد أو قريب للاحتلال أو حقّ الفلسطينيين في دولة مستقلّة، واختار اللعب على وتر وعود للشعب الفلسطيني بتحسين الظروف المادية والاقتصادية والمعيشية، من دون أن يتطرق لحقوقهم السياسية المشروعة. من هنا كتب فيليب جوردون، الخبير في مجلس العلاقات الخارجية، عن "فانتازيا كوشنر" بخصوص عملية السلام، وذكر خمس نقاط في هذا الشأن وهي:

1- يتخيّل كوشنر أنّ بإمكانه أخذ مبادرة "صفقة القرن" مباشرة إلى الشعب الفلسطيني وتجنّب الرئيس محمود عباس الذي رفض حتى أن يلتقيه.

2- يتخيّل كوشنر أنّ ما تقدّمه إدارة ترامب أفضل مما قدمته الإدارات السابقة الديمقراطية والجمهورية، وأنها في موقف أفضل من سابقيها في تعاملها مع الشرق الأوسط.

3- يتخيّل كوشنر أنّ الأردن ومصر ودول الخليج ستدعم ما يعرضه ترامب وتضغط على الفلسطينيين للقبول به.

4- يتخيّل كوشنر أنّه يمكن عن طريق الإغراء بالمساعدات المالية الاقتصادية أن يقبل الفلسطينيين بعرض ترامب الذي يتضمّن كذلك فرصاً استثمارية وبنى تحتية تحسّن مستوى المعيشة.

5- يتخيّل كوشنر أنّ اليمين الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو سيقبل بأيّ عرض تقبله الدول العربية! ولن تقبل الدول العربية إلا بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. أمّا نتنياهو فقد توقّف عن الحديث عن دولتين منذ سنوات!

ويؤمن السفير كروتزر أنه "كان يجب على مستشاريهم أن يقنعوهم بضرورة التخلّي كلياً عن موضوع صفقة القرن وسلام الشرق الأوسط عقب قرار مدينة القدس، وأن يتجهوا للتركيز على قضايا أخرى".

 

تحالف مسبوق مع إسرائيل... عداء غير مسبوق للفلسطينيين

وترى دراسة، صدرت عن مركز أبحاث الكونغرس عن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في 21 مايو/أيار الماضي، أنه "على الرغم من تعبير ترامب وكبار أركان إدارته عن رغبتهم الكبيرة في التوسّط للوصول لاتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنّ الكثير من مواقفهم وسياساتهم تطرح شكوكاً حول توقيت وفاعلية أي مبادرة دبلوماسية أميركية".

وعن نقل ترامب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، تقول الدراسة إن "الرئيس الأميركي لا يبدو أنه يفهم تعقيدات قضية القدس للجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي، بدليل قوله، في لقاء لاحق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على هامش "منتدى دافوس"، "لقد تمّ إخراج قضية القدس من على طاولة التفاوض". وترى الدراسة نفسها أن "التوتّر عقب قرار القدس أثّر على قرارات إدارة ترامب بخصوص تقليل أو إلغاء تقديم مساعدات للفلسطينيين".

من هنا، يرى السفير كروتزر أنّه "من الغريب أن يظلّ ترامب وكوشنر مشغولين بموضوع عملية السلام عقب نقل السفارة الأميركية للقدس، وما أعقب ذلك من تباعد غير مسبوق بين الإدارة الحاكمة في واشنطن والفلسطينيين".

وأظهرت دراسة أخرى لوحدة أبحاث الكونغرس عن المساعدات الأميركية للفلسطينيين، وصدرت يوم 18 مايو/أيار الماضي، أنّ "توتر العلاقات الفلسطينية الأميركية وصل إلى درجة غير مسبوقة في التاريخ الحديث". وقد أشار ترامب بغضب إلى موقف إدارته بالقول عقب لقائه نتنياهو على هامش منتدى دافوس "لم يحترمنا الفلسطينيون، فقد رفضوا الأسبوع الماضي الجلوس والحديث مع نائب الرئيس الأميركي. نحن نعطيهم مئات الملايين من الدولارات من المساعدات والمنح، ولا أفهم لماذا يستمر ذلك، الأموال موجودة، ولن نعطيها إليهم إلا إذا جلسوا وتفاوضوا حول السلام". كذلك رفضت إدارة ترامب تجديد عمل مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" وممثلها في واشنطن، إضافة إلى وقف دعمها المالي لعدد من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل "أونروا" وغيرها.

المساهمون