سورية: صعوبات تواجه جهود تجنيب إدلب "السيناريو الأسود"

24 اغسطس 2017
خلال دفن ضحايا "الخوذ البيضاء" بإدلب(عمر حج خضور/فرانس برس)
+ الخط -
منذ سيطرة "هيئة تحرير الشام" (التحالف الذي تقوده جبهة النصرة) على معظم المحافظة قبل حوالي الشهر، تقف إدلب عند مفترق طرق، وسط سيناريوهات عدة مطروحة للتعامل مع هذا الوضع من جانب قوى محلية وإقليمية ودولية معنية بالصراع السوري. وهناك إجماع بين تلك القوى على أن تجنيب المحافظة "الأسوأ" يقتضي ضرورة تغييب "الهيئة" عن المشهد، بأية وسيلة ممكنة، سواء كانت سلمية أم عسكرية، وتولي إدارة المدينة من جانب كيان مدني مستقل فعلاً عن الفصائل المسلحة. لكن هذه الطروحات، والتي تكثف تركيا جهودها من أجل تطبيقها، تعترضها في الواقع صعوبات عدة، في مقدمتها رفض "هيئة تحرير الشام" حل نفسها، وضعف القوى الأخرى التي يفترض أن تتسلم إدارة المدينة من "الهيئة" وعدم تغطيتها إقليمياً ودولياً.

وفي هذا الاطار، تداولت وسائل إعلام تركية، ومنها صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة، ما قالت إنها خطة تركية لـ"إنقاذ" المدينة من مصير أسود يعدّ لها من جانب الأطراف الأخرى الفاعلة في المشهد السوري. وتهدف الخطة إلى تجنّب سيناريوهات عدة من بينها هجوم من جانب قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أو هجوم من جانب قوات النظام السوري مدعومة من روسيا وإيران. ويشار إلى أن هجومين من هذا النوع ستتخللهما عمليات قصف جوي مكثفة قد تدمر معظم المدينة، ويذهب ضحيتها آلاف المدنيين، فضلاً عن عمليات نزوح كبرى من المدينة التي تضم حالياً نحو مليوني نسمة، سيكون في معظمه باتجاه الأراضي التركية.

وبحسب ما تم تداوله، فإن المقترحات التركية تتضمّن إقامة إدارة مدنية محلية، وفتح المنطقة أمام نشاطات الحكومة السورية المؤقتة، وذلك لإلغاء مشروعية أي عملية عسكرية دولية في المدينة. كذلك تتضمّن انسحاب المعارضة المسلحة من مركز المدينة إلى مناطق الحراسة خارجها، ونقل عناصر المعارضة، على غرار ما حدث في عملية "درع الفرات" في جرابلس، إلى جهاز الشرطة الرسمي. وتنصّ المقترحات أيضاً على تسليم الخط الممتد من باب الهوى إلى ريف اللاذقية، على طول امتداد الحدود مع تركيا، لجماعات تحظى بدعم ومصادقة الحكومة التركية. ويقضي البند الأخير من هذه الخطة بأن تقوم "هيئة تحرير الشام" بحل نفسها، مع انضمام من يرغب من مقاتليها إلى جماعات معارضة أخرى، وخروج العناصر المتشددة إلى خارج حدود المحافظة.


وذكرت مصادر مطلعة أن ممثلي المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وبعض قادة العشائر بدأوا بعقد اجتماعات طارئة في المدينة، بهدف مناقشة المقترحات التركية. وأوضحت أن الموقف الحاسم في هذا الصدد سيكون بيد "هيئة تحرير الشام" لتفوّقها العسكري في المدينة، مشيرةً إلى أن "الهيئة" وافقت على المقترحات التركية باستثناء البند الخاص بحل نفسها. وقالت المصادر إن حراكاً دبلوماسياً واجتماعات متلاحقة تجري في أنقرة، تتركز مع أطراف من المعارضة السورية في محاولة لإيجاد صيغة تقبل بها الجهات الدولية وتجنب المحافظة عواقب عملية عسكرية كبيرة، إضافة إلى الحفاظ على أكبر معاقل المعارضة السورية وعدم السماح بسقوطها لصالح قوات النظام. وذكرت الصحف التركية أن المباحثات التي تجري في العاصمة التركية تضم ممثلين عن الفصائل المسلحة في إدلب والهيئات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إضافةً إلى ممثلين عن العشائر.

ويتزامن ذلك مع حراك دولي تشهده أنقرة أيضاً، ويتركز حول بحث مصير إدلب، وبعد زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد حسين باقري، إلى أنقرة، وصل إليها أمس الأربعاء، وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، قبيل زيارة مرتقبة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وبعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى الأردن يوم الإثنين الماضي. وتسعى تركيا لإقناع الأطراف الدولية بضرورة تجنب اللجوء إلى عملية عسكرية كبيرة يمكن أن تؤدي إلى تدمير محافظة إدلب وخلق أزمة إنسانية كبيرة.

وكانت مصادر تركية قد ذكرت أن روسيا طلبت من تركيا تأجيل بحث الاقتراح التركي بمهاجمة بلدة عفرين إلى ما بعد إنهاء ملف إدلب، والذي يشكل أولوية كبرى لموسكو بحسب الرد الروسي. ومن هذا المنطلق، تضغط أنقرة باتجاه حل سلمي للوضع في إدلب، والوصول إلى توافق مع روسيا والولايات المتحدة بشأن مهاجمة عفرين. وقال الصحافي التركي، أوكتاي يلماظ، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه ليس من السهل أن تكلل الجهود التركية بالنجاح، نظراً لكون "هيئة تحرير الشام" هي القوة المسيطرة في إدلب، وقد يحتاج الأمر إلى ضغوط دولية وشعبية محلية لإقناع "الهيئة" بحل نفسها وتجنيب المدينة السيناريو الأسوأ، والذي تخطط له بعض القوى بحجة محاربة الإرهاب والتطرف.

واستبعد يلماظ أن تتعاون تركيا مع مليشيات إيرانية في أي عمل عسكري في إدلب، ولا حتى مع إيران نفسها التي لم تعلن يوماً أن لديها قوات نظامية في سورية. ورجّح أنه إذا اضطرت تركيا لدعم عمل عسكري في المدينة فسيكون عملاً تركياً-روسياً وليس تركياً-إيرانياً، على أن يكون ذلك العمل الذي لا تفضله تركيا، هو آخر الحلول، وفق تعبيره. وأشار إلى أن تركيا باتت تفضل التعامل مع أطراف أخرى غير الولايات المتحدة، بسبب إصرار الأخيرة على الشراكة مع المليشيات الكردية التي تصنّفها أنقرة على أنها إرهابية وتقديم الدعم العسكري لها من دون مراعاة المصالح التركية. وأضاف أنه في حال فشلت المحاولات التركية لتجنيب إدلب عملية عسكرية، فإن خيار أنقرة على الأغلب سيكون محاولة التفاهم مع الأطراف الدولية حول عملية عسكرية ضد العناصر المتطرفة بالمحافظة، مقابل السماح للجيش التركي بالقيام بعملية عسكرية ضد الوحدات الكردية في عفرين.


وحول تصريحات أردوغان عن تعاون عسكري محتمل بين بلاده وإيران، رأى يلماظ أن المقصود بذلك على الأرجح هو العمل المشترك ضد التنظيمات الكردية المتطرفة في سنجار وشمال العراق، أو حتى داخل الأراضي السورية، وليس ضد محافظة إدلب. واعتبر يلماظ أن الوضع في إدلب معقد بعض الشيء، وقد فرض نفسه على الأجندة التركية بعد التطورات الأخيرة في المحافظة، بعدما كانت الأولوية التركية تتمثل في التركيز على كيفية إخراج المليشيات الكردية من عفرين.

وقبيل توسيع "هيئة تحرير الشام" سيطرتها على إدلب، كانت المباحثات بين روسيا وتركيا وإيران في إطار مباحثات أستانة، تتركّز على بحث آليات فرض منطقة عدم اشتباك في إدلب، وذلك من خلال نشر قوات تركية، أو تركية وروسية، في مناطق بالمحافظة لوقف الاشتباكات. لكن اليوم، يرى مراقبون أنه بات من الصعب تطبيق هذا المقترح.

في غضون ذلك، أعلن "الحرس الثوري الإيراني" أنه ليس لديه أي خطط للقيام بعمليات عسكرية خارج حدود البلاد. ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية الرسمية عن العلاقات العامة لمقر "حمزة سيد الشهداء" التابع للقوة البرية لـ"الحرس الثوري"، نفيها تنفيذ أي برنامج عملاني خارج حدود إيران.

وفي ما يتعلق بالوضع داخل إدلب، ذكرت مصادر محلية في المحافظة لـ"العربي الجديد" أن "هيئة تحرير الشام" حلّت تقريباً كل المؤسسات المدنية في المحافظة، وطلبت من القائمين عليها إعادة تشكيلها على قاعدة التنسيق مع "الهيئة"، وإنْ كانت لم تظهر نيّتها التدخل بشكل مباشر في إعادة تشكيلها، وفق المصادر. وأشارت إلى أن العديد من المؤسسات في الداخل وافقت على نوع من التنسيق مع "الهيئة". غير أن مجلس مدينة إدلب اتهم "الإدارة المدنية للخدمات" التابعة لـ"الهيئة" في بيان له الثلاثاء، بمحاولة إخضاعه لتبعيتها من خلال قرارات "متسارعة". وأضاف البيان أن "الإدارة" اتخذت قرارات وخطوات متتالية، "خاصةً بما يخص الدوائر التي تتبع للمجلس محاولة إخضاعها لتبعيتها، فكانت قرارات أحادية"، مشيراً إلى أن المجلس "لا يُمانع في تبعية الدوائر لجهة مركزية"، لكن بشرط "وجود حكومة مدنية مستقلة معترف بها".

وكانت "الإدارة المدنية للخدمات"، التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" في الشمال السوري، قد بدأت إجراءات من شأنها فرض سطوتها على مجالس محافظة إدلب. وفي تعميم صدر مساء الإثنين الماضي، أعلنت الإدارة أن "المديرية العامة للإدارة المحلية هي الجهة الوحيدة المخولة بمتابعة أمور المجالس المحلية في المناطق المحررة".

وأكد ناشطون أن "هيئة تحرير الشام" عقدت اجتماعاً قبل أيام وسط مدينة إدلب مع عدد من منظمات المجتمع المدني وممثلي الحكومة المؤقتة في المجالس المحلية، وأبدت استعدادها للعمل مع هذه الحكومة. كذلك تحاول "الهيئة" التواصل مع عدة شخصيات قيادية في الفصائل المسلحة والسياسية بهدف التوصل إلى حل توافقي يجنب المدينة الضربة المحتملة، لكن معظم الشخصيات رفضت التعاون مع "الهيئة".

وكان مجلس مدينة إدلب، المُشكل مطلع العام الحالي، قد أطلق مبادرة دعت إلى تشكيل "حكومة إنقاذ"، خلال اجتماع الأسبوع الماضي حضره معظم مؤسسات المجتمع المدني في إدلب ومحيطها. كذلك تبحث بعض هيئات المعارضة مثل الحكومة المؤقتة و"الائتلاف الوطني" و"الهيئة العليا للمفاوضات" في سبل تجنيب إدلب ضربة عسكرية تقوم بها بعض القوى الدولية بحجة محاربة الإرهاب، على أن يكون لهيئات المعارضة دور في إدارة المدينة بوصفها الجهة الوحيدة المخولة بذلك.